مع كل غارة صهيونية على الأراضي الفلسطينية، ومع كل حركة عدوان تحدث على أهالي القدس، أرى مطالبات جماهيرية من عشاق الكرة للاعبيهم العرب المفضلين، يطالبونهم بالتضامن ودعم القضية الفلسطينية. لاعبون مثل محمد صلاح، سعيد بن رحمة وسفيان أمرابط لم ينبسوا ببنت شفة عن القضية، وهذا بالتحديد منذ بداية حركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر.
هذا التضامن الذي تحول إلى مطلب جماهيري، ومنه ما تحول إلى نقدٍ ضد اللاعبين، لن يغير أي شيء في القضية. دموع زينتشينكو مدافع الأرسنال لم توقف هجمات روسيا، والنزول على الركبة لم ينه العنصرية ضد أصحاب البشرة السمراء. الرياضيون الداعمون للقضية بصوتهم أمام الجميع في الماضي وضعوا القضية قبل مصالحهم، وفي وقتٍ غابت فيه الشفافية وحرية الرأي عن القضية الفلسطينية، لا يملك الرياضيون الآن الرفاهية نفسها. نحن لا نبرر سكوتهم، ولكن ما رأوه قد يكون سببًا مقنعًا لكتمان أصواتهم.
الأجهزة المنظمة تقف وراء الكيان
مهما كان حجم الرياضي، فالجهاز الذي يدير المسابقة التي يلعب فيها، في الأغلب، يدعم حكومة المستوطنين ويفضلهم عليه. على سبيل المثال، الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم يدرس قرار إضاءة ملعب ويمبلي بألوان علم الكيان الصهيوني، كنوع من التعاطف مع من لا يستحقه. لم يتعاطف هذا الاتحاد أو غيره مع القضية الفلسطينية، بل ويفرضون العقوبات على من يدعمهم داخل الملعب.
لا يملك الرياضيون رفاهية الإدلاء بآرائهم فيما يخص القضية الفلسطينية ، قد يمثل السكوت بالنسبة لهؤلاء أولوية للمحافظة على مسيراتهم، وهي أهم بالنسبة لهم من القضية التي أفنى أصحابها أعمارهم نصرةً لها.
بالنسبة لهم، لا أحد أكبر من هذه القضية التي يقفون معها ضمن صف المعتدي. هذه الأجهزة على أتم استعداد لتعليق نشاط أي لاعب بسبب أي رد فعل مناهض لسياسات الاحتلال، ولا أحد بالنسبة لهم أكبر من العقاب لأن "السياسة ليس لها مكان في الرياضة"، وهي نفس السياسة التي يدعمون بها الدول القريبة منهم، والتي تدخل حروبًا ضد من لا يحبونه.
الأندية ليست جاهزة للمشاكل
إن أخذنا نادي ليفربول كمثال، وقرر محمد صلاح أن ينشر تغريدة يدعم فيها المقاومة الفلسطينية، قد يخسر الكثير من وراء هذه التغريدة. دول أوروبية ستهدد النادي بقطع بث مبارياته، وسيواجه النادي حملاتٍ شرسة من منظمات دولية تدعم مستوطنات صهيون، بل وقد تتأثر قاعدة النادي الجماهيرية في دول كثيرة في أوروبا والأمريكيتين.
هذه الدول هي أساس مصادر دخل النادي من مبيعات للقمصان وما شابهها من أرباح، وقوتها الشرائية تظل أعلى من دول شمال أفريقيا ومعظم دول الخليج، وسيتأثر النادي بأي هزة تأتي من وراء هذه التغريدة. سيحتاج النادي هنا للرد بمعاقبة اللاعب، والذي سيطلب بالتأكيد الرحيل من صفوف النادي لأنه أكبر من هذا عقاب، وسيخسر ليفربول نجمه بعد أن يُضرب سكين في سمعته الدولية، ويوصم بالنادي المعادي للصهاينة.
هذا يذكرنا بما حدث مع مسعود أوزيل عندما أعلن عن دعمه لمسلمي الإيغور، وانتهى به الحال خارج أرسنال بعد أن هُدد النادي بحجب مبارياته من الصين. خاف النادي وقتها على مصلحته، فاللاعب سيذهب بعيدًا يومًا ما وتتبقى القاعدة الجماهيرية، والتي ستكون في خطر طالما متابعينه يدعمون الطرف الثاني من القضية.
الردود الدبلوماسية ليست كافية
“أناشد كل قادة العالم، ومنهم رئيس وزراء الدولة التي استضافتني في الأربعة أعوام الماضية، بأن يقوموا بكل شيءٍ ممكن للتأكد من توقف العنف وقتل الأبرياء حالًا. هذا يكفي." - تغريدة محمد صلاح بعد الهجوم على المسجد الأقصى بين أبريل ومايو.
I’m calling on all the world leaders including on the Prime Minister of the country that has been my home for the past 4 years to do everything in their power to make sure the violence and killing of innocent people stops immediately. Enough is enough. @BorisJohnson
— Mohamed Salah (@MoSalah) May 11, 2021
هذه التغريدة لم تذكر اسم فلسطين، ولم تذكر صفة الاحتلال بأي شكل. تغريدة يترجى فيها التدخل من بوريس جونسون لحل الأزمة، وكأنها مرت على فريق علاقاته العامة وعلى رعاته ليحصل على الموافقة بنشرها، وفي ميعادٍ متأخر لأنها نشرت في 11 مايو، أي بعد شهر تقريبًا من بداية الهجمات على المسجد الأقصى.
هذه الردود يُنظر إليها من البعض وكأنها خالية من أي مشاعر حقيقية، كلمات لتلبية النداء بعد طلبات عشاق اللاعب، والذي سيظل مقيدًا مكانه لأنه مرتبط بعقود كفيلة بأن تضيع مستقبله إن خالفها، أو قال ما ليس على هوى كاتبيها. هذه هي حالة أي رياضي عربي كبير في أوروبا أو أمريكا، وأي لاعب صغير سيخاف أيضًا على مستقبله التي تتحكم فيه الكثير من المنظمات، والتي تتفق جميعًا على أن فلسطين ليست لأصحابها.
نهاية القول هي أن هذا لا يبرر سكوت أي لاعب، فلو رأى أي لاعب عربي أن مصلحة فلسطين فوق مصلحته لكان قال كلمته أمام الجميع. في عصرٍ غابت عنه الحقيقة، وصارت المؤسسات العملاقة داعمة للمعتدي، قد يكون السكوت بالنسبة لهؤلاء أهم للمحافظة على مسيراتهم، وأهم من القضية التي أفنى أصحابها أعمارهم نصرةً لها.