02-يوليو-2016

من مشاهد مسلسل نبتدي منين الحكاية(فيسبوك)

مرًة جديدة، يطل علينا السيناريست فادي قوشقجي، وفي جعبته نص درامي يشبه إلى حد كبير، تلك النصوص التي بدأ الاشتغال عليها، منذ عشرة أعوام تقريبًا، مع المخرج حاتم علي، عندما كتب عمل "على طول الأيام"، وأخرجه الأخير، ما أحدث حينها نقلة جديدة في الدراما الاجتماعية السورية.

كما جرت العادة في أغلب أعمال قوشقجي للدراما السورية، وجد في الابتعاد عن المقتلة اليومية التي تحصل في أرياف سوريا قبل مدنها خير سند لأعماله

يدخل قوشقجي هذا العام، مستعينًا بأغنية عبد الحليم حافظ "نبتدي منين الحكاية"، عنوانًا لعمله الجديد، الذي كان نصيب إخراجه لصالح سيف الدين سبيعي. وهنا يمكن الظن أن الثنائي قررا إعادة تجربة العمل الذي اختار عنوان أغنية الراحل فؤاد غازي "تعب المشوار"، اسمًا له منذ أربع أعوام تقريبًا، لكن بصيغة مختلفة.

اقرأ/ي أيضًا: "القيصر".. هوليوود ليست القاهرة

وكما جرت العادة في أغلب الأعمال التي كتبها قوشقجي للدراما السورية، وجد في الابتعاد عن المقتلة اليومية التي تحصل في أرياف سوريا قبل مدنها خير سند لأعماله، مستمدًا فكرة عمله من طبقة محددة في المجتمع، مبتعدًا عن الأهوال التي تصيب البلاد والعباد، علاقة حب شائكة تعيشها إحدى أسر المجتمع المخملي، أقصد النخبة المثقفة، الأحب إلى قلب صاحب "ليس سرابًا".

طبعًا، لن ندخل في تفاصيل النص الدرامي، كون المسلسل شارف على لفظ أنفاس حلقاته الأخيرة، هذا أولًا. أما ثانيًا، فالعمل مكتوب كما لو أنه لسلسلة أراد قوشقجي العمل عليها، كقصص الحب السابقة، التي طرحها للمتفرج على رقعة واسعة من خارطة الوطن العربي، ونالت قبولًا كبيرًا.

الملاحظ بحسب محرك البحث "Google"، أن قوشقجي اشتغل منذ عام 2011 وحتى هذا العام على كتابة أربعة مسلسلات، بينما كان نصيب سبيعي 12 مسلسلًا، تم توزيعهم مناصفة بين الإخراج والتمثيل، واللافت في مسيرة هذا الأخير الإخراجية، أنه اشتغل على الجزء الثالث من "الولادة من الخاصرة"، المسلسل الذي نال نقدًا لاذعًا من مؤيدي النظام السوري.

الواضح من الحلقات التي سنحت الفرصة لمشاهدتها، أن سبيعي أسرف كثيرًا في اللقطات القادمة من وسط دمشق، أو الشام، الكلمة التي يحب أن يتغنى بها عشاقها المليئين بالنوستالجيا الزائفة، كان يكفي أن يطلب من المصور رفع عدسة الكاميرا قليلًا، ليوثق الدخان المتصاعد من الغوطة الشرقية، أو أي زاوية يختارها، طالما أن الدخان يشكل حلقة دائرية تحاصر العاصمة السورية.

وكما معظم أعمال قوشقجي، غاب عن النص صورة العشوائيات الدمشقية، لتظهر بدلًا عنها، طبقة محددة، وللصراحة هي تعيش على هامش المجتمع الدمشقي، أي أنها غير مرئية، بالإضافة لاتسام شخصيات المسلسل بالتحرر المجتمعي، وتبني أفكار الحرية الشخصية، وما شابهها من أفكار.

