18-أكتوبر-2018

تظاهرة احتجاجية في بيروت ضد زيادة الضرائب في 2017 (رويترز)

انتهت الحرب الأهلية اللبنانية قبل 30 عامًا تقريبًا، وبدأ اللبنانيون حقبة جديدة في تاريخهم، وفتح زعماء الحرب صفحات جديدة فيما بينهم، ووقّعوا ما عُرف باتفاق الطائف، الذي وضع الخطوط العريضة لآلية إدارة البلاد بعد الحرب، وأطلق أيدي زعماء الطوائف للتحكم بمقدرات الوطن في فترة السلم.

تحتاج الأسرة المتوسطة في لبنان، المكونة من أربعة أفراد، إلى حوالي 750 دولار أمريكي شهريًا للطعام فقط

في العقود الثلاثة الماضية، شهد لبنان محطتين مفصلتين، يمكنهما أن تكونا حدًا فاصلًا لحقبتين مختلفتين، وهما: اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري شتاء 2005، وما تلاه من ارتدادات سياسية واجتماعية، وانسحاب الجيش السوري من لبنان على إثره، ثم حرب تموز/يوليو 2006، التي شنتها إسرائيل على لبنان، وتبعاتها على الأوضاع الاقتصادية السياسية.

اقرأ/ي أيضًا: القطاع العام في لبنان.. فشلٌ بطعم طائفي

وعليه، فإنه من الممكن الحديث في فترة ما بعد اتفاق الطائف عن لبنان ما قبل 2005 ولبنان ما بعد 2006، علمًا بأن الأحداث التي جرت بين هذين التاريخين، والانقسام العامودي والمظاهرات المليونية، ساهمت لحد كبير في رسم ملامح الفترة التالية، والتي لا زلنا نعيش تبعاتها لليوم.

بدأت ورشة الإعمار مباشرةً بعد انتهاء الحرب، وكانت الحياة تعود إلى طبيعتها بشكل تدريجي. استلم رفيق الحريري رئاسة الحكومة ابتداءً من 1992، واعتمد لبنان في هذ المرحلة التي عرفت بـ"الحريرية السياسية" على السياحة والخدمات، على حساب القطاعات الأخرى.

كان الحد الأدنى للأجور يساوي 200 دولار أمريكي شهريًا، وقد خلقت ورشة إعادة الإعمار فرص عمل للشباب اللبناني، كذلك استمرت في تلك الفترة هجرة الشباب اللبناني إلى الخليج وإلى أفريقيا وباقي دول العالم، فاستفاد اللبنانيون المقيمون من الأموال التي كان يحولها ذووهم من بلاد الانتشار.

منذ 2007، بدأت القدرة الشرائية للبنانيين في التدهور بشكل سريع
منذ 2007، بدأت القدرة الشرائية للبنانيين في التدهور بشكل سريع

أما معدل الدخل الفردي في لبنان في التسعينات ومطلع الألفية، فقد كان حوالي أربعة آلاف دولار سنويًا للمواطن. وفي تلك الفترة كان سعر صفيحة البنزين لا يتعدى عشرة دولارات، وكانت تزن ربطة الخبز 1.5 كيلوغرام. بينما كانت أسعار المواد الغذائية والخضر والفواكه ووسائل النقل منخفضة.

بعد أحداث 2005 وحرب تموز/يوليو 2006، ضُخّت مبالغ هائلة في الاقتصاد اللبناني من أجل إعادة إعمار ما تهدم، وللتعويض على المتضررين. وزادت السيولة بيد المواطنين، وارتفعت القدرة الشرائية بشكل جنوني، لكن بصورة مؤقتة ومرحلية. وقد ساهم ازدياد الطلب على الحاجيات كالأثاث وغيره وعلى الخدمات كالبناء والطلاء وما إلى ذلك، في رفع أسعار بعض السلع والخدمات. كذلك ارتفعت أسعار العقارات بشكل جنوني، فالشقة التي كانت تساوي حوالي 40 ألف دولار في ضواحي بيروت، فاق سعرها 100 ألف دولار ابتداءً من 2007. 

وارتفعت أيضًا أسعار السلع الغذائية بشكل ملحوظ. يقول علي (38 عامًا) وهو موظف يعول أسرة من أربعة أفراد، إن وجبة الفطور تكلفه حوالي 5 دولارات يوميًا، فيما تكلفه وجبة الغداء 12 دولارًا تقريبًا، وإذا أضيف إليها العشاء وبعض المتفرقات ومصروف الأبناء، فإنه يدفع يوميًا 25 دولارًا تقريبًا للطعام، أي حوالي 750 دولارًا شهريًا. وتتالف وجبة الفطور غالبًا من الأجبان والألبان والبيض، وتضاعف سعرها جميعًا بعد 2006، فيما يتكون الغداء من اللحوم والخضار والرز غالبًا.

كذلك ارتفع سعر المحروقات بشكل جنوني، وبالرغم من أنه يتغير بشكل أسبوعي تقريبًا هبوطًا أو صعودًا، إلا أن معدل أسعار البنزين والمازوت والغاز، يساوي تقريبًا ضعف ما كان عليه في التسعينات. أما ربطة الخبز التي حافظت على سعرها، فإن وزنها تناقص تدريجيًا ليصل إلى اليوم 900 غرام بانخفاض نسبته 40% تقريبًا. 

