شكلت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية فريقًا جديدًا بصلاحيات واسعة لتحديد الجهة التي نفذت تسع هجمات كيماوية في سوريا، أحدها استهدف مدينة دوما بغوطة دمشق الشرقية، في السابع من نيسان/أبريل عام 2018 والذي أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، حسب وكالة رويترز.
رغم سعى نظام الأسد وحليفه الروسي إلى محو آثار هجوم الكيماوي في دوما التي سيطر عليها النظام بدعم روسي عقب الهجوم الكيماوي، استطاعت لجنة التحقيق الدولية من الدخول إلى موقع الهجوم ومعاينته بحثًا عن الأدلة
اللافت في القرار الجديد هو منح الفريق صلاحية تحديد المسؤول عن الهجمات الكيماوية، ما يمكّنه من توجيه التهم مباشرة لنظام الأسد، بعد إثبات المنظمة استخدام السلاح الكمياوي في عدة مناطق من سوريا، إضافة إلى إمكانية الفريق فحص جثث ضحايا الكيماوي والتي يسعى النظام لإيجادها وطمس الأدلة.
اقرأ/ي أيضًا: سماء دوما ممطرة بكيماوي الأسد.. التطهير العرقي مستمر
في حزيران/يونيو الماضي شكلت الدول الأعضاء بالمنظمة فريقًا للتحقيق وتحديد الجهة التي ارتكبت الهجمات، وأثارت جلسة التصويت انقسامات سياسية كبيرة داخل المنظمة المدعومة من الأمم المتحدة، بسبب معارضة روسيا والدول المتحالفة معها. وحددت المنظمة الأماكن التي ستجري فيها أول تحقيقاتها خلال السنوات الثلاث القادمة.
وفي الشهر نفسه جاء رد النظام السوري سريعًا على القرار الأممي الجديد، وتمثل برفض دخول فريق المنظمة إلى سوريا، وعدم منحهم تأشيرات دخول. وقال فرناندو أرياس المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية للدول الأعضاء: "ترفض سوريا الاعتراف بالقرار والتعامل مع أي من نتائجه وآثاره"، مشيرًا إلى أن الرفض جاء مكتوبًا من وزير خارجية النظام فيصل المقداد.
مسرح الجريمة تحت سيطرة النظام
رغم سعى نظام الأسد وحليفه الروسي إلى محو آثار هجوم الكيماوي في دوما التي سيطر عليها النظام بدعم روسي عقب الهجوم الكيماوي، استطاعت لجنة التحقيق الدولية من الدخول إلى موقع الهجوم في دوما ومعاينته بحثًا عن الأدلة، وتوصلت اللجنة في تقريرها الصادر في آذار/مارس الماضي إلى وقوع هجوم بالأسلحة الكيماوية في دوما مرجحة استخدام الكلور، دون أن تحدد الجهة المسؤولة عن الهجوم.
روسيا التي حاولت تجريد المنظمة من الصلاحيات الجديدة، والتأثير على سير عملها من خلال طرح مشاريع قرارات مُعطّلة، وسعيها لقرصنة المنظمة وفق ما نقلت رويترز عن المخابرات الهولندية، اعتبرت الجمعة أن تقرير منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مزور وقال المندوب الروسي ألكسندر شولغين، في مؤتمر عقد في لاهاي: "طلبنا من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية مؤتمرًا صحفيًا لنحصل على المزيد من الأجوبة حول أسئلتنا وتم رفض طلبنا".
وتابع شولغين أنه "بعد التحليلات والتحقيقات، تبين أن الفجوة التي خلفها انفجار العبوة في المبنى بمدينة دوما في الهجوم (المزعوم) ناجم عن انفجار لغم وليس عبر إسقاطها من الطائرة... وأنها وسعت بشكل يدوي وأضيفت إليها السوائل"، مدعيًا أن "العبوات في هجوم دوما تم إيصالها باليد ولم يتم رميها من طائرة، ما يدل على تزوير ما جرى هناك، ولم نحصل على تفسيرات واضحة فيما يخص هذه العبوات (الكلور)"، منوهًا إلى أن "هذه المدينة كانت تحت سيطرة الإرهابيين".
