03-مايو-2017

من احتجاجات سابقة للصحفيين المغاربة سنة 2012 (صورة أرشيفية/ فاضل سنا/أ.ف.ب)

إن "حرية الصحافة لم تكن قط مهددة على النحو الذي هي عليه اليوم"، بهذه العبارة وصفت منظمة "مراسلون بلا حدود"، في تقريرها الحديث، وضع الصحافة العالمي، وهي تدق ناقوس الخطر الذي يهدد الصحافيين جراء عملهم في كثير من بقاع العالم، التي ازدادت قتامة في قمع حرية التعبير في الآونة الأخيرة.

حصل المغرب على المركز 133 من أصل 180 في التصنيف السنوي لهذا العام في مؤشر حرية الصحافة، وأدرج ضمن فئة البلاد ذات "الوضع الصعب"

المغرب واحد من هذه الدول، حيث حصل على المركز 133 من أصل 180 في التصنيف السنوي لهذا العام في مؤشر حرية الصحافة، وأدرجته "مراسلون بلا حدود" ضمن فئة البلاد ذات "الوضع الصعب"، التي تلي مباشرة القائمة السوداء لأسوأ البلدان في العالم لممارسة الصحافة، متأخرًا عن السنة الفارطة التي احتل فيها الرتبة 131.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام التونسي في 2017.. مكاسب في خطر

هذا التراجع للمغرب في حرية التعبير لم يسجل فقط خلال الفترة الأخيرة، وإنما توالى على نحو مستمر طيلة الأربع سنوات الأخيرة، وهو ما وصفته المنظمة بـ"التدهور البطيء والثابت لحرية الصحافة بالمغرب"، حتى أصبح متخلفًا في مؤشر حرية الصحافة عن دول هشة تغرق في حروب ضارية مثل أفغانستان، التي حصلت على المرتبة 120، في تقرير المنظمة العالمية، الواقع مقرها بالعاصمة الفرنسية باريس.

وتقول منظمة مراسلون بلا حدود، في تقريرها عن حرية الصحافة في معرض حديثها عن المملكة المغربية، إن المغرب يواصل "ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المغربية المستقلة لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة"، وذكرت أن حالات طرد الصحافيين الأجانب ازدادت في عام 2016 بالبلد.

لم تكن مراسلون بلا حدود، هي الوحيدة التي تشير إلى الوضع الصعب الذي تعيشه الصحافة في المغرب، فهنالك أيضًا منظمة "فريدم هاوس" والتي تصنف المغرب في خانة الدولة "غير الحرة" في تقريرها الجديد في مجال حرية الصحافة، محتلًا الرتبة 143 عالميًا من أصل 199 دولة، وحصل على 65 نقطة من مئة في تقييم مستوى الحرية في ممارسة الصحافة.

لكن لا يبدو أن الحكومة المغربية تعترف بالصعوبات الجمة التي باتت تواجه الصحافة في البلاد، فقد صرح وزير الاتصال والثقافة، محمد الأعرج، في بيان صحفي له، ردًا على انتقادات مراسلون بلا حدود أن هذا التقرير "ليس موضوعيًا وغير محايد".

من جهتها، نشرت جماعة العدل والإحسان الإسلامية، المعارضة للنظام المغربي، بياناً إعلامياً على موقعها الإلكتروني الرسمي عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، تؤكد فيه أنه "لا إرادة سياسية تبدو في الأفق لضمان حرية التعبير وتحرير هذا الحقل الرازح قسرًا تحت سيطرة السلطة وتحكمها"، على حد تعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: فضيحة "نبيل القروي".. حينما يتحوّل الإعلام إلى إجرام في تونس

صحافيون متابعون قضائيًا

تقول مراسلون بلا حدود إن المغرب يواصل ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على وسائل الإعلام المستقلة لثنيها عن معالجة القضايا الحساسة

يظهر الوضع الحرج الذي تمر به الصحافة في المغرب خلال الآونة الأخيرة، من خلال المتابعات القضائية لعدد من الصحافيين المغاربة، وهي متابعات اعتبرتها العديد من المنظمات الدولية تضييقًا على حرية الصحافة.

تحضر في هذا الصدد، حالة عبد الله البقالي، رئيس النقابة الوطنية للصحافيين المغاربة، الذي يتابع قضائيًا بناء على مقال افتتاحي نشره بجريدة العلم، التابعة لحزب الاستقلال، اتهم فيه السلطات بالتواطؤ واستعمال المال في انتخابات مجلس المستشارين، الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي. وعدّت الكثير من الشخصيات والجهات الحقوقية والصحافية المحلية محاكمة نقيب الصحافيين المغاربة، عبد الله البقالي، "ردة خطيرة" تنذر بالأسوأ في التضييق على حرية التعبير.

