12-يناير-2017

من الأعراس الجماعية التي تقام برعاية أحزاب طائفية في لبنان (أ.ف.ب)

في بلد تعجز أقطابه السياسية عن وضع قانون حديث للانتخاب، لن يكون من السهل أبدًا التوصّل إلى قانون موحّد للأحوال الشخصية الخاصّة بالعامة، بكل الطوائف والمذاهب. أي لكل المواطنين. وفي بلد يقبل الموروث على حاله، يحلم كل أبنائه بالهجرة لبناء حياةٍ أفضل لما يقدّمه هذا "الخارج" من إمكانيات تحقيق الذات والتفوّق في ظل أنظمته السياسية والاجتماعية التي تراعي حريات الفرد وتمنحه كافة حقوقه، فيما يظل هذا البلد مصرًّا على التمسك بقديمه بطالحه قبل صالحه.

وفي بلد لا تزال فيه سطوة الأغلبية تسيطر على الأقليّة وتمنع "النسبية" من منح كل فئة حقّها في الاختلاف، في التمايز ضمن حقوقها، التي لن تؤثر على حقوق وحريّات الآخرين، لا يزال الزواج المدني الاختياري في لبنان موضوعًا "محرّمًا" على النقاش وممنوعًا من التناول وقلّة من أحزاب الطبقة السياسية تجرؤ على المطالبة به، والسعي تشريعيًا إلى "رفع الحظر" عنه والشروع في عقده محليًا.

غالبية اللبنانيين من كل الطوائف ترفض الزواج المدني

"رُهاب" الزواج المدني الذي يُذلّل عقبة الارتباط "القانوني" بين متحابين من دينين مختلفين، أو بين من كانا رفضا التعريف الديني عن أحوالهما فشطبا المذهب عن إخراج القيد، أو بين أي مواطنة ومواطن لبناني أرادا بناء حياة زوجية مشتركة خارج المؤسسة الدينية وأحكامها، هو حالة مزمنة لا تلبث أن تستكين حتى تُسعّرها الأصوات التي تخاف على مصالحها وعلى صلاحيتها في المجتمع اللبناني، علمًا وأن أي لبناني، مؤمنًا كان أم علمانيًا، سيتزوج حكمًا مدنيًا على الأراضي الفرنسية والألمانية والبلجيكية والبرازيلية وأُخرى، وستعترف الدولة اللبنانية بهذا الزواج وتسجّله في سجلاتها تطبيقًا للمعمول به في القانون الدولي.

اقرأ/ي أيضًا: قناة "أم تي في".. اليمين المسيحي إن حكى

في لبنان، دولة الطوائف والديمقراطية المقسّمة على قياس كل واحدة منها، يُدرك أولئك الذين يطالبون بحقهم بالزواج المدني على الأراضي اللبنانية أن تحقيق مطلبهم لن يكون سريعًا وسهلًا، ويعلمون أيضًا أن قبرص ستظل حتى أجلٍ "غير مسمى" وجهةً شبه إلزامية لكل ثنائي "غرّد" خارج سرب المعروف والمفروض في مجتمعه.

تاريخ "النضال" من أجل منح الراغبين بالزواج المدني حقهم، كان انطلق في لبنان في العام 1951، حيث تم رفضه بعد مناقشة اقتراح إقراره في البرلمان. وفي العام 1960 انطلقت مظاهرات "حرّكتها" جمعيّات علمانية للمطالبة به. ثم طُرح مجددًا في البرلمان في العام 1975. وفي أعقاب الحرب الأهلية، أثار طرح موضوع الزواج المدني في العام 1998 من قبل رئيس الجمهورية الياس الهراوي جدلًا واسعًا، وعندما طُرح على مجلس الوزراء في العام 1999 تمت الموافقة عليه بالأغلبية غير أن رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري رفض توقيع المشروع حينها، حيث اعتذر موجزًا موقفه بالقول "إن ظروف لبنان لا تسمح الآن بذلك".

في العام 1999 رفض رفيق الحريري توقيع مشروع الزواج المدني

الحائط المسدود الذي وصل إليه الزواج المدني في لبنان في نهاية القرن الماضي تجاوزته الجهات المطالبة بإقراره، وهي لا توفّر أي فرصة أو مناسبة لتنادي بحق أي لبناني بالاختيار بين الزواج الديني والمدني، وقد تمكّنت قبل نحو أربعة أعوام من "التحايل" على القانون وتسجيل "نعم"، قالاها خلود سكرية ونضال درويش، أمام كاتب بالعدل في سجلات الدوائر اللبنانية رغم الكثير من العراقيل الإدارية.

وإذا كانت الممثلة اللبنانية ورد الخال آخر من تحدث في الإعلام المحلي عن ارتدائها الأبيض للزواج من حبيبها مدنيًا خارج لبنان، فإن فنانين كثر كانوا اختاروا "المدنية" في زواجهم كالممثلة ندى أبو فرحات، المغنيتين كارول سماحة وميريام فارس، واللافت أيضًا أن النائب في البرلمان اللبناني نايلة تويني كانت فعلت المثل للارتباط بالإعلامي مالك مكتبي في العام 2009 بعد أشهر من بدء "ولايتها" النيابية. في بلد دخل عهدًا سياسيًا جديدًا انطلقت معه حكومة أولى لإجراء انتخابات نيابية في وقت قريب، هل تحمل التطورات جديدًا في "تشريع" الزواج المدني الاختياري في لبنان، أم أن الموروث سيظل محفوظًا إلى حين؟.

اقرأ/ي أيضًا:

"نقشت".. حفلة تسليع للمرأة اللبنانية

أي مكان للزواج العرفي في المغرب؟