لم تنجح صفقة ما في تاريخ سوق الانتقالات في أن تحدث جدلًا طويلًا كما فعلته صفقة انتقال كيليان مبابي إلى ريال مدريد. مسلسل طويل بدأ منذ سنوات، وما زلنا نعيش تفاصيله التي تزداد إثارة يومًا بعد آخر، مسلسل شكّل مادة دسمة دائمة الحضور في العناوين الرئيسية للصحافة العالمية.
لماذا يحظى مبابي بكلّ هذا الاهتمام؟
في فترة قلّت بها المواهب في كرة القدم، وانتشرت الأساليب التكتيكية التي تتلاءم مع هذا الظرف، كالاعتماد على العامل البدني، واللجوء إلى اللعب الجماعي، يظهر لنا كيليان مبابي، كمنقذ لما تبقّى من سحر كرة القدم.
هو يمتاز بالسرعة والمهارة، ولديه الشخصية الرائعة في أرضية الملعب، وفوق كلّ ذلك يمتلك إمكانيات بدنية هائلة، أسمر البشرة الذي ينحدر من أصول كاميرونية، نجح بإمكانياته في جمع الأسلوبين اللاتيني والأوروبي، سرعة ومهارة، وفنّيات عالية، وإمكانيات بدنية هائلة، إضافة إلى وعي تكتيكي وبراعة قيادية في أرضية الميدان.
ومع قرب نهاية حقبة ثنائية القطب في عالم كرة القدم، باعتزال ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو، والتي يسلّم الكثيرون أنها انتهت فعلًا، تشير كلّ التوقعات إلى أن مبابي سيرثهما سويّة، هو النجم الوحيد القادر على حمل لواء أحدهما أو كليهما، لاعب شبه متكامل كمبابي سيصبح الرقم واحد في السنوات الخمس القادمة على أقل تقدير، إلى أن يسحب أحدهم منه البساط، لكنّ هذا الشخص ليس موجودًا حتى الآن.
حكاية الشتاء والصيف
في كل موسم انتقالات صيفي أو شتوي، تتجه الأنظار إلى كيليان مبابي، رحيله لأي ناد سيعتبر بمثابة صفقة الموسم، وربّما صفقة القرن الحالي، لأن تواجده مع أحد كبار أوروبا سيقرّبه من حلم الظفر بدوري أبطال أوروبا، ويمنح فريقه الجديد أفضليّة كبيرة بهذا الصدد، فكيف لو كان ذلك مع ريال مدريد، هذا النادي الذي طوّب البطولة باسمه.
كيليان مبابي أعلنها مرارًا وتكرارًا، يريد أن يلعب لحلم طفولته ريال مدريد، لكنّ مشاهد هذا المسلسل أخذت منعطفات جوهرية تمثّلت بما وجده البعض إهانة لإدارة الميرينغي، حينما مدد عقده مع النادي الفرنسي في أوج أحلام النادي الملكي بقدومه.
ناد كبير بحجم ريال مدريد، يترأسه عبقري اسمه فلورينتينو بيريز، لن يغفر ومشجعوه لأي لاعب يفعل ذلك، ولكن كيليان مبابي يمثّل استثناءً، وربما الاستثناء الوحيد في تاريخ الريال، لذلك فأبواب النادي الملكي ستبقى مفتوحة لكيليان مبابي، فقدومه يعتبر مكسبًا لكل الدوري الإسباني وليس للريال فقط.
كيليان مبابي حينما وقّع على تمديد عقده صيف 2022، كان الاتفاق على أن العقد يستمر حتى صيف 2024، مع التمديد لسنة أخرى فيما لو وافق اللاعب، وهنا أراد الريال الانتظار حتى نهاية صيف 2024، كي يأخذه بالمجان، وربّ ضارّة نافعة، بدلًا من دفع 200 مليون يورو في عام 2022، سيكلّفه مبابي أقل مما كان سيدفعه بكثير.
وجهة نظر إدارة باريس سان جيرمان
كيليان مبابي رفض في الصيف الحالي خيار التجديد لعام إضافي حتى عام 2025، كذلك يبدو رافضًا لانتقاله إلى فريق آخر، وهو أمر ترفضه إدارة باريس سان جيرمان بشكل قاطع، ومن أجله فرضت إجراءات كعدم اصطحابه مع بعثة الفريق في الجولة الآسيوية، كلّ ذلك من أجل الضغط عليه، فبالنسبة لها أمامه خيارين لا ثالث لهما، تمديد عقده أو الرحيل الآن، وأمامه حتى 31 من تموز/يوليو الجاري كي يتخذ قراره النهائي.
على ريال مدريد أن يتدخل في الوقت المناسب، ويقدّم عرضًا ماليًا يقنع إدارة باريس سان جيرمان ببيعه إليه
الإدارة تؤمن بالوعود التي قدمها مبابي للفريق حينما جددت التعاقد معه، هي ظنّت أن موضوع التمديد مسلّم به فيما بينهما، ودليلها على ذلك الصورة الشهيرة التي جمعته وناصر الخليفي رئيس النادي خلال تقديمه للجماهير أثناء تجديده للعقد، فيها كان مبابي يرفع قميصه مكتوبٌ عليه 2025.