لذا نجد أن صناع العمل اختاروا تصوير الجانب الآخر من دمشق، المنازل الباذخة التي تسكنها النخبة المثقفة، محال الهدايا، والمناطق التي يتحصن فيها علمانيو النظام، المقاهي والمطاعم والبارات، أماكن مختلفة يحاول سبيعي إظهارها، من دون أي سبب واضح، لبلد شرد نسبة كبيرة من أبنائه، وأصبحت نسبة أكبر من الأولى بين قتيل ومعتقل.

كما معظم أعمال قوشقجي، غاب عن النص صورة العشوائيات الدمشقية، لتظهر بدلًا عنها، طبقة محددة، وللصراحة هي تعيش على هامش المجتمع الدمشقي

اقرأ/ي أيضًا: "وردة وكتاب".. حتى الدراما تغدر بالثورة!

ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في السنوات الخمس السابقة، أن المخرجين سيف الدين سبيعي، الليث حجو، والمثنى صبح، بعد أن تتلمذوا على يد حاتم علي، أضحوا يعملون داخل دمشق، وبموافقة مباشرة من الأفرع الأمنية. هكذا حال الدراما السورية الجديدة منذ نشأتها، دائمًا تحتاج إلى موافقات أمنية، وحذف وإضافات على النصوص المقرر تصويرها في دمشق، على عكس علي الذي قرر التغريد خارج سرب الجوقة الإخراجية التي تستخدم دمشق مسرحًا لأعمالها.

كذلك، شكل المسلسل بشكل عام، فرصة للجيل الجديد من طلاب "المعهد العالي للفنون المسرحية"، وجيل آخر من الفنانين كان يعيش على الهامش، قبل أن يجد نفسه محاصرًا بأكثر من عمل درامي، وأكثر من خيار متاح للنجومية، في الوقت الذي أصبحت معظم الوجوه المعروفة دراميًا، تعيش مع الشتات السوري، العنوان الأبرز للانهيار الإنساني في القرن الحادي والعشرين، وهو ما يبرر الأداء التمثيلي الرديء لمعظم الأسماء المشاركة في العمل.

يبتعد قوشقجي عن الاقتراب من الحالة السورية، مقررًا التلميح إليها في حوارات العمل، صور زياد الرحباني، ومسرحياته على أشرطة الكاسيت، تبرز بشكل واضح في مشاهد متنوعة من العمل، محاولًا أن يقدم سرديات، من دون أن يعلم أنها باتت مكررة، بشكل خاطئ، مثل تكرار إبراز الرحباني الابن في الأعمال الدرامية حديثة الصنع.

المشكلة الحقيقية مع فادي قوشقجي، هي أنه يصر على الاستمرار في استنساخ نماذج متشابهة لكافة أعماله الدرامية التي كتبها، متجاهلًا أن ما قبل عام 2011 يختلف عما بعده، يريد أن يستمر في تجربته الدرامية، مبتعدًا عن المشاكل الحقيقية التي يعيشها المجتمع المدني عمومًا، الصراع مع الذات، الأمراض النفسية التي أصابت القاطنين في الشتات، نحن تغيرنا، وصار عندنا مفاهيم مختلفة عن الموت والحب والبغض والأحلام وحتى "الشام" نفسها.

يتجاهل فادي قوشقجي أن هناك قصصًا أصبحت، حتى عند هذه الطبقة التي اختار الكتابة عنها من بين آلاف الطبقات، أهم وأكثر من علاقة الرجل النخبوي الذي يعرف أنه مصاب بمرض السرطان، فيقرر استرجاع قصة حب عاشها قبل 15 عامًا. أو لنكن أكثر واقعية، كان عليه الذهاب أكثر إلى العشوائيات، ليعرف أن الموت لم يعد مقلقًا، وأن العلاقات، ليس العاطفية فقط، بل والأسرية أيضًا، لم تعد تمثل سببًا كافيًا لكتابة خماسية درامية، لا دراما اجتماعية من 30 حلقة.

اقرأ/ي أيضًا:

الدّراما اللبنانية...قفزة نوعية في رمضان

برنامج "قمرة": تجربة في الميزان