03-مارس-2019

جميلة بوحيرد تشارك في الحراك الشعبي الجزائري (صحف جزائرية)

غلب الحضور الذكوري في ثورة التحرير الجزائرية، فقد خلت مجموعة الـ22 المفجرة للثورة، من أي وجه نسائي، ولم تُعيّن أي امرأة في أي منصب داخل أجهزة الثّورة أو الحكومة المؤقّتة، رغم المشاركة الفعليّة للمرأة الجزائريّة في مختلف مفاصل المسار الثّوريّ.

إلى جانب نخبة من الثوريات، استطاعت جميلة بوحيرد أن تمنح ثورة التحرير الجزائرية مسحة أنثوية إنسانية

واستمرّ هذا الغياب أو التّغييب للمرأة، عقدين بعد الاستقلال الوطنيّ، إذ تعدّ الأديبة زهور ونيسي أوّل امرأة جزائريّة تولّت حقيبة وزاريّة عام 1982.

اقرأ/ي أيضًا: لصالح من تشوه رموز الثورة الجزائرية؟

المسحة "الجميلة" على ثورة التحرير

وإلى جانب نخبة من الثّوريات، مثل حسيبة بن بوعلي وجميلة بوعزّة وجميلة بوباشا ووريدة مدّاد وشايب الدزاير، استطاعت جميلة بوحيرد أن تمنح الثّورة الجزائريّة مسحة أنثويّة وإنسانية، وتُحرّرها من الحكم عليها بكونها حركة عسكرية صرفًا. كما كان سجنها وتعذيبها من طرف الفرنسيين من أهمّ العتبات التّي لفتت انتباه المجتمع الدّوليّ إلى ثورة الجزائريين ومطالبهم العادلة، بعد 132 سنة من الاحتلال.

واستطاعت جميلة بوحيرد برمزية تمثيلها للثّورة أن تدخل إلى النّفوس والنّصوص والمسرح والسّينما والكتابات الصّحفية، على أيدي كبار المبدعين فيها عربيًّا وغربيًّا، حتّى باتت أيقونة الثّورة والشّعب.

وبما يوصف بالذكاء والانسجام مع النّفس، عزّزت بوحيرد هذا الحضور بعد الاستقلال، فلم تبتذل نفسها بالانخراط في مؤسّسات النّظام الحاكم، على اختلاف الرّؤساء، الذين مثلوه وبذلوا جهودًا كبيرة في استقطابها لتزكية مقولاتهم وخياراتهم ومشاريعهم، مقابل الاستفادة من امتيازات كثيرة.

زهدت بوحيرد في امتيازات الأنظمة المتعاقبة، حتّى أنّها وصلت إلى العجز عن التكفّل بعلاج نفسها في الخارج قبل سنوات، ولجأت إلى الاستعانة بالشّعب لا بحكومة الرّئيس بوتفليقة، الذّي طالما شعر بالحرج من عدم تزكيتها لسياساته، فأوعز محيطه لياسف سعدي، أحد زملائها الثوريين، والمعيّن ضمن الثلث الرّئاسيّ في مجلس الأمّة من طرف الرّئيس نفسه، بمحاولة تشويه سمعتها بالقول إنّها كانت تتعاون مع الفرنسيين.

بوحيرد في الحراك الشعبي الجزائري

وأعطى هذا الرّصيد الثوريّ والنّضاليّ والإنسانيّ لـ"أيقونة الثورة الجزائريّة"، لمشاركتها في مسيرة الفاتح آذار/مارس الرّافضة لولاية خامسة للرّئيس بوتفليقة تأثيرًا رمزيًّا بالغًا، إذ سارع روّاد موقع التّواصل الاجتماعيّ فيسبوك إلى تناقل خبر مشاركتها أيّامًا قبل المسيرة. "استبشرنا به وقوّينا به عزائمنا وأقنعنا به كثيرًا من المتردّدين"، يقول المصوّر عماد طيايبة.

 

 

ويضيف محدّث "ألترا صوت": "لقد ركّز محيط الرّئيس في محاولة تسويق صورته على كونه كان من أعمدة ثورة التّحرير، والإكثار من عبارة (الرّئيس المجاهد) لاستعطاف الضّمير الوطنيّ للجزائريين"، مستدركًا: "غير أنّ انضمام جميلة بوحيرد للحراك الشّعبي نسف تلك الصّورة واستبدلها بأخرى أكثر تأثيرًا، بالنّظر إلى أن جميلة لم تكن ضمن زمرة الثّوريين، الذّين حكموا البلاد وأجهضوا كلّ فرص الإبداع والإقلاع".

وفي السّياق نفسه، يقول الفنّان والنّاشط الجمعويّ حمزة رحماني لـ"ألترا صوت" إنّ ما يحدث هذه الأيّام في الجزائر "شبيه تمامًا بما حدث خلال بدايات ثورة التّحرير عام 1954، حيث ركب البعض قطار التّحرير، في مقابل تردّد البعض في ذلك وتواطأ البعض مع محاولات إجهاض الخيار الثّوريّ وتشويه البعض لوجوهه وتثبيط البعض للعزائم"، مشيرًا إلى أنّ جميلة بوحيرد، "بقيت وفيّة لمسار التّحرير مارست الوفاء لمسار التّغيير".

الغاضبون من جميلة بوحيرد

وعلى ما يبدو لم يزعج التحاق جميلة بوحيرد بالحراك الشّعبي، الرّئيس بوتفليقة ومحيطه فقط، بل أزعج أيضًا ما يُعرف في الأدبيات الجزائريّة بـ"الأسرة الثّوريّة"، المتكوّنة ممّن بقوا أحياء من المشاركين في ثورة التّحرير. 

لم يزعج التحاق بوحيرد بالحراك الشعبي في الجزائر الآن، بوتفليقة فقط، وإنما كذلك البقية الباقية ممن شاركوا في ثورة التحرير 

ويُعرف هؤلاء بـ"المجاهدين"، ويملكون وزارة في الحكومة تتكفّل بشؤونهم، ومن شؤون أبنائهم وأبناء الشّهداء. وكلا الطرفين يملكان منظّمتين تسهران على توفير امتيازات معنويّة وماديّة لهم، وتحرصان على مساندة برامج وخيارات الحزبين الحاكمين "جبهة التّحرير الوطنيّ" و"التّجمّع الوطنيّ الدّيمقراطيّ".

 

اقرأ/ي أيضًا:

 جمعة الغضب في الجزائر.. شارع موحد أمام ارتباك النظام

عصر بوتفليقة.. من تقديس الوطن إلى تقديس الفرد