يكاد لا يمرّ يومٌ دون أن يطالعنا خبر أو صورة حول حادث عنصري هنا أو هناك، بعد أن تحول التمييز إلى سيناريو دائم يعيشه "الغريب" على الأراضي اللبنانية.
لإنهاء حالة العنصرية في لبنان يجب القضاء على البيئة الحاضنة لها، وفوبيا "الغريب" التي باتت وسواسًا قهريًا يعيشه الكثير من اللبنانيين
مواقع التواصل الاجتماعي غصت في اليومين الماضيين بصور توقيف عدد من النازحين السوريين في منطقة عمشيت شمال بيروت من قبل عناصر الشرطة البلدية بذريعة التدقيق في هوياتهم، الصور التي تمّ نشرها أظهرت الطريقة المهينة التي تم التعامل فيها مع الأشخاص الموقوفين من تركيع وتكبيل مذلّ، بطريقة مشابهة لعمليات الاعتقال العشوائي التي تنتهجها الأنظمة العربية القمعية والاحتلال الإسرائيلي على حد سواء.
اقرأ/ي أيضًا: الجدول الزمني لصعود وهبوط الانقلاب في تركي
هذه الحادثة دفعت بالمدعي العام اللبناني إلى توقيف خمسة من عناصر الشرطة للتحقيق على خلفيات الحادث، وهو إجراء طبيعي ومتوقع نظرًا للانتهاكات الواضحة التي رافقت عمليات التوقيف، إلا أن ما لم يكن متوقعًا هو موجة الاحتجاج الكبيرة التي شهدتها بلدة عمشيت اعتراضًا على توقيف العناصر الأمنية، فقط لأن ضحايا العنصرية ليسوا من حملة الجنسية اللبنانية، وكأن "الغريب" هو إنسان من الدرجة الثانية يحق للمواطن التصرف معه كما يشاء.
ومن المؤكد أننا لسنا هنا بصدد الدفاع عن السوريين بشكل مطلق أو نحاول تصوريهم كملائكة ومنزّهين عن الخطأ، إلا أن الأكيد أنهم بشر كباقي شعوب العالم فيهم الصالح والطالح، المجرم والشريف، ومن حق أي دولة ذات سيادة محاسبة المخطئ كائنًا من كان، إلا أن العقاب الجماعي وتحويل كافة السوريين إلى متهمين ومشتبه بهم لمجرد هويتهم أمر لا يمكن إلا تصنيفه تحت خانة العنصرية والمقيتة أيضًا.
اقرأ/ي أيضًا: الإثارة الانقلابية التركية
والأكثر خطورة أن حالة الكراهية الشعبية التي تتزايد في بعض المناطق ضد "الغريب" هي انعكاس للتحريض المباشر وغير المباشر من قبل مسؤولين حكوميين وصنّاع قرار على الساحة اللبنانية على النازحين السوريين من باب الخطر الديمغرافي والوجودي بسبب هؤلاء الهاربين من أتون الحرب في سوريا، آخرهم وزير الخارجية جبران باسيل الذي دأب على التحذير من تداعيات الوجود الأجنبي في لبنان، آخرها رفضه عمل السوريين في مناطق نفوذ التيار الوطني الحر الذي ينتمي إليه والذريعة أنه سيأخذ لقمة عيش اللبناني.
وما لا يعلمه الكثيرون أن هذه الممارسات المتزايدة يومًا بعد يوم تزيد من درجة الاحتقان لدى النازح السوري والمواطن اللبناني على حد سواء، وتزيد معها المخاوف من انفجار الوضع في أي لحظة لاسيما أن النازحين يتواجدون على امتداد مساحة لبنان، وأي صدام قد يأخذ أبعادًا كثيرة أخطرها الطائفية والسياسية وعندها قد تصل الأمور إلى ما لا تحمد عقباه.
ولعل الأمر الأكثر إثارة للسخرية في هذا الموضوع هو الإجماع اللبناني على رفض العنصرية والتمييز، لكن الممارسات على أرض الواقع لا تمت للخطاب المعلن بصلة، فمنع "الإخوة" السوريين من مغادرة منازلهم بعد ساعات محددة أو التواجد في مناطق معينة هو العنصرية بحد ذاتها مهما كانت الأسباب المدرج تحتها القرار.
وبالمحصلة، لإنهاء هذه الحالة العنصرية المستشرية في الجسد اللبناني يجب القضاء على البيئة الحاضنة لها، وفوبيا "الغريب" التي باتت وسواسًا قهريًا يعيشه الكثير من اللبنانيين أصبحت تحتاج إلى علاج طارئ.
اقرأ/ي أيضًا: