27-أغسطس-2016

دبابات تركية على الحدود بين تركيا وسوريا (Getty)

"ربما تكون الولايات المتحدة قد حصلت أخيرًا على حليفٍ عسكري محترف ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا. سوف يعيد الهجوم ذو القيادة التركية على مدينة جرابلس -والتي ظلت تحت سيطرة التنظيم لمدة عامين ونصف لكن تم استعادتها يوم الأربعاء بمقاومةٍ ضعيفة- صياغة الحرب ضد التنظيم المتطرف لصالح واشنطن".

بدخولها لسوريا، تقوم أنقرة باستجابة متأخرة لسيطرة الأكراد على المزيد من الأراضي لإقامة رقعة كردية متصلة على طول الحدود التركية

اقرأ/ي أيضًا: ثلاثة أسباب للتقارب الإيراني التركي

كانت هذه افتتاحية مقال نشرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية لفيصل ايتاني، الباحث بمركز رفيق الحريري للشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلنطي، عن الأسباب التي دفعت تركيا إلى الانخراط في الحرب السورية بمشاركتها في تحرير مدينة جرابلس على الحدود التركية السورية.

دخلت تركيا الحرب السورية مباشرةً للمرة الأولى صباح الأربعاء، 24 آب/أغسطس، حيث أرسلت دباباتٍ وقواتٍ خاصة لدعم هجوم المعارضة السورية على المعقل الوحيد المتبقي لتنظيم الدولة الإسلامية على الحدود التركية. قامت الطائرات الأمريكية أيضًا بدعم الهجوم، حيث وفرت غطاءً جويًا ضد أهداف التنظيم، وهو مؤشرٌ بالغ الأهمية على أن التدخل التركي قد تلقى موافقة واشنطن. أعلن المتمردون الانتصار خلال ساعات، حيث لم يتلقوا أي خسائر كبيرة. بذلك حققت تركيا هدفها المباشر المتمثل في الاستيلاء على جرابلس وعبرت الآن عن رغبتها في الاتجاه غربًا لـ"تطهير" المنطقة الحدودية من التنظيم.

ويضيف ايتاني أن الحملة ذاتها قد تطلق عهدًا جديدًا من التعاون الأمريكي التركي في سوريا. صحيحٌ أن دوافع أنقرة لدخول الحرب السورية مباشرةً لا تتطابق تمامًا مع دوافع واشنطن وهي تتعارض مباشرةً مع دوافع حزب الاتحاد الديمقراطي التركي، والذي هو حليفٌ للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية بينما تعتبره تركيا منظمةً إرهابية. في المجمل، تشكل أحداث يوم الأربعاء تغييرًا إلى الأفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة وتحالفها مع تركيا والحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

يحارب كل طرف في عملية جرابلس لأسبابه الخاصة. سعت تركيا بالتأكيد إلى إضعاف تنظيم الدولة الإسلامية، والذي قصف الأراضي التركية ونفذ سلسلةً من الهجمات الإرهابية، كان آخرها هجومًا انتحاريًا في مدينة غازي عنتاب الجنوبية الأسبوع الماضي، أسفر عن مقتل 54 شخصًا في حفل زفاف. الأكثر أهمية هو أن أنقرة تقوم باستجابةٍ متأخرة على سيطرة قوات سوريا الديمقراطية التي يهيمن عليها حزب الاتحاد الديمقراطي على المزيد من الأراضي، والتي تهدف إلى وصل الكانتونات المختلفة لتكوين رقعة كردية متصلة على طول الحدود التركية. كما قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم يوم الأربعاء، فإن تركيا لن تقبل بوجود كيانٍ كردي على حدودها.

اقرأ/ي أيضًا: درع الفرات..تحرك تركي لإفشال الانفصال الكردي

لكن لماذا الآن؟ ظلت قوات سوريا الديمقراطية تتمدد لشهور، وكان الرد التركي مكتومًا إلى حدٍ كبير حتى يوم الأربعاء. ربما كانت تركيا في أن تضغط الولايات المتحدة، التي تدعم قوات سوريا الديمقراطية، عليها لاحترام الخطوط الحمراء على الأرض، مثل البقاء شرق نهر الفرات. لكن ذلك لم يحدث، حيث عبرت قوات سوريا الديمقراطية النهر واستولت أخيرًا على بلدة منبج في الثاني عشر من أغسطس وبدت عازمة على الاستمرار في الاتجاه غربًا حتى تتصل بأبعد كانتون كردي في عفرين.

ويمضي المقال قائلًا إنه يبدو أن الزخم المتنامي لقوات سوريا الديمقراطية قد غير حسابات أنقرة، قائدًا إياها إلى عملية جرابلس. كانت تركيا تحارب بالفعل حربًا بالوكالة عبر قوات المعارضة لتطهير المناطق الحدودية من تنظيم الدولة الإسلامية واستباق توسع قوات سوريا الديمقراطية، مستخدمةً ميليشياتٍ محلية لكن مع رفض نشر جنودٍ أتراك في سوريا. في عملية السيطرة على جرابلس، تم تحريك فصائل من بينها فرقة السلطان مراد وفيلق الشام ولواء المعتصم وحركة نور الدين زنكي من مناطق أخرى للمتمردين إلى الغرب، عبر الأراضي التركية، ثم عبر الحدود إلى معركة جرابلس.

