بمرور الوقت يتنامى طموح دولة الإمارات العربية المتحدة في بناء شبكات تجسّس إلكتروني، خاصة بعد أن دفعت مبالغ طائلة لتجنيد عملاء سابقين في وكالة الاستخبارات الأمريكيّة للتجسّس على الحكومات والأفراد لا سيما المعارضين والنشطاء الإعلاميين والحقوقيين من مختلف الدول العربية، وذلك بحسب ما أفادت به وكالة أنباء رويترز.
يتنامى طموح الإمارات في بناء شبكات تجسس إلكتروني، خاصة مع دفعها أموالًا طائلة لتجنيد عملاء استخباراتيين أمريكيين سابقين
وأشار تحقيق نشرته وكالة رويترز إلى أن شركات أمنيّة مقرّها الإمارات العربيّة المتّحدة، كانت ضالعة في عمليّات تجسّس على هواتف ذكيّة وحواسيب، مستخدمةً تقنيّات جلبتها من وكالة الأمن القومي الأمريكي.
اقرأ/ي أيضًا: مشروع "الغراب".. موظفو الاستخبارات الأمريكية في خدمة القمع الإماراتي
وكشف التحقيق عن تلك المعلومات للمرّة الأولى بعد إفادات من العميلة السابقة في وكالة الأمن القومي (NSA) لوري ستراود، والتي قالت إنّها انضمّت بعد خروجها من الوكالة بأسبوعين في عام 2014، برفقة مجموعة من العملاء الآخرين إلى خطّة عرفت باسم "Raven" أو "الغراب".
وتقضي هذه الخطة، اتخذت فيما بعد من إمارة أبو ظبي مقرًّا لها منذ عام 2016 تحت شركة "دارك ماتر - Dark Matter"، بالتجسّس لصالح دولة الإمارات، باستخدام أجهزة متطوّرة أطلق عليها اسم "Karma - كارما"، إذ استهدفت هواتف وحسابات بريد الكتروني وحسابات مصرفيّة لعدّة شخصيّات هامّة، منها أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وعدد من السياسيين والناشطين العرب والإماراتيين، بالإضافة إلى كون أبو ظبي مركز اختراق وكالة الأنباء القطرية "قنا" في صيف 2017.
وتصف مصادر رويترز نظام "كارما" بأنّه أداة قادرة على اختراق أجهزة آيفون فقط، ولا تستطيع الدخول إلى نظام أندرويد، وهي غير قادرة أيضًا على الاستماع إلى المحادثات الهاتفية، وإنّما بمقدورها الدخول إلى الصور والبريد الإلكتروني والرسائل النصيّة وتحديد مواقع أجهزة أيفون.
Mozilla ترجّح إنهاء العمل مع "دارك ماتر"
وفي تقرير أحدث لوكالة رويترز، نشرته قبل أيام، قالت فيه إنه من المرجح أن توقف شركة موزيلا المالكة لمتصفح فايرفوكس، تعاملها مع شركة الأمن السيبراني "دارك ماتر - Dark Matter"، وهي إحدى الشركات التي تتعاقد معها موزيلا لحماية بواباتها على الإنترنت.
وقالت سيلينا ديكلمان، كبيرة مهندسي شركة موزيلّا لرويترز: "ليس لدينا حتّى الآن دليل تقني على قيام شركة دارك ماتر بإساءة الاستخدام، لكنّ الإبلاغ بحد ذاته يُعدّ دليلًا على إمكانيّة إساءة الاستخدام إن لم يكن هذا قد حصل فعلًا من قبل".
وأضافت ديكلمان بأنّ شركة موزيلّا تدرس سحب بعض أو معظم الرخص الأمنيّة التي قامت دارك ماتر بمنحها، والتي بلغت أكثر من 400 رخصة قدّمتها هذه الشركة لمواقع إلكترونيّة مختلفة منذ عام 2017.
وتكمن مخاوف موزيلّا، وفقًا لديلكمان، في أنّ تقوم شركة دارك ماتر باستخدام صلاحيّات موزيلّا في منح رخص الأمن السيبيراني إلى قراصنة إلكترونيين ينتحلون شخصيّات وهويّات مهمّة كالمصارف أو غيرها، وبذلك يتمكّنون من الولوج إلى معلومات حسّاسة في شبكة الإنترنت.
ومن جانبه، صرّح مارشال أروين، مدير الأمن المعلوماتي في شركة موزيلّا، بأن تقرير رويترز الأول حول شبكة التجسس الإماراتية التي تضلع فيها شركة دارك ماتر، أثار مخاوف حقيقيّة من أن تقوم شركة دارك ماتر باستخدام سلطة شركته موزيلّا في منح الرخص لأغراض هجوميّة، عوضًا عن الدور المناط بها في خلق مجال سيبيراني أكثر أمنًا.
شركة جاسوسية
تأسست شركة دارك ماتر في الإمارات عام 2014. وتضم الآن أكثر من 650 موظفًا. وتعد أحد أكبر شركات مبيعات الأجهزة المحمولة في الشرق الأوسط.
ولا تنفي الشركة تعاونها مع السلطات الإماراتية فيما تسميه بـ"الأغراض الدفاعية"، غير أن تقريرًا لموقع "The Intercept" بعنوان "جواسيس للتوظيف"، كشف ضلوع الشركة في "أغراض هجومية" تمثلت تحديدًا في عمليات تجسس على مواطنين وصحفيّين وشخصيات ناشطة، وذلك بعلم رأس هرم الشركة، وبالتنسيق مع حكومة الإمارات، حيث يقع مكتب المخابرات العامّة الإماراتيّة في أبو ظبي في نفس البناء الذي يقع فيه مكتب دارك ماتر، على بعد طابقين فقط!
يبدو إذن أن شركة دارك ماتر إنما أسست بشكل أساسي لأغراض جاسوسية، كشفت عنها العديد من التحقيقات الصحفية، حتى الشكليات تكشف عن طبيعة دورها الذي أسست له.
وتأتي هذه الشركة ضمن سلسلة طويلة من المساعي الإماراتية الحثيثة لتكوين شبكة متعددة المستويات للتجسس على من تعتبرهم خصومها، أو حتى الخصوم المحتملين.
يرجح أن توقف شركة موزيلا المالكة لمتصفح فايرفوكس، عملها مع شركة دارك ماتر الإماراتية بسبب ضلوعها في عمليات تجسس
ومن تلك المساعي ما كشفت عنه صحيفة نيويورك تايمز، حول شراء السلطات الإماراتية تكنولوجيا إسرائيليّة لا يمكن اقتناؤها إلّا بموافقة الحكومة ممثّلة بوزير الدفاع الإسرائيلي، الأمر الذي يدعو للتساؤل حول الدّور المستقبلي، بل ربما الراهن، الذي تنوي الإمارات لعبه عبر بناء إمبراطوريّة التجسّس هذه في الخليج والمنطقة عمومًا!
اقرأ/ي أيضًا:
كيف تستقدم حكومة أبوظبي من يتجسس على مواطنيها؟
شركة NSO الإسرائيلية أمام القضاء.. ثمن التجسس لصالح الإمارات!