27-يونيو-2018

التفاوت الطبقي يهدد صحة الأفراد بشكل مباشر (تيارا أودينا/Oxfam)

"الشعور بالفقر والحرمان، قد يكون أخطر من الفقر نفسه"، هذا ما توصل إليه باحثون نفسيون، تطرقوا إلى تأثير اللامساواة والتفاوت الطبقي على صحة الفرد واستقرار المجتمع.

الشعور بالفقر والحرمان يؤثر سلبًا على صحة الأفراد، ويجعلهم أكثر عرضة للاستقطاب السياسي والديني

كيث باين واحد منهم، وهو عالم نفس اجتماعي من جامعة نورث كارولينا، ألف كتابًا في الموضوع بعنوان: "السلم المكسور: كيف تؤثر اللامساواة في طريقتنا في التفكير والعيش"، يقول فيه: "عندما يتم تذكيرنا بأننا أكثر فقراً أو أقل قوة من الآخرين، نصبح أقل صحة وأكثر غضبًا، وعرضة أكثر لأي استقطاب سياسي أو ديني أمامنا".

اقرأ/ي أيضًا: احذر فربما تكون ثقافتك سبب فقرك!

يوضح كيث باين أن مشكلة التفاوت الطبقي هي مسألة منفصلة عن الفقر، صحيح أن الفقر هو نصف المعادلة، لكن "عدم المساواة يدور حول حجم الفجوة بين الأثرياء والفقراء".

إن مفهوم عدم المساواة من حولنا له تأثيران؛ أحدهما هو أنه يجعل الشخص العادي يشعر بأنه أكثر فقرًا، مقارنة بأولئك الذين لديهم مالٌ أكثر. والثاني هو أنه يرفع توقعاتنا، ويرفع معاييرنا لما نعتقد أنه طبيعي. ومع أن المسألة تبدو ذاتية وغير مادية، ولكن عندما يشعر الفقراء أنهم فقراء من خلال مقارنة أنفسهم بأشخاص آخرين في مرتبة أعلى منهم اقتصاديًا، فإن ذلك يؤدي إلى آثار فعلية تتجسد في حياتهم!

الإحساس بالحرمان يُدهور الصحة!

في دراسة بريطانية أجريت على موظفي الحكومة، وجدت أن أفضل سبيل للتنبؤ بالحالة الصحية للأفراد كان من خلال تصنيف هؤلاء الأفراد أنفسهم عن طريق مركزهم الاجتماعي، لا عن طريق مستوى تعليمهم، ولا برقم دخلهم الفردي.

فإذا كان الشخص يرى نفسه منخفضًا على السلم الاجتماعي مقارنةً بآخرين من حوله، فهو أمر مرهق، والجسد يعالج هذا الإجهاد بنفس الطريقة التي يعالج بها تهديدًا جسديًا كالاستعداد للقتال أو تجنب خطر ما، إلا أن الشعور في مثل هذه المواقف الحرجة يكون مؤقتاً، بينما الشعور كضحية للتفاوت الطبقي يكون مستمراً طوال الوقت.

هذا ما يقود إلى مشاكل صحية خطيرة، مثل الأمراض المزمنة، ومشاكل إدمان المخدرات والكحول، وأمراض القلب والمناعة، الناتجة عن التوتر المزمن. وفي نهاية المطاف، يؤدي ذلك إلى متوسط ​​عمر أقل من المتوقع وأقل من الآخرين الأكثر ثراءً.

الأكثر فقرًا دائمًا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض (إيان ويلسون/ New Mandala)
الأكثر فقرًا دائمًا أكثر عرضة للإصابة بالأمراض (إيان ويلسون/ New Mandala)

بالطبع، الفقراء تنقصهم الموارد للحصول على الرعاية الطبية الجيدة، وبالتالي سيكونون أقل صحة من الأغنياء، لكن قد تلعب أيضا مسألة اللامساواة دورًا في مشاكلهم الصحية، فعندما تقارن بين المجتمعات، يقول كيث باين، "تجد أن الشخص البسيط العادي في مجتمع لا مساواة فيه مثل أمريكا أقل صحة من الشخص البسيط العادي في مجتمع أفرده أكثر تشاركية في الثروة مثل السويد أو النرويج، رغم أن كليهما يحصل على نفس الدخل تقريباً".

التفاوت الطبقي يهدد استقرار المجتمع

إن وجود التفاوت الاقتصادي والطبقي الشديد، يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمع بطرق لا تخطر على بال، فالأفراد الذين يشعرون بوضعهم المنخفض يبحثون عادة عن طرق لفهم العالم الذي يبدو غير عادل في نظرهم، وغالباً ما يفعلون ذلك عن طريق العودة إلى الهويات القبلية أو الأيديولوجية، سواء كانت سياسية أو دينية أو عرقية أو أيا كان، وبالتالي يصبحون أكثر عرضة للاستغلال السياسي من قبل السلطات الاستبدادية.