وجود تركيا كشريكٍ كامل في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية سوف يمنح واشنطن أيضًا نفوذًا أكبر على حلفائها الأكراد

تعد هذه أكثر خطوات تركيا إثارة في حربها غير المتسقة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وقد تمثل نموذجًا للتعاون مع الولايات المتحدة من الآن فصاعدًا. كانت واشنطن مترددة في التحالف مع فصائل المعارضة المدعومة تركيًا التي تركز على محاربة دمشق، خوفًا من أنها قد تنزلق إلى حربٍ ضد نظام الرئيس بشار الأسد. جعل هذا الولايات المتحدة معتمدة بشدة على حزب الاتحاد الديمقراطي، وهو فرعٌ لحزب العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة منظمةً إرهابية والعدو اللدود لتركيا.

تحتاج الولايات المتحدة بشدة إلى حليفٍ يستطيع تحقيق نتائج ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والعمل مع المواطنين العرب المحليين المتشككين تجاه الفصائل الكردية، وأن يكون شريكًا دوليًا استراتيجيًا وليس ميليشيا محلية. بينما كانت تركيا تركز حصرًا على هزيمة نظام بشار الأسد واحتواء حزب الاتحاد الديمقراطي، فإن أيًا من ذلك لم يكن ممكنًا. لكن إذا كانت حسابات تركيا تجعلها ترى أن لعب دورٍ محوري ضد تنظيم الدولة الإسلامية هو أفضل فرصها لدعم شركائها العرب شمالي سوريا -بينما تصد احتمالية إنشاء كيانٍ كردي موحد ومعادٍ- فإن ذلك سوف يتغير.

وهكذا فإن عملية جرابلس هي أوج التكيف الاستراتيجي التركي وتمدد حزب العمال الكردستاني وتحمس الولايات المتحدة إلى توسيع عملياتها وشركائها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، يتابع ايتاني. سوف تترك تركيا المدينة في أيدي المعارضة، رغم أنها قد تقرر الإبقاء على جنودها هناك لردع أو الدفاع ضد الهجمات المضادة لتنظيم الدولة الإسلامية. إذا استطاعت تركيا وحلفاؤها الاحتفاظ بها، قد تصبح جرابلس نقطة انطلاق المزيد من التوسيع المدعوم تركيًا لمنطقة عازلة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. سوف يرسخ هذا شراكةً جديدة بين تركيا ومجموعة من فصائل المعارضة السورية، بدعمٍ أمريكي.

يحتمل أن يكون لتلك الآليات تبعاتٍ هائلة على الحرب في شمال سوريا. قد تزيد من التوترات بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي على المدى القصير، والتي سيكون على الولايات المتحدة إدارتها وأخذها في الحسبان في استراتيجيتها ضد تنظيم الدولة الإسلامية. لكن في المقابل، ليس أمام واشنطن سوى أن تفضل أنقرة، الدولة الحليفة العضو في حلف الناتو، على ميليشيا مثيرة للجدل معادية لتركيا.

وجود تركيا كشريكٍ كامل في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية سوف يمنح واشنطن أيضًا نفوذًا أكبر على حلفائها الأكراد، حسبما يرى ايتاني. أثناء زيارته لأنقرة يوم الأربعاء، دعا نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن القوات الكردية إلى الانسحاب من المناطق التي تقع غرب نهر الفرات، وهي نفس المناطق التي يأمل المتمردون المدعومون تركيًا التوسع إليها. من المرجح أنه لن يكون لدى القوات الكردية خيارٍ سوى الاستجابة، أو المخاطرة بخسارة الدعم العسكري الأمريكي. وبالتالي، قد يؤدي تجميد التوسع الكردي في الواقع إلى خفض حدة التوترات التركية الكردية، طالما ظلت الولايات المتحدة منخرطة في الحرب.

ويختتم ايتاني مقاله بأنه إذا تم البناء على عملية جرابلس، فإنها قد ترسي الأساس لتعاونٍ أمريكي تركي هناك حاجةٌ ماسة إليه، وتسهل إيجاد توازن قوى عربي كردي في شمال سوريا، وتقوى إلى حدٍ كبير الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وإذا ظلت أنقرة وواشنطن تعملان عن كثب، فينبغي أن تكونا قادرتين على تأمين المنطقة الحدودية. لكن جنوب ذلك القطاع، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا، حيث سيصطدم المتمردون حينئذ بحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات النظام. سوف يكون على الداعمين الأجانب لكلٍ منهم -تركيا والولايات المتحدة وروسيا وإيران- العمل جاهدين لتجنب حدوث تصعيد. لكن حتى الآن، فإن لدى واشنطن الكثير لتجنيه من حماس وشراسة أنقرة المكتشفَين حديثًا ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

اقرأ/ي أيضًا:

صفقة أسلحة تاريخية بين أمريكا وإسرائيل

رجل المخابرات الأمريكية الذي يسبب صداعًا لأمريكا