13-يونيو-2018

يرفع النظام المصري من سقف القمع بشكل دائم (Getty)

ألترا صوت - فريق التحرير

كلما صدر قانون جديد في مصر يقيد الحريات، يشعر المتابعون أن الوضع لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، حتى تتفتق ذهنية المشرعين عن قوانين جديدة تطبق على أنفاس الحريات الصحفية أكثر فأكثر، وتعيد ضبط مساحة الحرية المختنقة أصلًا.

يستهدف القانون الصحفيين المصريين في جل مواده، ويقونن حبس الصحفيين احتياطيًا في جرائم النشر "بالمخالفة للدستور"

الجديد هو مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام، وهو المشروع الذي وافق البرلمان بشكل مبدئي عليه، وهو الآن في الطريق إلى المراجعة والمناقشة، ويبدو أنه يحظى برضى "السلطات" التي تريد بسط يدها بشكل كامل على الإعلام من خلال مثل هذه القوانين.

ما هو مشروع قانون تنظيم الصحافة والإعلام الجديد؟

القانون الذي لم يتم إدراجه في جدول أعمال البرلمان المصري وفقًا لما ورد في تقارير صحفية، وفوجئ به النواب أثناء تصويتهم عليه، يستهدف الصحفيين في جل مواده، ويقونن حبس الصحفيين احتياطيًا في جرائم النشر "بالمخالفة للدستور، في حالات التحريض على العنف، أو الطعن في أعراض الأفراد، أو في الجرائم التي تمسّ الأمن القومي". كما يشرّع القانون السيطرة حتى على الصفحات الشخصية لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: مصر.. نقابة الصحفيين في عهدة الدولة من جديد؟

يتكون القانون الجديد الضخم من 227 مادة، يفرض بين طياته "قيودًا مالية ضخمة على إصدار الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، كما أنه أقر فرض ضريبة على المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي لنشرها إعلانات تخص السوق المصرية، بالإضافة لمنح السلطات الإدارية الحق في غلق الصفحات الخاصة للأفراد التي يبلغ عدد متابعيها خمسة آلاف متابع، إذا نشرت ما يمثل ضررًا على الأمن القومي أو أمن الأفراد والهيئات أو يحمل ما يمكن اعتباره سبًا وقذفًا للأشخاص والهيئات".

ويعلي القانون أيضًا من سلطات المجلس الأعلى للإعلام ويجعل منه هيئة سيادية لها الكلمة الأخيرة بخصوص التحكم في "محاسبة الوسائل الإعلامية والصحفية، كما أنه ألزم المواقع الإلكترونية بتسليمه نسخة من المواد المنشورة بها، ومنحه حق إصدار التراخيص أو سحبها، فضلًا عن وقف تجديدها من عدمه". وهو ما يذكر، على نطاق أصغر، بما فعلته وزارة الأوقاف بخطبة الجمعة على مستوى البلاد حيث جعلت قبل عامين موضوعها موحدًا ومعروفًا من قبل الوزارة حتى يلتزم به الأئمة، وحتى يتعرض المخالفون فيه للمساءلة القانونية.

ووفقًا لما نشرته جريدة الأهرام الرسمية فقد تم فصل مشروع القانون إلى ثلاثة مشروعات، هي: المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام.

أخطر ما جاء في القانون

أما أخطر ما جاء في القانون، فقد فصله الصحفي بجريدة الأهرام  فتحي محمود، في منشور على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وهو تحويل الهيئة الوطنية للصحافة إلى "سُلطة عليا" تتدخل بشكل مباشر في إدارة المؤسسات الصحفية وتساوي بينها جميعًا، على اختلاف عراقتها وأحجامها، على أن تكون فلسفة الإدارة قائمة على إدارة هذه المؤسسات باعتبارها شركات قطاع عام. وأضاف محمود أن واحدة من أخطر التفصيلات التي جاءت في هذا القانون، هي تقليص تمثيل الصحفيين في إدارة المؤسسات إلى أدنى حد، حيث يتم تعيين نصف أعضاء مجالس الإدارة من خارج المؤسسة، وهو ما يعني أن الكلمة العُليا ستكون من عقليات لم تعمل بالصحافة من قبل، لإضفاء مزيد من السيطرة أيضا على الجوانب المالية والإدارية.

وتحصل الهيئة العليا للصحافة وفقًا للقانون، على 1% من إيرادات المؤسسات الصحفية، كما تجاهل القانون الجديد عدة حقوق للصحفيين منها "على سبيل المثال المد الوجوبي لسن المعاش للصحفيين إلى 65 عامًا، حيث أعطى الحق للهيئة للمد لمن تراهم خبرات نادرة فقط، وهو أمر يفتح الباب لمزيد من المحسوبيات في هذا البند، ومزيد من التربيطات والتوازنات".