لكن شولغين لم يذكر أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها غوطة دمشق الشرقية التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة لهجوم كيماوي، تزامنًا مع شن قوات النظام عمليات قصف مكثف، حيث وقع الهجوم الكيماوي الأول عام 2013، وأدى لمقتل نحو 1500 شخص وإصابة نحو 5 آلاف آخرين، وترتب على الهجوم تعهد النظام بكفالة روسية بتدمير ترسانته الكيماوية المؤلفة من 1500 طن من المواد الكيماوية حتى موعد أقصاه 30 من تموز/يوليو 2014، وذلك بعد أن تخطى رئيس النظام بشار الأسد الخط الأحمر الذي رسمه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
حاول النظام العام الماضي منع فريق التحقيق من الوصول إلى موقع الهجوم في دوما لكسب الوقت بعد أن أصبح الموقع تحت سيطرته إضافة إلى وجود القوات الروسية، حيث تعرض الفريق الأمني التابع للأمم المتحدة الذي كان يقوم بمهمة استطلاعية في دوما لإطلاق نار في 18 من نيسان/أبريل الماضي، واضطر الفريق الأمني للانسحاب وتأجيل وصول مفتشي الأسلحة الكيماوية إلى الموقع، وفق وكالة رويترز.
وعلّق وزير الدفاع الأمريكي حينها جيمس ماتيس بالقول "إن النظام هو المسؤول عن تأخير دخول الفريق إلى دوما"، مضيفًا أننا "نعلم تمام العلم الطريقة التي عملوا بها من قبل وأخفوا ما فعلوه باستخدام الأسلحة الكيماوية". وتابع "إن لدى دمشق تاريخًا من محاولة إخفاء الأدلة قبل دخول فريق التحقيق".
إعادة بناء مسرح الجريمة
في كانون الثاني/يناير استطاع صحفيون من صحفية نيورك تايمز الأمريكية إعادة بناء مسرح الجريمة الذي وقع فيه الهجوم الكيماوي، وحددت الصحفية مكان الهجوم ومتى وقع ومن نفذه وماهي المواد المستخدمة.
حلل الصحفيون في نيويورك تايمز عددا كبيرًا من مقاطع الفيديو، والتقوا بعشرات الشهود والخبراء، وفحصوا بعض الأدلة بالتعاون مع المجموعة الاستقصائية "بلينجكات"، وصنعوا مع وكالة "فو رنسيك آركتكتشر" نموذجًا مرئيًا لمسرح الجريمة.
وقالت نيويورك تايمز وقتها إن تقرير مفتشي هيئة حظر الأسلحة الكيميائية، يعتبر أكثر الاكتشافات النهائية تأكيدًا للادعاءات القائلة إن الأسلحة الكيماوية أسقطت على بلدة دوما إحدى ضواحي دمشق، مما أسفر عن مقتل 43 شخصًا في 7 من نيسان/أبريل 2018. وأوضحت الصحيفة أن المفتشين تمكنوا في نهاية المطاف من زيارة الشهود ومقابلاتهم وفحص المستودع وجمع العينات وتحليلها. لكنهم لم يتمكنوا من فحص أي جثث للضحايا، كانت قد دُفنت بحلول الوقت الذي تمكنوا فيه من دخول دوما.
وأشار تحقيق الصحيفة الصادر في آذار/مارس من العام الجاري إلى وقوع عشرات الهجمات الكيماوية لاحقًا بشكل مؤكد، مما أثار الشكوك لدى المجتمع الدولي وخصوم الأسد بأنه لم يدمر ترسانته الكيماوية بالكامل.
أين دفنت جثث الضحايا؟
لم يستطع فريق التحقيق التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيماوية إيجاد جثث الضحايا الذين سقطوا في الهجوم على دوما، ما يرجح أن يكون الموضوع هدفًا لهم خلال زيارتهم المرتقبة إلى المدينة، وكان رائد الصالح مدير منظمة الدفاع المدني قد قال إن منظمته حددت للمفتشين الدوليين أماكن دفن ضحايا الهجوم الذي يعتقد أنه تم بأسلحة كيماوية يوم السابع من نيسان/أبريل. وأضاف الصالح لوكالة رويترز، أن جثث الضحايا دفنت سريعًا بسبب القصف المكثف وأن موقع المقابر ظل سرًا لمنع أي تلاعب بالأدلة.
وأوضح أن الوضع في المدينة المدمرة الواقعة بالغوطة الشرقية كان كارثيًا منذ اليوم السابق للهجوم بسبب القصف المتواصل، وهو ما أدى إلى عدم توفر الوقت للتعرف على هوية الضحايا وتوثيق وفاتهم، وتابع "كانت الأولوية هي إيواؤهم ضمن التراب" بأسرع ما يمكن.
