01-نوفمبر-2024
عادت القوات الإسرائيلية للمرة الرابعة إلى جباليا (AP)

(AP) عادت القوات الإسرائيلية للمرة الرابعة إلى جباليا

بعد أكثر من عام على العدوان الذي شنته على غزة، لا تزال إسرائيل تخوض معارك في أكثر المناطق المدمرة والمعزولة في القطاع. وفي شمال غزة، ينفذ مقاتلو حماس هجمات كرٍّ وفرٍّ من مبانٍ مدمرة.

يقول السكان إن القوات الإسرائيلية داهمت الملاجئ التي يلجأ إليها النازحون، مجبرةً الناس على الخروج تحت تهديد السلاح. ويؤكد العاملون في فرق الإنقاذ أنهم بالكاد يستطيعون العمل بسبب القصف الإسرائيلي. يبدو أن شمال غزة عالق في دائرة من الهجمات الإسرائيلية المدمرة يعقبها إعادة تنظيم مقاتلي حماس لأنفسهم، وفق ما تقول وكالة "أسوشيتد برس".

إذ تواصل القوات الإسرائيلية إصدار أوامر بالإخلاء الجماعي وتمنع المساعدات من الدخول على الرغم من الاستنكار العالمي، وتشن الغارات على المستشفيات. في مشروع بيت لاهيا، إحدى أولى المناطق التي استهدفها الاجتياح البري العام الماضي، أسفرت ضربتان جويتان هذا الأسبوع عن استشهاد ما لا يقل عن 88 فلسطينيًا، بينهم نساء وأطفال.

عادت القوات الإسرائيلية مرارًا إلى المناطق التي خاضت فيها معارك سابقًا لتواجه هجمات متجددة

ومع استمرار الحرب، تلجأ إسرائيل إلى إجراءات صارمة متزايدة. وهناك حديث متزايد عن اتباع سياسة "الاستسلام أو الجوع" التي يطلق عليها "خطة الجنرالات". بدأت إسرائيل هجومها الأخير على شمال غزة في أوائل الشهر الماضي، مستهدفةً منطقة جباليا، مدعية أن حماس أعادت تجميع صفوفها هناك.

وقد عادت القوات الإسرائيلية مرارًا إلى المناطق التي خاضت فيها معارك سابقًا لتواجه هجمات متجددة. فقد قُتل لها ما لا يقل عن 16 جنديًا في شمال غزة منذ بدء العملية الأخيرة، بينهم عقيد وهو أرفع ضابط إسرائيلي يقتل منذ بدء الحرب.

تشير "أسوشيتد برس" إلى أن إسرائيل لم تقدم خطة واضحة لغزة ما بعد الحرب، ورفضت دعوات الولايات المتحدة لعودة السلطة الفلسطينية إلى الحكم في غزة. فيما لا يزال رجال الأمن التابعون لحماس بملابس مدنية يحرسون معظم المناطق.

 يقول الضابط السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، مايكل ميلشتاين، الذي يدير الآن برنامجًا للدراسات الفلسطينية في جامعة تل أبيب: "إنها حرب لا نهاية لها". موضحًا أن أمام إسرائيل خيارين فقط لكسر هذه الدائرة: إما إعادة احتلال غزة بالكامل، وهذا يتطلب وجود آلاف الجنود بشكل دائم، أو التوصل إلى وقف لإطلاق النار مع حماس يتضمن إطلاق سراح المحتجزين مقابل الإفراج عن فلسطينيين في السجون الإسرائيلية وانسحاب كامل من غزة. ويضيف: "نحن في جباليا للمرة الرابعة، وربما في الشهر المقبل سنجد أنفسنا هناك للمرة الخامسة والسادسة".