الذين يشعرون بخيبة أمل من وضعهم يبحثون عن أنواع مختلفة من الأنماط لتبرير مكانتهم، وهذا غالباً ما يتخذ أشكالاً غير عقلانية مثل نظريات المؤامرة

وفي المقابل، يمكن أن يصبح هؤلاء القابعون في قاع المجتمع، عندما يدركون حقيقة وضعهم، أكثر استعداداً للتمرد على النظام الذي يعتقدونه مصمماً ضدهم، وبالتالي أكثر استعداداً للاصطفاف في صف المعارضات الراديكالية. وفي كلا الحالتين ينجم عن ذلك عواقب سياسية ومجتمعية ليست في صالح الاستقرار دائمًا.

اقرأ/ي أيضًا: "الطبقات والتراصف الطبقي" بحسب روزماري كرومبتون

فضلاً عن أن "البلدان التي تشهد فروقات واسعة بين أفرادها في توزيع الثروة، تجد بها جرائم أكثر، وسجون أكثر، وهدر مدرسي أكثر، واحتجاجات أكثر، بغض النظر إن كانت غنية أو فقيرة"، كما يقول كيث باين مستنداً إلى البيانات.

وفي عصرنا اليوم، مع مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح حتى أولئك الذين كانوا يستمتعون بفقرهم في الأماكن المنعزلة يدركون أنهم قابعون في الدرك الأسفل من المجتمع، وهم يشاهدون مظاهر التفاوت الاقتصادي على هواتفهم، ويقارنون أوضاعهم مع وضع الطبقات الغنية في مجتمعهم، مما يشكل وعيًا طبقيًا متزايدًا.

اللامساواة تؤثر في نفسية الفقير

في تجربة قام بها باحثون، أرسلوا رسالة لآلاف الموظفين يلفتون أنظارهم للاطلاع على قاعدة بيانات مرتبات موظفي ولاية كاليفورنيا، التي تحتوي على أرقام الرواتب لأكثر من 300 ألف شخص يعملون في مختلف قطاعات ولاية كاليفورنيا، وبعد بضعة أيام بعث الباحثون رسالة أخرى لنفس الموظفين يسألونهم عن مدى رضاهم عن وظائفهم الحالية، ومدى استيفاء الأجر المدفوع لما يبذلونه من تعب.

اللامساواة تؤثر في الصحة النفسية للفقراء (Netivist)
اللامساواة تؤثر في الصحة النفسية للفقراء (Netivist)

ثم سألوا موظفين آخرين لم يتم إخطارهم بقاعدة البيانات نفس الأسئلة، وعكفوا على مقارنة النتائج، كانت النتيجة أن العاملين الذين يتقاضون مرتّبات أقل من متوسط الدخل انزعجوا وأبدوا استعدادًا للبحث عن وظيفة أخرى، على عكس زملائهم الزائدة عوائدهم عن نسبة المتوسط، والذين لم يتأثروا على الإطلاق.

تظهر هذه التجربة أن مجرد إدراك التفاوت الاقتصادي مقارنة مع الآخرين له أثر سلبي على المنتمين للطبقات الدنيا، الذين قد يلجؤون إلى سلوكيات متهورة سعيا لردم الفجوة مع أقرانهم المتفوقين، إذ أن الشعور بأننا  أقل على السلم الاجتماعي يغير الطريقة التي نتناول بها عملية صنع القرار في عقولنا، ويجعلنا أكثر مجازفة في اتخاذ قراراتنا.

التفاوت الطبقي الشديد قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المجتمع سواءً بالاستقطاب الحاد أو بالهبات العفوية الغاضبة

بجانب ذلك، غالباً ما يبحث الرازحون في قاع المجتمع، حسب باين، عن المعنى بطرق مختلفة لتعويض أثر الحرمان، والشكل الذي قد يُتخذ هو الإيمان بنظريات المؤامرة. يسترسل باين موضحًا: "الناس الذين يشعرون بخيبة أمل من وضعهم في المجتمع يبحثون عن أنواع مختلفة من الأنماط لتبرير مكانتهم، وهذا غالباً ما يتخذ أشكالاً غير عقلانية مثل نظريات المؤامرة أو التفاني الديني الشديد".

 

اقرأ/ي أيضًا:

2017 عام تفاقم أصحاب المليارات.. ثروات فردية يمكنها القضاء على الفقر 7 مرات

اللامساواة في التعليم.. آثار أخرى للفساد وانعدام الديمقراطية