وفي كل مناسبة، يدأب حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، على طمأنة اللبنانين على استقرار الليرة اللبنانية وثبات قيمة صرفها مقابل الدولار، إلا أن المواطنين بدأوا يشعرون بأنهم يتعرضون لخديعة. ففي الوقت الذي تتضاعف فيه أرباح المصارف والمؤسسات الكبيرة، فإن القدرة الشرائية للمواطن تنخفض بشكل مقلق. وبالتالي فإن الحديث عن استقرار صرف الليرة لا يفيد المواطن بشيء في حياته اليومية.

وقبل عامين أقرت الحكومة اللبنانية قانون سلسلة الرتب الرواتب، بعد مظاهرات نقابية واعتصامات وإضرابات استمرت طويلًا. حصل موظفو الدولة على زيادة لرواتبهم، استفاد منها النواب والوزراء والمدراء العامين أيضًا. وكبدت هذه الزيادة الخزينة أرقامًا عالية، فلجأت الحكومة إلى زيادة الضرائب المباشرة وغير المباشرة بهدف تغطيتها، فيما لم يظهر أي نوع من الإصلاح الإداري والاقتصادي الذي وعدت الحكومة أنه سيصحب إقرار القانون.

في المقابل، تحمّل المواطن الفقير تبعات هذه الزيادة، وزادت الهوة بين الأغنياء والفقراء، وزادت نسبة اللبنانيين الرازحين تحت خط الفقر. ففي عام 2017، نشر البنك الدولي تقريرًا أكّد فيه أن 30% من اللبنانيين يقبعون تحت خط الفقر.

ونشر صندوق النقد الدولي قبل عام، دراسة حول معدل الدخل الفردي السنوي في البلاد العربية. وجاء لبنان في المرتبة السابعة بـ11 ألف دولار سنويًا للفرد. هذا الرقم وإن كان يبدو مرتفعًا نسبيًا، فإنه لا يعكس الواقع اللبناني بدقة، حيث يتفاوت مستوى المعيشة بشكل فاضح بين الأغنياء والفقراء. كذلك يعود هذا الارتفاع في معدل الدخل إلى ارتفاع الأسعار، واضطرار المواطن للعمل بأكثر من دوام لكي يؤمن مستلزمات الحياة.

وصلت نسبة الفقر في لبنان إلى 30%
وصلت نسبة الفقر في لبنان إلى 30%

وعلى مستوى الطبابة، يستفيد الموظفون اللبنانيون وأسرهم، في القطاع العام ومعظم القطاع الخاص، وطلاب الجامعة اللبنانية ومالكو سيارات الأجرة، من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويغطي هذا الصندوق الجزء الأكبر من فاتورة المضمونين الطبية.

في عام 2017، نشر البنك الدولي تقريرًا، أكد فيه أن نسبة اللبنانيين الذين يعيشون تحت خط الفقر، وصلت إلى 30%

لكنه، وكباقي القطاعات الخدمية في لبنان، يعاني من مشاكل بنيوية، وتتأخر معاملات المواطنين عدة أشهر بسبب البيروقراطية، والبطء في العمل وغياب الميكنة. وإذا كان نصف اللبنانيين تقريبًا يستفيدون من هذا الصندوق، فإن النصف الآخر يجد نفسه في مهب الريح، بدون أي أمان طبي، فيما تثقل أسعار الأدوية كاهل ذوي الدخل المحدود، مع استمرار الحديث عن الفساد والصفقات المشبوهة في عالم الأدوية.

وإذا كان لبنان يتميز بكفاءة طواقمه الطبية ومستشفياته، والتي يقصدها أهل الدول المجاورة، فإنه وللمفارقة، يموت عدد كبير من اللبنانيين سنويًا على أبواب المستشفيات بسبب رفضها لاستقبالهم قبل دفع مبلغ محدد لا يحملونه. ويذكر أن مجلس النواب أقر قبل سنوات قانون البطاقة الصحية الذي يؤمن الاستشفاء لكل اللبنانيين، كما تمت دراسة ملف ضمان الشيخوخة، إلا أن أية خطوة علمية لم تحصل للشروع بتطبيقهما.

كما لا يبدو الوضع التعليمي بحال أفضل، فالمدارس الخاصة ترفع أقساطها بشكل شبه سنوي، بحجة غلاء المعيشة وازدياد المصاريف، فيما المدارس الحكومية لا تحظى بثقة الأهالي، بسبب تدني مستوى التعليم، خاصة على صعيد اللغات الأجنبية، إضافة إلى غياب الدور الفعلي للمراقبين والمفتشين، وبالتالي فإن الأمور غالبًا تخضع لضمير المعلم، وحسّه التربوي.

وتبلغ التكلفة المتوسطة لطالب في مدرسة متوسطة المستوى في لبنان، حوالى ثلاثة آلاف دولار سنويًا، يضاف إليها تكلفة النقل المرتفعة والمرتبطة بغلاء المحروقات، والكتب التي تقوم المدارس بتغييرها سنويًا لإلزام الأهل بشراء كتب جديدة، والقرطاسية والمناسبات الوطنية والحفلات المدرسية، وغيرها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ضرائب "السلسلة" تخنق فقراء لبنان.. الحل من الشارع؟

لبنان والبطالة.. هل من حلٍّ في الأفق؟