كذلك نشرت صحيفة الغارديان البريطانية في نيسان/أبريل من العام 2018 تقريرًا عن كيماوي دوما، ونقلت عن الضابط السابق في برنامج سوريا للأسلحة الكيماوية، العميد زاهر الساكت، بأن سكان دوما الذين عمل معهم في السابق قاموا بدفن ما يقارب 50 جثة في موقع غير معلوم في المنطقة، على أمل أن يتم العثور على هذه الجثث في نهاية المطاف لتأكيد الشكوك وإثبات استخدام غاز الأعصاب خلال هذا الهجوم.
وقال أحد الأطباء الذين كانوا موجودين في مدينة دوما ساعة الهجوم الكيماوي: "كنا نتلقى تهديدات منذ بدء الحصار، قبل هجوم الأسلحة الكيميائية. عندما وقع الهجوم، أصبحت أكثر خطورة. إنهم يمسحون أدلة تثبت وقوع الجريمة، وهم يجبرون الأطباء والمقيمين الذين هم شهود على قول أن شيئًا لم يحدث".
هجوم خان شيخون
في نيسان/أبريل 2017 استخدم النظام السلاح الكيماوي في هجوم شنه على مدينة خان شيخون بريف إدلب قتل فيه 91 مدنيًا بينهم 32 طفلًا و23 امرأة بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان. وخلصت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن غاز السارين استخدم في الهجوم، وذلك في أعنف استخدام لغاز الأعصاب منذ ثلاث سنوات. ولم تلق البعثة باللوم على طرف بعينه.
غير أن آلية التحقيق المشتركة ما لبثت أن عادت لتوجه اللوم لنظام الأسد في الهجوم بغاز السارين على خان شيخون الخاضعة لسيطرة المعارضة والذي راح ضحيته العشرات. إلا أن روسيا استخدمت حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي للحيلولة دون تجديد تفويض آلية التحقيق المشتركة. لينتهي التحقيق في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 بعد أن أعاقت روسيا مرارًا محاولات تجديد التفويض.
الكيماوي سلاح تقليدي في سوريا!
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان نحو 221 هجومًا كيميائيًا منذ 23 من كانون الأول/ديسمبر 2012 وحتى 4 من نيسان/أبريل 2019. وبحسب الشبكة فإن الهجمات توزعت بحسب الجهة الفاعلة، 216 هجومًا كيميائيًا لقوات نظام الأسد في محافظتي ريف دمشق وإدلب، و5 هجمات لتنظيم الدولة جميعها بحلب.
في نيسان/أبريل 2017 استخدم النظام السلاح الكيماوي في هجوم شنه على مدينة خان شيخون بريف إدلب قتل فيه 91 مدنيًا بينهم 32 طفلًا و23 امرأة بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان
وتسببت هذه الهجمات بمقتل ما لا يقل عن 1461 شخصًا، مسجلين بالاسم والتفاصيل في قوائم الشبكة، وجميعهم قضوا في هجمات نفذها نظام الأسد، 1397 منهم مدنيون بينهم 185 طفلاً، و252 امرأة، بالإضافة إلى 57 من مقاتلي المعارضة و7 أسرى من قوات النظام كانوا في أحد سجون المعارضة.
اقرأ/ي أيضًا: مذبحة القرن 21.. الغوطة الشرقية تحت وطأة أعنف الهجمات الدموية من النظام السوري
كما أصيب ما لا يقل عن 9885 شخصًا، 9753 منهم أصيبوا بهجمات شنها نظام الأسد، و132 أصيبوا بهجمات شنها تنظيم الدولة. في المقابل نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية دراسة أجراها معهد السياسة العامة العالمية في ألمانيا، بينت ارتكاب النظام السوري لأكثر من 300 هجوم بالسلاح الكيماوي خلال السنوات الثمانية الفائتة. وأحصى معهد السياسة وبشكل موثّق 336 هجومًا لاستخدام الأسلحة الكيماوية، تتراوح ما بين استخدام غاز الأعصاب وصولاً إلى قنابل الكلور الخام الخطيرة، مؤكّدًا أن قرابة 98% من الهجمات ارتكبها النظام وحلفاؤه، ومنهم ميليشيا "قوات النمر" المدعومة من روسيا.