25-يوليو-2019

الفريق أول ركن هاشم عبدالمطلب، المتهم في المحاولة الانقلابية الفاشلة (Sky News)

شهد نهار الأربعاء، 24 تموز/يوليو 2019، سلسلة انفجارات سياسية وعسكرية في السودان عقب الإعلان عن محاولة انقلابية بقيادة رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول ركن هاشم عبدالمطلب، ومئات الضباط، لتصبح بذلك المحاولة الانقلابية الخامسة منذ الإطاحة بالرئيس عمر البشير في نيسان/أبريل الماضي.

أحبطت الأربعاء، خامس محاولة انقلابية في السودان منذ الإطاحة بعمر البشير، كان قائد هذه المحاولة رئيس هيئة الأركان المشتركة هاشم عبدالمطلب 

على إثر هذه المحاولة الفاشلة، بدأت حملة اعتقالات واسعة في صفوف الجيش، شملت قائد سلاح المدرعات، اللواء نصر الدين عبد الفتاح، وقائد المنطقة المركزية الخرطوم، اللواء بحر محمد بحر، وقائد الدفاع الشعبي، فضلًا عن اعتقال قائد المحاولة الانقلابية، الفريق هاشم عبدالمطلب.

اقرأ/ي أيضًا: جدل واسع في الشارع السوداني بشأن محادثات أديس أبابا

وبدت شوارع الخرطوم منذ الصباح الباكر في حالة تحفز أمني، وشوهدت سيارات عسكرية تحمل أسلحة ثقيلة تجوب الطرقات والجسور، مع تكثيف حراسة المنشآت العسكرية، وتطويق القصر  الرئاسي ووزارة الدفاع من قِبل قوات الدعم السريع.

وقبيل الإعلان عن اسمه قائدًا للمحاولة الانقلابية، خضع عبدالمطلب للتحقيق لنحو خمس ساعات في مكتبه الذي ألقي القبض عليه فيه. 

كما دخل في زمرة المعتقلين، نائب الرئيس المعزول عمر البشير ووزير الدفاع الأسبق، الفريق بكري حسن صالح، الذي اقتيد إلى سجن كوبر. 

واعتقل كذلك رموز في الحركة الإسلامية السودانية، وقيادات في حزب المؤتمر الوطني، أبرزهم كمال عبداللطيف مدير الأمن الشعبي السابق والوزير أسامة عبدالله ونقيب الصحفيين الصادق الرزيقي.

مناورات المجلس العسكري؟

 وبينما تتساوى أيضًا احتمالات تصديق المحاولة الانقلابية الأخيرة ومحاولات تكذيبها، فمن الراجح أن تكون المحاولات الانقلابية الخمس المعلنة منذ سقوط البشير، هي مناورات لحماية انقلاب البرهان وحميدتي المدعوم من المحور السعودي الإماراتي، والمهدد أيضًا بالحراك الثوري والإسلاميين في وقتٍ واحد.

هاشم عبدالمطلب
رئيس هيئة الأركان المشتركة المكلف محمد عثمان الحسين يتلو بيان الكشف عن المحاولة الانقلابية

وكانت القوات المسلحة قد أعلنت في بيان لها يوم أمس الأربعاء، أنها كشفت محاولة انقلابية شارك فيها الفريق أول ركن هاشم عبدالمطلب أحمد، رئيس هيئة الأركان المشتركة، وعدد من الرتب الرفيعة في القوات المسلحة وجهاز الأمن إلى جانب قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر.

وقالت القوات المسلحة في البيان الذي أعلنه رئيس الأركان المشتركة المكلف الفريق ركن محمد عثمان الحسين، إن هدف المحاولة الانقلابية الفاشلة، هو "إجهاض ثورة الشعب المجيدة، وعودة نظام المؤتمر الوطني البائد للحكم، وقطع الطريق أمام الحل السياسي المرتقب الذي يرمي إلى تأسيس الدولة المدنية التي يحلم بها الشعب السوداني".

ساعة الصفر

لكن المثير في الأمر أن ساعة الصفر لانقلاب رئيس الأركان، كانت يوم الأربعاء الموافق العاشر من تموز/يوليو الجاري، ما يطرح عديد الاستفهامات حول تأخير الإعلان عنها لأسبوعين، وترك الفريق هاشم عبدالمطلب في منصبه الحساس، بل السماح له بزيارة مصر ولقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، في زيارة أحيطت تفاصيلها بسرية تامة! 

كما أن بيان قائد الأركان عُثر عليه في وحدة ذاكرة (فلاشة) يخص نجله الأكبر محمد، وقام بنشره كاملًا على صفحته بفيسبوك بعد ساعات من الإعلان عنه، كأول مدني يضطلع عليه!