أيضًا يخضع الصحافي حميد المهداوي، رئيس تحرير موقع بديل المحلي، لمتابعات قضائية متعددة في آن واحد، أبرزها الشكاية التي تقدم بها وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، عزيز أخنوش، ضد حميد المهداوي بجانب الصحافي المخضرم خالد الجامعي، وهشام العمراني،  بتهمة "السب والقذف ونشر أخبار زائفة"، وذلك على خلفية حوار أجراه موقع "بديل" مع خالد الجامعي، أواخر شهر كانون الثاني/ يناير من السنة الجارية.

وكان حميد المهداوي، قد واجه العام الماضي متابعة قضائية من طرف وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، مصطفى الرميد، عندما كان وزيرًا للعدل والحريات خلال الولاية المنصرمة للحكومة، وحكم عليه بالسجن 4 أشهر مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 10 آلاف درهم، الحكم الذي لاقى انتقادات لاذعة من طرف منظمتي "العفو الدولية" و "مراسلون بلا حدود".

تتعدد المتابعات القضائية لعدد من الصحافيين المغاربة، المتابعات التي اعتبرتها العديد من المنظمات الدولية تضييقًا على حرية الصحافة

قوانين مقيدة لحرية التعبير

نظمت أول مناظرة وطنية في المغرب تعنى بإصلاح قوانين الإعلام عام 1993، وبعد مرور 23 سنة لا يبدو أن القانون المغربي نجح في توفير بيئة مشجعة لصحافة وطنية مستقلة وحرة، بل إنه لا تزال المملكة المغربية لحد الساعة دون قنوات تلفزيونية خاصة.

وعلى الرغم من أن قانون الصحافة الجديد، الذي أثار جدلًا محتدمًا بين الحكومة والأوساط الإعلامية والحقوقية، يحمل بعض التباشير الإيجابية، من قبيل استبدال العقوبات السجنية بالغرامات المالية، والحماية القضائية لسرية المصادر، وإقرار ضمانات الحق في الحصول على المعلومة، إلا أنه يحوي قيودًا تحد من حرية الصحافيين في أداء مهامهم، قد تصل إلى المصادرة والحجز والغرامات المالية المغلظة، وحتى إلى المنع من الكتابة.

لكن الأشد من ذلك هو إمكانية محاكمة الصحافيين بالقانون الجنائي، وليس قانون الصحافة والنشر فقط، وبالتالي يصبح الصحافي معرضًا للعقوبات السجنية جراء أعمال صحافية. من ذلك على سبيل المثال مشروع قانون التعديل الجنائي الذي ينص في المادة 179 على عقوبة بالسجن من سنة إلى خمس سنوات، وغرامة من 5 آلاف (نحو 500 دولار أمريكي) إلى 50 ألف درهم (نحو 5000 دولار أمريكي)، لكل من "يسيء إلى الدين أو يحرض ضد الوحدة الترابية أو يسيء إلى النظام الملكي أو شخص الملك أو ولي العهد أو أعضاء الأسرة الملكية".

ويقول الصحافي علي أنوزلا، في تقرير نشره بمركز الدوحة لحرية الإعلام، إن قانون الصحافة الجديد يحفل بالعديد من العبارات الفضفاضة التي تسمح للقاضي بحرية التأويل، من قبيل "الإساءة للدين الإسلامي"، "الاحترام والتوقير الواجبين لشخص الملك وأصحاب السمو الملكي والأمراء والأميرات"، "إثارة الفزع بين الناس"، واصفًا إياه بكونه يوفر "حرية مقيدة"، وهو ما يتعارض مع المفهوم الكوني لحرية التعبير.

وكانت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان قد دعت إلى مراجعة شاملة لقانون الصحافة، بما ينسجم مع القيم والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان، خاصة منها إلغاء العقوبات السالبة للحرية ولو بالمنع من الكتابة، كما أكدت على ضرورة مراجعة المواد ذات الصيغ الفضفاضة، ووضع ضمانات قانونية لعدم متابعة الصحافيين بالقانون الجنائي.

اقرأ/ي أيضًا:

جريدة "الشروق" الجزائرية.. من وراء إيقافها؟

"كوابيس السلطة الرابعة".. كيف تغيرت الصحافة العربية في 2017؟