عندما أمرت إسرائيل في بداية الحرب بإخلاء الشمال بما في ذلك مدينة غزة، نزح أكثر من مليون شخص ولم يُسمح لهم بالعودة. فيما بقي حوالي 400 ألف شخص، رغم أن إسرائيل طوقت المنطقة ودمرت البنية التحتية وأحياءً بأكملها. وفي الأسابيع الأخيرة، قالت الأمم المتحدة إن ما لا يقل عن 60 ألف فلسطيني نزحوا من جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون نحو مدينة غزة. أما من بقي فوجد نفسه عالقًا داخل المنازل، فيما الجثث تتعفن في الشوارع وفرق الإنقاذ غير قادرة على الوصول إليهم.

نازحون  من جباليا

تروي أمينة مصطفى لـ"أسوشيتد برس" أنها وأطفالها كانوا نائمين قبل الفجر في مدرسة مكتظة تحولت إلى مأوى في بيت لاهيا عندما أمرتهم الأسبوع الماضي طائرة إسرائيلية مسيّرة تحلق فوقهم بالإخلاء. ذكرت أمينة أن الرجال أُمروا بخلع ملابسهم وأُخذوا في شاحنات. أما النساء والأطفال فأجبروا على المشي نحو مستشفى قريب، حيث فتشهم الجنود الإسرائيليون قبل السماح لغالبيتهم بالنزوح إلى مدينة غزة. تقول أمينة: إنها أمضت ليلتين في العراء قبل الانتقال إلى مخيم جديد في ملعب كرة قدم. وأضافت: "لا يوجد طعام، ولا ماء، ولا بطانيات، ولا حفاضات، ولا حليب للأطفال. نحن هنا ننتظر رحمة الله".

شاركت القوات الإسرائيلية لقطات من طائرة مسيّرة تُظهر خروج آلاف الأشخاص سيرًا على الأقدام على طريق محفور بين الدبابات. وقالت إن حماس منعتهم من المغادرة قبل وصول قواتها، لكنها لم تقدم دليلًا على ادعاءاتها. وقد حذرت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في وقت سابق من هذا الشهر من أن إسرائيل تضع سكان شمال غزة بين خيارين هما الموت أو التهجير.

من جهة أخرى، ورغم التحذيرات الأميركية، فقد فرضت إسرائيل تقييدًا على دخول المساعدات إلى غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر، حيث سمحت بدخول نحو ثلث المساعدات الإنسانية فقط مقارنة بالشهر السابق. وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، علياء زكي، إن إسرائيل لم تسمح لوكالات الأمم المتحدة بتوصيل المساعدات إلى الشمال خارج مدينة غزة منذ بدء الهجوم الأخير.

من جهته، قال المتحدث باسم الهيئة العسكرية الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون المدنية في غزة، العقيد إلعاد غورين: "إن عدم دخول المساعدات في النصف الأول من الشهر يُعزى إلى إغلاق الأعياد اليهودية وتحركات القوات". وفي إحاطة له الأسبوع الماضي، قال إنه "لا توجد حاجة لتوصيل المساعدات في بيت حانون وبيت لاهيا لأن السكان لم يعودوا موجودين هناك". وكانت تلك الإحاطة قبل القصف الإسرائيلي الذي استهدف بيت لاهيا وأسفر عن سقوط عشرات الشهداء.

وفي خضم هذه التطورات على الأرض، تتساءل "أسوشيتد برس" ما إذا كانت إسرائيل تخطط لإفراغ الشمال. إذ يخشى الفلسطينيون أن تنفذ إسرائيل الخطة التي اقترحها جنرالات سابقون، والتي تتضمن قطع المساعدات عن الشمال، وإصدار أوامر للمدنيين بالمغادرة، واعتبار كل من يبقى هناك مقاتلًا. وتقول منظمات حقوقية إن هذه الخطة تنتهك القانون الدولي. ويرى ميلشتاين أن مجرد تفكير إسرائيل في هذه الخطة هو "ظاهرة ما بعد الصدمة" نابعة من اليأس. ويقول: "الكثير من العاملين في الجيش الإسرائيلي يعلمون أنها فكرة سيئة.. لكنهم يقولون: حسنًا، لا توجد خطة أخرى، فلنجربها".