واتضح كذلك أن التخطيط للانقلاب على المجلس العسكري تم بعد مجزرة فض الاعتصام في نهاية شهر رمضان، وقبل الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير، كما تم القبض على رموز النظام السابق بالتزامن مع مخططي الانقلاب، حتى يظهر للمشهد السياسي بأنه انقلاب إسلامي، بغرض تصفية تيارات الاسلام السياسي في السودان، وهو سيناريو يرجح أن دولًا بعينها مثل السعودية ومصر تقف خلفه.

البيان الأول.. "فلاش باك"

وظهر الفريق هاشم عبدالمطلب وهو يتلو بيان الانقلاب في حالة ارتباك خالطتها انفعالات مكتومة، إلى جانب رداءة الصورة والصوت، كما لو أن التسجيل أعد في مكان غير ملائم، وعلى عجل.

وأبرز ما تضمنه البيان تحية الثورة والإشادة بتضحيات الثوار، وحل حزب المؤتمر الوطني الذي كأن يرأسه البشير ومصادرة ممتلكاته، وإعادة هيكلة جهاز الأمن، وإلغاء القوانين المقيدة الحريات، والتوافق مع الحركات المسلحة المتمردة لإنجاز عملية السلام، وإعادة النظام للجيش. 

كما تضمن البيان وعودًا بالدعوة لحكومة مدنية تمثل تطلعات الشارع السوداني، وحل المجلس العسكري الانتقالي بقيادة البرهان وحميدتي، لأنه "أضاع تطلعات الأمة والتغيير المنشودة بتردده وضعفه"، وفقًا لنص البيان الذي أذاع تلفزيون السودان مقاطع منه، على طريقة "الفلاش باك" .

مواجهة قائد المدرعات

ويعتبر هذا التحرك العسكري مؤشرًا لعدم الاستقرار، وتصاعد الرفض للطريقة التي يدير بها المجلس العسكري الانتقالي مقاليد الأمور، عطفًا على حالة من التوتر والفتق اتسعت بين قوات الدعم السريع وقيادات الجيش السوداني، بدت واضحة من خلال مواجهة كلامية ضارية وقعت بين قائد قوات الدعم السريع الفريق محمد حمدان حميدتي وقائد سلاح المدرعات اللواء نصر الدين عبد الفتاح منتصف هذا الأسبوع. 

ووقعت تلك المواجهة على خلفية ملاسنة كلامية أثناء تنوير لضباط الجيش تحدث فيه حميدتي، ملمحًا إلى أن قواته تقوم بمهام الجيش، ما جعل قائد سلاح المدرعات، يقاطعه مدافعًا عن الجيش ومحذرًا من التمادي في التقليل من مكانته.

وكشفت مصادر صحفية أن سلاح المدرعات رفض وجود قوات من الدعم السريع أمام مقره، ورأت قيادة المدرعات في ذلك استفزازًا مباشرًا للجيش لكونه يخضع لحماية قوات أخرى، ما اضطر المجلس العسكري تقريبًا لسحب قوات الدعم السريع، وزج اسم قائد سلاح المدرعات ونائبه في الانقلاب الأخير.

حميدتي
يزداد نفوذ حميدتي بقوة عسكرية ضارية تتمثل في قوات الدعم السريع

هذا وتنبئ الانقلابات العسكرية المتوالية في السودان خلال الأشهر الأخيرة عن تضارب في الأجندات الداخية والخارجية، وحالة من التوتر والشد أيضًا بين مكونات القوات المسلحة والمجلس العسكري الانتقالي، إلى درجة أفضت إلى نكبة داخل القوات المسلحة، وتصفية قادة الصف الأول، وأغلبية الضباط الذين بدأوا بالمجاهرة بأصواتهم الناقدة. 

تنبئ المحاولات الانقلابية المتوالية في السودان خلال الأشهر الأخيرة، عن قرب وقوع نكبة داخل القوات المسلحة، ستكون أشبه بنكبة البرامكة

وهي نكبة أشبه بنكبة البرامكة فيما يعرف بـ"ليلة السكاكين الطويلة"، وقد تفضي في اقرب وقت إلى إعادة هيكلة الجيش السوداني، أو تصفيته في أسوأ احتمالات ممكنة، وإضعافه على أقل تقدير لصالح قوات الدعم السريع، التي توسع نفوذها مؤخرًا بصورة لافتة، ودمجت فيها هيئة العمليات بجهاز الأمن والمخابرات، على نحو باتت فيه قوات الدعم السريع تمتلك رصيدًا هائلًا من القوة العسكرية الضاربة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

المجال العام للحراك السياسي في السودان.. مقاربة نقدية

توقيع وثيقة هياكل الحكم في السودان.. ضرورات غياب رفاهية الخيار