 لم يتم إدراج القانون في جدول أعمال البرلمان المصري وفوجئ به النواب أثناء تصويتهم عليه

ومن وجوه "الكارثة" أيضًا في القانون هو عباراته الفضفاضة التي يمكن تطويعها لاستخدامها ضد الصحفيين، أو تأويلها حسب الحاجة ضدهم، وكذلك المساواة في المحاسبة بين الصحف الإلكترونية والمنشورات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى "الضوابط المالية لإصدار الصحف وإطلاق المواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية، والتي تصل لستة ملايين جنيه (350 ألف دولار) لإصدار صحيفة يومية، وخمسين مليون جنيه (3 ملايين دولار) لبث قناة فضائية إخبارية".

الجديد هو مزيد من القمع

تستخدم السلطات في مصر قوانين استثنائية للتعامل مع الصحافة والإعلام بشكل عام، فقد حجبت منذ مايو/أيار في العام الماضي أكثر من 400 موقع محلي ودولي من بينها موقع ألترا صوت، ومواقع منظمات مثل شبكة مراسلون بلا حدود، التي استنكرت الحجب في مصر، ووصفت البلاد بأنها سجن كبير للصحفيين. هذا بالإضافة إلى عشرات الحالات لصحفيين وُضعوا قيد الحبس لسنوات طويلة بسبب آرائهم ومشاركاتهم أو حتى بسبب ممارستهم لعملهم الطبيعي.

وفي تعليق نشره خالد البلشي على موقع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان عن القانون، كتب تحت عنوان "قراءة أولية في قانون الأخ الأكبر.. عن مشاريع قوانين تنظيم الصحافة والإعلام": القوانين الثلاثة ترسم المشهد الأخير في مرحلة السيطرة على الإعلام والنشر بشكل عام، حتى على الصفحات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: "عسكرة" الإعلام المصري.. لم تعد الموالاة كافية!

وأضاف البلشي: "فتحت مواد قانون تنظيم الصحافة خاصة المادتين 5 و19  الباب لتقنين الحجب والمصادرة بنصوص غريبة، أو عبر التوسع في استخدام العبارات المطاطة لمعاقبة الصحفيين، والسيطرة على مهنة الكتابة، وصولًا لمطاردة الكلام حتى على فيسبوك.. فضلًا عن أن نصوص القوانين خاصة المتعلقة بالهيئات القومية تفتح الباب للتخلص من بعضها عبر إلغاء مؤسسات أو دمج إصدارات. كما يعطي  القانون الجديد للمجلس الأعلى للإعلام سلطات واسعة لعقاب كل من يكتب وفرض عقوبات حتى على المواطنين غير الخاضعين للقانون بصيغته، والذين يكتبون على صفحاتهم الشخصية، وفرض عقوبات مالية على الصحفيين بخلاف العقوبات الأخرى دون العودة للنقابة".

يفرض قانون تنظيم الصحافة والإعلام المصري قيودًا مالية ضخمة على إصدار الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات الفضائية

وأكد البلشي في تعليقه أن فلسفة القانون قائمة على الاستهداف المباشر للصحفين بقوله: "توسع القانون في استخدام العبارات المطاطة كمقتضيات الأمن القومي والدفاع عن البلاد ومعاداة مبادئ الديمقراطية والتعصب الجهوي أو التحريض على مخالفة القانون، ووضعها كشروط لاستمرار العمل الصحفي وهو ما ظهر في العديد من المواد منها المادة 5 و10 والمادة 19".

وأضاف مفصلًا:  "ففي المادة 10  الخاصة بتداول المعلومات تم وضع استثناء  يقول (دون الإخلال بمقتضيات الأمن القومي والدفاع عن الوطن) وكذلك في بند 4 من المادة 68 الخاصة بأهداف المجلس الأعلى للإعلام، والتي تنص على ضمان التزام المؤسسات الإعلامية والصحفية بمقتضيات الأمن القومي. دون وضع تعريفات واضحة لمقتضيات الأمن القومي أو الدفاع عن الوطن وحدودها، مما يفتح الباب أمام استخدامها للنيل من حرية الصحافة والعمل الصحفي".

 وكما يظهر فإن القانون وضع بعقلية أمنية لأهداف أمنية، وهو يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، فهو من ناحية رقيب مالي وإداري حتى على المؤسسات القومية التابعة له، ورقيب أشد قسوة على غير الخاضعين له من العاديين الذي يكتبون معبرين عن آرائهم على صفحات التواصل الاجتماعي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حسام بهجت.. العسكر في مواجهة صحافة التحقيقات

صحافة القاهرة.. جولة ربح جديدة ضد الداخلية