20-فبراير-2019

تسعى المعارضة المصرية إلى نقل الصراع حول التعديلات من البرلمان إلى الشارع (Getty)

أقلية معارضة في مواجهة أغلبية مؤيدة، أقلية مقيدة، بلوائح وقوانين وتهديدات مستمرة بالفصل والطرد، وفي بعض الأحيان يصل الأمر للتشهير، وبالرغم من ذلك ترتفع أصواتها من داخل البرلمان المصري، تعطي بعض الحيوية لرافضي التعديلات الدستورية وتنبئ بجدل حاد، خلال المناقشات النهائية للتعديلات الدستورية.

من المتوقع أن يتم تمرير التعديلات الدستورية، غير أن المعارضة تتمنى أن تدار معركة سياسية داخل البرلمان تمهد الطريق لحملة شعبية للتصويت بلا

احتفت المعارضة المصرية المتعطشة لأي رأي مخالف، داخل البرلمان أو الإعلام، بشكل كبير، بكلمة النائب أحمد طنطاوي خلال المناقشة المبدئية للتعديلات، حيث أعلن فيها رفضه لمواد الدستور داخل البرلمان. جاءت هذه الكلمة الجريئة للنائب في ظل حملات تشهير ضد بعض النواب المعروف عنهم معارضتهم للنظام، في محاولة لإخراس أصوات المعارضة داخل مجلس النواب، الذي تدين أغلبيته بالولاء للأجهزة الأمنية.

اقرأ/ي أيضًا: بعد مسلسل من الانتهاكات.. السيسي يسعى لتعديل دستور "النوايا الحسنة"

 ومن المتوقع أن يتم تمرير التعديلات الدستورية، غير أن المعارضة تتمنى أن تدار معركة سياسية داخل البرلمان تمهد الطريق لحملة شعبية للتصويت بلا، لرفض تعديل بعض مواد  دستور 2014، من أجل منح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صلاحيات واسعة وفرصة للاستمرار في الحكم حتى عام 2034.

يتشكل البرلمان المصري الحالي من أغلبية كبيرة مؤيدة للرئيس السيسي، لا تنتمي لحزب سياسي ولكنها أغلبية شكلت ائتلافًا مدعومًا من الأجهزة الأمنية تحت اسم ائتلاف "دعم مصر"، يتكون من ضباط شرطة وجيش سابقين ورجال أعمال، وأبناء عائلات كبرى مرتبطة بالنظام. ويبلغ عدد نواب الائتلاف نحو 347 نائبًا من أصل 596 نائبًا هم إجمالي أعضاء البرلمان، وتضمن الحكومة بهذا العدد تمرير القوانين والإجراءات.

 في حين يشكل نواب المعارضة ائتلافًا يطلق على نفسه (25-30) نسبة إلى كل من ثورة 25 كانون الثاني/يناير 2011، ومظاهرات 30 حزيران/يونيو 2013 التي كانت بداية عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي من منصبه. ويضم الائتلاف نحو 11 نائبًا، يشاركهم في بعض المواقف عدد آخر من النواب لا يتجاوز 20 نائبًا، لكنه وصل إلى 120 نائبًا خلال مناقشة اتفاقية تيران وصنافير فقط. ووافق البرلمان  في 14 شباط/فبراير، الماضي بواقع 485 صوتًا على تقرير اللجنة العامة للمجلس بشأن مبدأ تعديل بعض مواد الدستور، وهي لا تزال موافقة مبدئية.

 

 

كلمة طنطاوي

لا يختلف أحد على أن البرلمان، بتشكيلته الحالية، سيمرر التعديلات، لكن معركة جديدة تلوح في الأفق يبدو أنها قادمة، تشبه معركة اتفاقية تيران وصنافير، وهو ما يفسر الضغوط المتزايدة على النواب خلال الأيام الماضية بعد التسريبات التليفونية الخاصة والتشهير ببعضهم. أمام حملة التخويف تلك، كان انتشار فيديو كلمة النائب أحمد طنطاوي، معبرًا عن تعطش المعارضة والشارع لأي صوت معارض، وشغلت كلمة النائب الرأي العام خلال الأيام الماضية، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي دفع البعض لتدشين دعوات بطرح أحمد طنطاوي كمرشح لرئاسة الجمهورية.

ومختصر كلمة النائب أحمد طنطاوي قوله، إن "قناعاتي الشخصية الراسخة المستقرة تجعلني أقول إن ما يحدث باطل دستوريًا طبقًا لموضعين في المادة 226 من الدستور، وليس من حق البرلمان أن يعدل مدد الرئاسة إلا بمزيد من الضمانات، ولا يستحدث مادة جديدة لأنها تفقد ثقة العموم والتجرد". واستطرد قائلًا إن "جميع المواد ردة وانتكاسة وعودة لأسوأ مما كان الوضع عليه قبل 25 يناير خاصة أن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، وما يحدث يشبه منطق العصور الوسطى". وأضاف النائب المصري أن "كل المواد بالإجماع جاءت في الاتجاه الخطأ في حين أن الشعب ينتظر حقه في العيش والحرية والكرامة"، مختتمًا بكلمات للشاعر عبدالرحمن الأبنودي، "مصر عارفة وشايفة وبتصبر لكنها في خطفة زمن تعبر وتسترد الاسم والعناوين"، وبالقول إنكم "ستذكرون ما أقول لكم.. وأفوض أمري إلى الله".

