16-يونيو-2019

آثار اعتداء على جسد عاملة مغربية في حقول الفراولة الإسبانية (Marcos Moreno)

لا يزال ملف المغربيات العاملات الموسميات في الضيعات الإسبانية، يُثقل كاهل الحكومتين الإسبانية والمغربية، فالقضية كبيرة وتمس عرض المئات من النساء اللواتي اخترن اللجوء إلى القضاء الإسباني وتقديم شكايات بمُلاك ضيعات الفراولة بمنطقة "هويلفا" الإسبانية، يتهمونهم بالاعتداء الجنسي والاتجار في البشر وارتكاب جرائم ضد الإنسانية، باعتبارهن عاملات ونساء قرويات يعلن أطفالًا قصر، ويعشن وضعية هشة في إسبانيا.

نساء الفراولة وهن مغربيات يذهبن للعمل الموسمي في جني الفراولة من الحقول الإسبانية، قلن إنهن يتعرضن لانتهاكات جنسية وسوء معاملة

تعمل النساء المغربيات في جني الفراولة بمتوسط 400 درهم لليوم الواحد أي 41 دولارًا، بهدف إعالة أسرهن. ويتم اختيارهن بعناية من طرف الحكومتين المغربية والإسبانية، وذلك لتجنب بقائهن في إسبانيا بعد انتهاء موسم الجني، ومن بين الشروط اللازمة للقبول، أن تكون المرأة أرملة أو مطلقة، وأن يتراوح عمرها ما بين 18 و45 عامًا، وأن تنحدر من منطقة قروية.

اقرأ/ي أيضًا: المرأة في ريف المغرب.. طبقات القهر المركب

نساء الفراولة

"نساء الفراولة"، مغربيات اخترن الهجرة إلى إسبانيا بحثًا عن لقمة العيش بالعمل الموسمي في حقول الفراولة جنوب بلاد الأندلس، وفق عقود يتم توقيعها بين الحكومتين المغربية والإسبانية لاستقطاب اليد العاملة من المغرب بشكل موسمي، وفقًا لشروط وضوابط يتم الاتفاق عليها بين الطرفين.

في سنة 2018، أعلنت الحكومة المغربية تشغيل 17 ألف امرأة في حقول الفراولة الإسبانية، في أكبر عملية لتشغيل المغاربة بالخارج. هذا الرقم المتفائل، تحول إلى كابوس بعدما خرجت هؤلاء النسوة في مقاطع فيديو بثت على يوتوب، يتحدثن عن وضعٍ مزرٍ يعشن فيه.

انتفضت النساء المغربيات في حقول الفراولة ضد المُشغّل والمجتمع المغربي الذي كان يفرض عليهن الصمت خوفًا من "الفضيحة"، وقررن الحديث بوجوه غير مكشوفة عن واقع مستور بين وريقات التوت والفراولة، وذلك في تقرير نشرته لأول مرة جريدة "إلباييس" الإسبانية، يتحدث عن الإقامة الجبرية التي فرضت على هؤلاء النساء ثمنًا لعدم صمتهن.

وأظهر التقرير مخاوف المشتكيات من العودة إلى المغرب بسبب توعدات العائلة، وأيضًا لأن عدد منهن يحملن أطفالًا ولد نتيجة اعتداءات جنسية، ولا يحملون أوراق هوية تثبت نسبهم.

فتح تحقيق وحفظه

وفي 2018 أمَرَ كبير قضاة التحقيق في المحكمة الوطنية الإسبانية، بالبحث في ادعاءات ارتكاب جرائم جنسية وإساءة معاملة، تضمنتها شكايات 10 عاملات مغربيات، بالإضافة إلى تنفيذ إجراءات تمهيدية لما قبل المحاكمة. كما طلب من الحرس المدني الإسباني وباقي المحاكم المحلية بهويلفا، تزويده بكل المعلومات حول القضية لتعميق البحث فيها. وبعد ذلك حفظت القضية!

قرر القضاء الإسباني حفظ القضية بسبب "افتقارها للتفاصيل الكاملة"، وجاء في تحقيقاته أن "الأبحاث والتحقيقات المنجزة، بعد قبول الشكاية، كشفت غياب أدلة أو مؤشرات تثبت ارتكاب الجريمة".

حفظ القضية جاء بعد طلب تقدم به دفاع المُشّغل الإسباني، زاعمًا أن الشكاية "لا مصداقية لها ولا تستند على أدلة"، وأن الأمر "في الجوهر يتعلق بمناورة من أجل تجنب طردهن من إسبانيا بعد انتهاء مدة صلاحية جواز سفرهن التي لا تتجاوز ستة شهور.

نساء الفراولة في إسبانيا

ومطلع الأسبوع الماضي، قرر القضاء الإسباني إعادة فتح قضية النساء المغربيات في حقول الفراولة، استجابة لطعن تقدمن به، بعدما كان قد حفظ القضية السابقة، ووجه مراسلة إلى المشتكيات وأرباب عملهن يقول فيها إن التحقيق لم يكتمل بعد.

ثورة العاملات

تتعدد الوجوه والحكاية واحدة: نساء مغربيات مستضعفات قادتهن الحاجة إلى إسبانيا للعمل في حقول "الذهب الأحمر"، بشكل موسمي ولمدة خمسة أشهر في السنة. يعملن في جني التوت والفراولة من عشرات الضيعات، مقابل أجرة مادية مستحسنة لهن ومناسبة للمشغل الإسباني الذي يعتبر اليد العاملة المغربية أقل كلفة من باقي الجنسيات الأوروبية.

نقلت العاملات المغربيات عبر الفيديو الذي نشرته جريدة "إلباييس" معانتهن داخل الحقول الإسبانية، ففي الوقت الذي كن ينتظرن فيه الاستفادة من فرصة العمل في بلد أوروبي، وجدن أنفسهن تحت وطأة مشغل مستغل، وفرض عليهن الصمت أمام كل أشكال التحرش والاستغلال الجنسي المفضي في بعض المرات إلى الحمل.

 

نساء الفراولة في إسبانيا

ووصف "إلباييس" الحالة الجسدية للنساء اللواتي تحدثن للصحيفة بوجه غير مكشوف، فقد ظهرت عليهن طفوح جلدية بسبب قلة النظافة، وعدم توفرهن على إمكانية الاستحمام بالماء الساخن، ما عرضهن لأمراض جلدية، بسبب قضائهن لساعات طويلة في العمل تحت درجة حرارة عالية.

أصابع ملائكية

يختار الإسبان العاملات المغربيات لأنهن يقبلن بأجرة لا تقبلها العاملات القادمات من أوروبا الشرقية. ويُشترط في النساء المرشحات أن تكون أيديهن خشنة بما يناسب العمل الموسمي في جني الفراولة، إشارة للخبرة السابقة في العمل الزراعي.

أيضًا، تشترط الحكومة الإسبانية، باعتبارها وسيط بين رب العمل والعاملات في الضيعات، أن يكن منحدرات من أوساط قروية مهمشة، وأن يكن غير متزوجات وأمهات لأطفال، لضمان رجوعهن من إسبانيا بعد انتهاء العقود المؤقتة للعمل، وتقليص فرصة الهرب من الضيعة ثم البقاء في إسبانيا بطريقة غير قانونية.

ولا تتوقف الانتهاكات بحق صاحبات "الأصابع الملائكية" عند هذا الحد، فعند وصولهن مباشرة إلى الأراضي الإسبانية تصادر جوازات سفرهن، ما يجعلهن مسلوبات الإرادة ومحرومات من الحق في حرية التنقل، في ظل عدم تمكنهن من وثائقهن التي تظل محتجزة عند المشغلين.

نساء الفراولة في إسبانيا

من جانبه، اعتبر البرلمان المغربي في جلسة بغرفة المستشارين، حضرها وزير التشغيل محمد يتيم؛ أن عملية تشغيل مغربيات في الحقول الإسبانية "لا منفعة اقتصادية له، ولا دعم فيه لفلاحة تنافس الفلاحة المغربية في السوق الأوربية"، كما اعتبره أمرًا "ينتهك كرامة المغربيات"، حيث يتم تشغيلهن بأقل من الحد الأدنى للأجور المحدد في إسبانيا.

الهروب

من جهتهم قال أرباب العمل في الضيعات الإسبانية، إن حوالي ثلاثة آلاف عاملة مغربية غادرن الضيعات وقررن الهجرة بطريقة غير قانونية بدل العودة للمغرب، وفق ما ينص عليه العقد الموقع بين الطرفين.

ملاك الضيعات حمّلوا المسؤولية للحكومة المغربية في "انتقاء العاملات"، قائلين إن عملية انتقائهن شابتها اختلالات أدت إلى التعاقد مع نساء همهن ليس العمل في الحقول، وإنما الهجرة، لذلك سهل على بعض المنافسين الأوروبيين في القطاع نفسه توظيفهن لتشويه سمعة الفراولة الإسبانية، كما قالوا.

فتح القضاء الإسباني التحقيق في شكاية المغربيات العاملات في حقول الفراولة الإسبانية ثم أغلقه لـ"قلة الأدلة"، قبل أن يفتحه مجددًا هذا العام

ليرد محمد يتيم وزير الشغل والتأهيل المهني في المغرب، برمي الكرة في ملعب الحكومة الإسبانية، قائلًا إن المغرب لا يزال ينتظر انتهاء التحقيق الإسباني بخصوص الشكايات المقدمة للقضاء، مؤكدًا أنه رغم هذه المطبات إلا أن هناك طلب متزايد من قبل السلطات والمشغلين الإسبان على اليد العاملة المغربية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

العنف ضد المرأة.. أكثر من نصف نساء المغرب معنّفات!

بعد قانون "العنف ضد المرأة".. هل تسلم المغربيات من التحرش؟