31-أكتوبر-2017

تشجيع التعليم الخاص يعمق التفاوتات الطبقية ويكرس اللامساواة بين تلاميذ المغرب (فاضل سنا/أ.ف.ب)

بينما تسير سارة بقرب إحدى المدارس الخاصة المعروفة، وهي تمسك يد ابنتها الصغيرة ذات التسع سنوات، أخبرتنا أنها لم تكن لتختار التعليم المدفوع لطفلتها لولا فشل التعليم العمومي بالمغرب، حالها كشأن كثير من المغاربة الذين بدأوا يُرحّلون أبناءهم أفواجًا نحو التعليم الخاص في الآونة الأخيرة رغم تكلفته الباهظة.

تضاعفت نسبة الأُسَر التي تدرس أبناءها في المدارس الخاصة بالمغرب، من %4 سنة 1999 إلى حدود 14 % سنة 2013

تقول سارة، التي تعمل محاسبة في شركة تجارية، لـ "ألترا صوت" إن" تعليم ابنتي يقتطع ربع دخلي الشهري، ولا يغيظني ذلك"، معللة "لا أريد أن أتسبب في ضياع مستقبل صغيرتي الوحيدة بإدخالها مدرسة عمومية"، رغم أنها في نفس الوقت تضيف بأن مؤسسات التعليم الخاص  في البلاد تستغل فشل المنظومة التعليمية المغربية لاستحلاب جيوب الناس، غير أنها تعود لتقول "ليس لديَّ خيار آخر".

اقرأ/ي أيضًا: أخطاء لغوية ومعرفية.. فضائح مناهج المغرب الدراسية

ورغم التكاليف المرهقة، فإنه لم يعد التوجه نحو التعليم الخاص مقتصرًا فقط على الطبقة الميسورة والمتوسطة، بل أصبح أيضًا هاجسًا للفئات ذات الدخل المحدود، حيث تضاعفت نسبة الأُسَر التي تدرس أبناءها في المدارس الخاصة، من 4% سنة 1999 إلى حدود 14% سنة 2013، بحسب دراسة أعدها المركز العالمي للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الأخير الذي يتنبأ بوصول النسبة إلى 25% بحلول 2025.

أما على مستوى المدن الكبرى، فتؤكد ذات الدراسة أن الرقم يصل إلى ما بين 70% و80% من التلاميذ الذين يدرسون بالمدارس الخاصة، وكانت صحيفة "لوموند" الفرنسية قد أحصت في تقرير سابق لها إغلاق أكثر من مئتي مدرسة عمومية، بينها 135 ابتدائية في كبرى المدن المغربية، منذ عام 2008، مقابل ارتفاع مطرد للمؤسسات التعليمية الخاصة.

وهو ما قاد عددًا من المنظمات الحقوقية، من بينها أوكسفام، إلى توجيه انتقادات لاذعة للمغرب، بسبب سياساته الحكومية الماضية في تشجيع قطاع التعليم الخاص بدل إصلاح المدرسة العمومية، مما يزيد من تعميق التفاوتات الطبقية وتكريس اللامساواة بين تلاميذ البلد الواحد، الأمر الذي يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المشير في ديباجته إلى حق الأفراد جميعًا في التمدرس الجيد على قدم المساواة كحق طبيعي.

وجهت منظمات حقوقية انتقادات لاذعة للمغرب، بسبب سياساته الحكومية الماضية في تشجيع التعليم الخاص مما يزيد من تعميق التفاوت الطبقي

ولذلك ليس مستغربًا أن نجد معظم دول العالم المتقدم تعتبر المدرسة العمومية الركيزة الأساسية لنظامها التعليمي، بل إن بعض بلدان أوروبا، مثل فرنسا، تحظر عمل المدارس الخاصة بالمطلق، من أجل توفير تعليم يتساوى فيه الجميع، بغض النظر عن أصولهم الاجتماعية أو الطبقية.

اقرأ/ي أيضًا: التعليم المغربي..أرقام صادمة رغم خطط الإصلاح

بالمقابل، ترى النخبة السياسية والمالية في المغرب التعليم الخاص منجمًا ذهبيًا لجلب المال، سيما وأن معظمهم يملك مؤسسات تعليمية خاصة، بما فيهم رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، أما أبناؤهم فيرسلونهم نحو المؤسسات التعليمية الأجنبية داخل البلاد وخارجها، بينما يلج أولاد الطبقات الشعبية المدارس العمومية المكتظة، والفاشلة بجميع مقاييس التصنيفات الدولية، على سبيل المثال، تصنيف منظمة التعاون الاقتصادي، الذي احتلت فيه المغرب الرتبة 73 من أصل 76 بلدًا من حيث جودة المدارس.

معظم النخبة السياسية والمالية في المغرب تمتلك مؤسسات تعليمية خاصة، مما يفسر تشجيعها وتواصل إهمال التعليم العمومي

ومن ثمّة فإن أبناء الفقراء عادة لا يحصلون على المهارات والكفاءات اللازمة للنجاح في حياتهم المهنية والشخصية، نتيجة تلقيهم تعليمًا منخفض الجودة، الشيء الذي بدوره لا يمكّنهم من تعليم أولادهم بشكل جيد في المستقبل، بينما أطفال الأسر الثرية يحظون بتعليم أفضل خاصة على مستوى اللغة، وبالتالي تفتح لهم فرص أكثر لشغل مناصب رفيعة، ليعاودوا بدورهم تمكين أبنائهم من تمدرس جيد بالمدارس الخاصة .

ولعل المقررات الابتدائية الشديدة الركاكة أسلوبًا ومضمونًا، والتي أثارت سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، أفضل مثال للهراء الذي يقدم لأبناء الفقراء، الذين لا يجدون أمامهم سوى المدارس العمومية لتلقي تعليمهم الأساسي، مما يؤثر على مستقبلهم المهني ووعيهم الشخصي بل في الحياة ككل.

 

بهذا الوضع، يصبح النظام التعليمي في المغرب، بمثابة أداة "لإعادة إنتاج التفاوتات الطبقية"، بتعبير السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو، حيث تقل فرص الارتقاء الاجتماعي بالنسبة للأفراد الذين تنحدر أصولهم إلى طبقات متدنية في المجتمع، فيما تزداد حظوظ أبناء الطبقات العليا في الحفاظ على مكانتهم الاجتماعية، وهكذا تورث كل فئة لأطفالها نفس الأوضاع الاجتماعية التي تعيشها، تبعًا لنوعية التعليم الذي تلقوه الأبناء، ما عدا استثناءات قليلة.

اقرأ/ي أيضًا:

الصم والبكم في المغرب.. مصير مجهول وحرمان من التعليم

عن قنوات التهريب التي نسميها مدارس!