عمل طنطاوي عضو ائتلاف المعارضة المتواضع صحفيًا في جريدة الكرامة الناصرية، كما أنه من مؤسسي التيار الشعبي، بزعامة حمدين صباحي المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، ويعد طنطاوي من أبرز نواب المعارضة الرافضين لاتفاقية تيران وصنافير، وأحيل للجنة التأديب بعد مشادة في إحدى جلسات الاستماع للخبراء خلال عرض الاتفاقية.

 يمتلئ سجل طنطاوي بوقائع شغب متكررة في البرلمان الحالي، بدأت منذ الأيام الأولى لانتخابه. كما دخل معه علي عبدالعال رئيس المجلس في مشادة بسبب ارتدائه ملابس شبابية، ونال لقب أول نائب مطرود في كانون الثاني/يناير 2016، لابداء الاعتراض، وتكرر الأمر أكثر من مرة فيما بعد. ومن الغريب في تلك الجلسة طرد نائبين آخرين، هما النائب أحمد الشرقاوي الذي أعلن تضامنه مع طنطاوي، وسعيد شبايك، لاعتراضه أيضًا.

 

 

 

 

التشهير والطرد

مكنت السيطرة الكاملة للأجهزة الأمنية على عملية اختيار أعضاء البرلمان، من الفوز بأغلبية خاضعة للسلطة، لكنها في نفس الوقت، أغلبية هشة، يفتقد نوابها الثقة والخبرة والقدرة على مواجهة المعارضة، بالمقارنة بمجلس الشعب في عهد مبارك، مما يدفع النظام إلى التدخلات الخشنة والتعامل بشكل يبدو عنيفًا مع النواب. فخلال السنوات الماضية استخدمت كل الوسائل ضد نواب المعارضة من بينها التشهير وإسقاط العضوية والحرمان من حضور الجلسات والحملات الإعلامية ضدهم في صحف قريبة من الأجهزة الأمنية.

وما يزيد الأمر سوءًا هو وجود رئيس للمجلس صاحب شخصية ضعيفة، لا يستطيع السيطرة على الجلسات، أطلق عليه البعض لقب ناظر المدرسة. وبالرغم من أن علي عبدالعال أستاذ في القانون، إلا أنه ليس صاحب اطلاع واسع على القوانين، وهو ما كشفه لأكثر من مرة المستشار سري صيام رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، خلال عضويته في البرلمان، وأحرج عبد العال عدة مرات، فأظهره بصورة الجاهل بمواد القانون واللوائح. وكرد فعل استبعد عبدالعال المستشار سري صيام من لجنة وضع لائحة المجلس ليستقيل الأخير تاركًا المجلس.

أما فيما يخص شخصيته، فهو مسار تندر عند المصريين، وذلك لارتكابه الكثير من الأخطاء اللغوية والنحوية خلال خطاباته. وعلى المستوى السياسي ورط عبدالعال النظام في عدة مواقف، بسبب انفعاله السريع وإبداء تصريحات بدا فيها بعيدًا عن جماعات صناعة القرار. ففي كانون الأول/ديسمبر 2016، خرج عبدالعال في تصريحات صحفية يكذب فيها إعلاميًا تحدث حول تعديل متوقع يخص  فترة الرئاسة، وأكد عبدالعال وهو أستاذ قانون ورئيس البرلمان،  أن الإعلامي "كذاب".

اقرأ/ي أيضًا: تعديلات جديدة لتمديد ولاية السيسي.. انقلاب على الدستور الخفي

ودأب البرلمان الحالي على التنكيل بمعارضيه، إذ يملك عبدالعال سلطات واسعة تمكنه من معاقبة النواب، فاستغل سلاح إسقاط العضوية من قبل مع النائب السابق محمد أنور السادات، كما اعتاد على تحويل النواب للجنة القيم كما حدث مع نواب 25-30 لأكثر من مرة، أما منعهم من حضور الجلسات فقد أصبح أمرًا طبيعيًا، وكذالك الطرد. إلى جانب ذلك قام عبدالعال بنفسه باستخدام سلاح التشهير ضد النواب داخل البرلمان، حيث اتهم بعض النواب بالعمالة، كما ادعى ورود أسمائهم في قضية خيالية لم يعلن عنها حتى اليوم.

يتشكل البرلمان المصري الحالي من أغلبية كبيرة مؤيدة للرئيس عبد الفتاح السيسي، لا تنتمي لحزب سياسي ولكنها أغلبية  شكلت ائتلافًا مدعومًا من الأجهزة الأمنية

وبالرغم من صعوبة الوضع القائم حاليًا، إلا أن المعارضة تتمنى أن ترى معركة تشبه معركة اتفاقية إعادة ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية المعروفة بالتنازل عن تيران وصنافير، والتي تعد من أحد أبرز المعارك البرلمانية في المجلس الحالي، وحاول خلالها بعض نواب المعارضة التصدي للموافقة على الاتفاقية، وتمكن ائتلاف 25-30، وقتها من جمع توقيعات لأكثر من 120 نائبًا رافضًا للاتفاقية، وتصاعدت أصوات المعارضة في البرلمان، مما دفع رئيس البرلمان لرفض التصويت على الاتفاقية بالاسم، ومرر التصويت برفع الأيدي دون معرفة المصوتين في مشهد هزلي. ويري البعض أنه في حال تصعيد معركة التعديلات داخل البرلمان، فسيكون ذلك مقدمة لحملة شعبية لرفض التعديلات في الشارع، وإدراك عام لما سيترتب على إقرارها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 نهاية قصة تيران وصنافير.. برلمان السيسي يعطي ما لا يملك لمن لا يستحق

كيف عرّت "تيران وصنافير" الواقع السياسي في مصر؟