19-يونيو-2019

استغل المجلس العسكري محاكمة البشير للهروب من تداعيات فض الاعتصام (فيسبوك)

أعقبت عملية فض الاعتصام قبالة القيادة العامة للجيش السوداني حالة من الذهول والصدمة، تداعت على إثرها ردود الأفعال المحلية والدولية، نتيجة لما وصف بالانتهاكات الفظيعة التي صاحبتها، والضحايا الذين تضاربت الروايات حولهم، دون أن يكون ثمة أمل بعد ذلك يجنب البلاد خيار المواجهة الحتمية، كما يبدو، بين قوى المعارضة والمجلس العسكري. 

كان مشهد ظهر البشير برمته غارق في الميلودراما، وبدا أن المحاكمة جاءت في هذا الوقت تحديدًا كملهاة، للهروب من استحقاقات الثورة، ودفع فواتيرها السياسية

في ظل التصعيد الذي وصل إلى مرحلة يصعب معها العودة إلى طاولة التفاوض، على الأقل، في هذه الأجواء المشحونة بالعنف، جاءت الأخبار عن محاكمة الرئيس المخلوع عمر البشير، ربما لتصرف الأنظار بعيدًا عن كارثة ما عرف بمجزرة القيادة التي راح ضحيتها أكثر من مئة قتيل، وحالات عنف واغتصاب وجثث ملقاة على النيل، وفقًا لبيانات لجنة الأطباء المركزية، وأقل من ذلك بكثير على ما ذهبت إليه وزارة الصحة السودانية.

اقرأ/ي أيضًا: هل سحبت واشنطن الملف السوداني من الرياض وأبوظبي؟

البشير في كامل زينته

كان البشير في أول ظهور له منذ الإطاحة به، يرتدي الزي السوداني، وتبدو عليه حالة من الطمأنينة والدِعة، وقد احتقظ بكامل أناقته، أثناء اقتياده من سجن كوبر، شمال الخرطوم، للتحقيق معه في نيابة مكافحة الفساد، بتهم تتعلق بغسل الأموال والاحتفاظ بملايين الدولارات في مقر سكنه، دون أن يتخلى عن عصاه الرئاسية، وخاتم فضة ثمين كان يلمع على الأصبع الخنصر وهو يتقدم بثقة نحو سيارة فارهة قادها ضابط رفيع من الجيش، إلى جانب ابتسامة أيضًا أخذت نصف وجهه، فبدا كأنه يسخر من كل هذه الإجراءات، وكما لو أن المشهد برمته غارق في الميلودراما، أو أن المحاكمة جاءت في هذا الوقت تحديدًا كملهاة، للهروب من استحقاقات الثورة، ودفع فواتيرها السياسية.

إجهاض الوساطة

في ما يخص الفتق بين قوى الحرية والتغيير فقد اتسع على رتق الوساطة الأثيوبية بقيادة رئيس الوزراء آبي احمد، إذ فشل في تقريب وجهات النظر وإعادة الفرقاء إلى طاولة المفاوضات، رغم زيارة قام بها مؤخرًا للسودان، التقى فيها بجميع الأطراف، لكنها لم تثمر حتى ال’ن. وهو ما فتح الباب واسعًا لوساطة أخرى، من قِبل الجامعة العربية، يتخوف البعض من انحيازها للمجلس العسكري، وتقليل الضغوط عليه من باب اصطفاف المحاور الإقليمية، الذي تورطت فيه الجامعة لصالح المحور السعودي الإماراتي. 

 قوى التغيير من جانبها طالبت بعودة خدمة الإنترنت المقطوع منذ نحو شهر تقريبًا، واعتراف المجلس العسكري بمسؤولية فض الاعتصام، وتشكيل لجنة تحقيق دولية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، قوبلت كلها بالرفض والتعنت من المجلس العسكري، باستثناء إطلاق سراح المعتقلين، ومضى قادة المجلس إلى تنظيم لقاءات جماهيرية واستجداء الدعم الشعبي من الإدارات الأهلية وأعيان القبائل والمجتمع المدني، وانتظم قادة المجلس في زيارات متواصلة داخل وخارج السودان، مع التلويح بخيار تشكيل حكومة تكنوقراط، بعد إلغاء الاتفاق السابق مع قوى الحرية والتغيير. 

الثورة مستمرة 

 الطريق المسدود الذي وصل إليه طرفا التفاوض، المجلس الانتقالي وقوى التغيير، هو الذي عجل بهذه الخطوة غالبًا، أي خطوة العمل على إعلان الحكومة من طرف واحد، في أقرب وقت ممكن، والبحث أيضًا عن حلفاء، من داخل المعارضة، أو القوى السياسية التي كانت متحالفة مع النظام السابق، بشكل أشعل جذوة الحراك مجددًا في تجمع المهنيين السودانيين.

 وكان التجمع قد قرر العودة لتسيير المواكب والمظاهرات، وكل أشكال المقاومة السلمية ابتداءً من هذا الأسبوع، بما فيها الندوات والمظاهرات الليلية، باعتبار أن الثورة لا زالت مستمرة. ومن بين تلك الإجراءات، تنظيم "تظاهرات ليلية في العاصمة والأقاليم للمطالبة بالسلطة المدنية الانتقالية وإدانة مجزرة 29 رمضان في السودان، وذلك بحسب البيان الذي نشره تجمع المهنيين السودانيين على وسائل التواصل الاجتماعي المعنون، ودعا البيان إلى إقامة ندوات في الأندية والميادين العامة وتنظيم وقفات ومواكب مركزية في مختلف المناطق بالسودان، على مدار الأسبوع.

اقرأ/ي أيضًا: ورطة البشير بين المذهب المالكي وعقيدة بوتين.. من يكاتب الجنرال في سجن كوبر؟

لم ينقطع حبل المفاجآت غير السارة هنا، وإنما أعلن المجلس العسكري عن إجهاض ما قال إنها محاولة انقلابية عسكرية، على حد زعمه، متهمًا قوى التغيير بالتحريض عليها، ومن ضمن المتهمين في المحاولة، ضباط إسلاميون ينتمون للنظام السابق، وآخرون في المعاش لديهم تحفظات على الدور المتعاظم لقوات الدعم السريع ضمن المنظومة العسكرية في البلاد.

كان البشير في أول ظهور له منذ الإطاحة به، يرتدي الزي السوداني، وتبدو عليه حالة من الطمأنينة والدِعة، وقد احتقظ بكامل أناقته، أثناء اقتياده من سجن كوبر، شمال الخرطوم، للتحقيق معه في نيابة مكافحة الفساد

 بالمقابل نفى قائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس العسكري، كل الاتهامات التي طالت قواته، ووصفها بأنها مغرضة بما فيها دورها في فض الاعتصام، والانتهاكات ضد المواطنيين، واعتبر قوته من قوة الشعب، مؤكدًا أن نتائج التحقيقات سوف تبرئ تلك القوات، التي تعمل بكفاءة وضمن منظومة متكاملة على حد قوله، وأضاف أن فض الاعتصام "فخ نصب لقوات الدعم السريع من أجل تشويهها".

 

اقرأ/ي أيضًا: 

عام الثورة على المأساة في السودان