الإدارة استقدمت مبابي من موناكو عام 2018 بصفقة كبرى بلغت قرابة 180 مليون يورو مع الإضافات، دفعت خلالها مئات الملايين للاعب كأجور ومكافآت لتوقيع العقود، وخروج مبابي من الفريق سيكلّف الكثير من النواحي كافة، سواء التسويقية أو الرياضية. هي تحترم أحلام اللاعب ورغبته في الانتقال إلى ريال مدريد، لكنّ ذلك لن يكون بالمجان، لأن الأموال فقط ستقلل من خسائرها برحيله، وبما أن الإدارة قدّمت لمبابي الكثير، على الأخير أن يقدّم لها أيضًا ما بإمكانه تقديمه من أموال، وليس التواطؤ حسب وجهة نظرها مع ريال مدريد من أجل تكبيدها خسارات مالية.
التفاصيل المالية هي الأهم في الوقت الحالي، ولعبة الوقت من أهم أركانها، الإدارة حينما حددت تاريخ 31 تموز/يوليو كانت تدرك مدى أهمية هذا التوقيت، لأن ثمّة بند في عقد مبابي ينصّ على منحه مكافئة الولاء، تقدّر بقيمة 80 مليون يورو، فيما لو كان مبابي لاعبًا لباريس بحلول آب/أغسطس، حيث منحته الإدارة ما مجموعه 240 مليون يورو إضافية كمكافئة ولاء بعد تجديده لعقده في 2022، نال في السنة الأولى منها 70 مليون يورو، وفي الثانية يأخذ 80، وفيما لو فعّل خيار التجديد سينال 90 مليون أخرى، ويصبح المجموع 240 مليون يورو، من أجل ذلك طلبت الإدارة من مبابي تحديد وجهة نظره، قبل بداية شهر آب/ أغسطس، لأن السيناريو الأسوأ بالنسبة لها أن يأخذ مكافئة الولاء ومن ثم يقرر الرحيل عن النادي، أو أن يأخذها ويبقى حتى نهاية الموسم، ويرحل بالمجان إلى ريال مدريد.
ثروة وطنية
كيليان مبابي يعتبر حاليًا أبرز موهبة رياضية في فرنسا، فهو قاد الديوك للحضور في نهائيي كأس عالم متتاليين، ونال بطولة المونديال في 2018، ويعوّل عليه في حصد مزيد من الألقاب، لذلك يعتبر بمثابة الثروة الوطنية والبطل القومي.
وبعكس طريقة تعامل جماهير باريس سان جيرمان مع ليونيل ميسي، سينظر الفرنسيون إلى علاقة مبابي مع إدارة باريس بطريقة أخرى، مبابي بالنسبة لهم بمثابة الخط الأحمر الذي لا يمكن تجاوزه، فالصحافة الفرنسية تشير دومًا إلى إمكانية مقاضاة كيليان مبابي لناديه، ورئيسة بلدية باريس حالها كحال الملايين من الفرنسيين، ترفض طريقة تعامل الإدارة مع كيليان مبابي، وتستغرب عدم إلحاقه بمعسكر الفريق، وإجباره على الجلوس في دكة البدلاء فيما لو رفض الانصياع لمطالبها.
سيناريوهات حول أزمة مبابي مع باريس
ثمة سيناريوهات متعددة لنهاية هذا المسلسل، وليس بالضرورة أن يحظى المسلسل الطويل بالنهاية السعيدة، فلو لم يذعن مبابي لطلبات الإدارة.
السيناريو الأسوأ:
سيكون السيناريو الأسوأ لجميع الأطراف، الإدارة ستدفع مكافئة الولاء المقدرة بثمانين مليون يورو، ومبابي سيرحل عنها الصيف المقبل، وفي الموسم المقبل سيكون حبيسًا لمقاعد البدلاء، ما قد يؤثر على مردوده في بطولة يورو 2024 في الصيف القادم، ناهيك عن أثر غيابه رياضيًا عن باريس سان جيرمان.
السيناريوهات التي ترضي الإدارة:
أن يوافق كيليان مبابي على تجديد عقده لعام إضافي على الأقل، أو يقبل بالرحيل إلى أندية أخرى، فالهلال السعودي قدّم عرضًا خياليًا له، سيمنح من خلاله 300 مليون يورو للنادي الفرنسي، إضافة إلى راتب سنوي يصل إلى 400 مليون يورو، كذلك ثمة العديد من الأندية التي تهتم بقدوم مبابي، لكنّ عرضها لن يقاوم الهلال بالتأكيد.
السيناريو الذي يرضي مبابي:
أن تذعن إدارة باريس سان جيرمان للضغوطات الفرنسية، وتكمل تعاقدها معه حتى صيف 2024، وهنا سيحقق حلمه بالانتقال إلى ريال مدريد.
السيناريو الذي يرضي الطرفين:
أن يتدخل ريال مدريد في الوقت المناسب، ويقدّم عرضًا ماليًا يقنع إدارة باريس سان جيرمان ببيعه إليه، وهنا تكسب الإدارة الأموال التي تريدها، ويحقق مبابي حلمه باللعب في صفوف النادي الملكي.