قدّم ريال مدريد مستوى كارثيًا قبل أسبوع أمام غريمه التقليدي برشلونة في لقاء الكلاسيكو، أداءٌ كان كالصاعقة على الفريق المتصدر حتى الآن في بطولة الدوري الإسباني بفارق 9 نقاط عن ملاحقه إشبيلية، و12 نقطة عن برشلونة ولكن بعدد مباريات أكثر منه بواحدة.
كارثية اللقاء لم تكن فقط بسبب الخسارة الكبيرة التي تلقاها الفريق (4-0) على أرضه وأمام جماهيره، وإنما لانكشاف نقاط خلل كثيرة بشكل واضح حول أداء الفريق، وجودة بعض لاعبيه ولمسات المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي معه.
ومع الاحتمال الكبير لانتقال مهاجم باريس سان جيرمان الفرنسي كليان مبابي إلى الريال، عند نهاية عقده مع الفريق الباريسي الصيف القادم، خاصة مع الرفض المستمر لإغراءات إدارة ناديه للبقاء، وتصريحاته التي لم يخفها يوما عن حلمه باللعب للميرنغي، وبعد مباراة الكلاسيكو المخيبة، هل يكفي قدوم مبابي إلى "لوس بلانكوس" لإعادة بريقه الأوروبي، ومنافسة خصم محلي يبدو أنه في طريقه الصحيح لاستعادة كبريائه مع مدربه الجديد ونجمه السابق تشافي هيرنانديز؟
كارلو أنشيلوتي
خرج المدرب الإيطالي إلى الصحافة بعد نهاية الكلاسيكو متحملًا نتيجة الخسارة، ومعتذرًا إلى جماهير الملكي، حيث قال: "لم يكن من الممكن التعرف علينا، كل شيء حدث بشكل خاطئ، أخبرت اللاعبين أن الهزيمة كانت خطئي"
بكل تأكيد لا يتحمل أنشيلوتي وحده نتيجة المباراة فأسباب الخسارة متعددة، ولكن أيضًا هو أحد أهم هذه الأسباب، خاصة أن الفريق ورغم تصدره "الليغا" ظهر بشكل ضعيف عدة مرات في الدوري وفي بطولة دوري الأبطال، وحتى في لقاءيه مع باريس سان جيرمان ذهابًا وإيابًا لم يتفوق الريال سوى في شوط واحد فقط من أصل 4 أشواط؛ كان ذلك كفيلًا بعبوره إلى دور الثمانية من البطولة.
قد يقول البعض إنه لا يجب القسوة على كارلو سيما أن "الميرنغي" لا يزال في وضع جيّد بالدوري الإسباني وينافس أيضا في "التشامبيونزليغ" وأن ما يقدمه هذا الموسم أفضل بكثير مما كان يقدمه الموسم الماضي، وهذا صحيح نظريًا، ولكن ألا يمكن اعتبار المستوى الاستثنائي الذي يقدّمه نجمه الفرنسي كريم بنزيمة حاليًا، والتطور الكبير في أداء وفاعلية مهاجمه البرازيلي فينيسيوس جونيور ـدون إغفال دور المدرب في تطوره- وضعف خصومه المحليين هذا الموسم أتلتيكو مدريد وبرشلونة (قبل قدوم تشافي) ألا يمكن اعتبار أن هذه الأسباب -على الأقل محليا- لها دور في صدارة مدريد حتى الآن؟
لم تُقِل إدارة "الملكي" أنشيلوتي -الذي يمتد عقده حتى منتصف 2023- بعد الخسارة القاسية، وهذا أمر مفهوم، رغم أنها سبق وأقالت المدرب الإسباني رافاييل بينيتيز عام 2016 بعد خسارة الكلاسيكو أيضا على ملعب سانتياغو بيرنابيو وبنتيجة مماثلة (4-0)، ولكن دون شك سيكون خيار الإقالة واردًا جدًا في حال حدوث مفاجأة كبرى بخسارة الريال للقلب "الليغا"، وهو أمر صعب نظرًا للفارق المريح بينه وبين أقرب منافسيه حاليًا، ولكنه أيضا غير مستبعد بالمطلق كما عودتنا كرة القدم.
نقاط ضعف ريال مدريد لا تقتصر على خط الهجوم، خطا الوسط والدفاع يعانيان عدة مشاكل أيضًا، ولعل مباراة الكلاسيكو كشفت هذا الأمر بوضوح
ومع التشكيك بكفاءة المدرب الإيطالي، بدأت تظهر مطالبات بتولي أسطورة الريال السابق راؤول غونزاليز (مدرب فريق الكاستيا) حاليا تدريب الفريق بدلا من أنشيلوتي، فتحت عنوان "حان وقت راؤول في ريال مدريد" قالت صحيفة ماركا الإسبانية: " لديه شخصية وموهبة القيادة، يدير غرفة الملابس جيدًا ويعرف ريال مدريد جيدًا" وأضافت: "شكرًا كارلو ، لكن مستقبل ريال مدريد مرتبط براؤول".
الصحيفة استندت على عوامل كثيرة وهي في الحقيقة مهمة جدًا، ولكنها أغفلت أهمها وهي تجربة راؤول في التدريب، فالنجم الإسباني لم يسبق أن درّب أحد أندية الدرجة الأولى في الدوريات الأوروبية، وهو ما حدث سابقا مع زين الدين زيدان في تجربته الأولى مع الريال ونجح فيه، وهو ما يحدث لتشافي مع برشلونة وينجح فيه أيضا حتى الآن، ولكن ليس بالضرورة أن يكون ذلك خيارًا صائبًا دائمًا، فطرح الأمر يبدو أنه يغلّب العوامل العاطفية على الفنية، وفيه مغامرة، خاصة مع الإشارة لخيارات ربما تكون متاحة حاليًا وأكثر نجاعة، والحديث هنا عن مدرب تشيلسي الألماني توماس توخيل، مع ما يعيشه ناديه من أزمة اقتصادية بسبب العقوبات على مالكه الروسي أبراموفيتش.
رغم أن طرح اسم راؤول كبديل لأنشيلوتي فيه مغامرة بكل تأكيد، ولكن في حال انعدام الخيارات البديلة -أسماء كبيرة حصرًا- فالمغامرة مع نجم الريال السابق أفضل من الاستمرار مع كارلو، فالمدرب الإيطالي لم يعد أنشيلوتي ميلان 2007، وأن يندم "الملكي" على قرار اتخذه أفضل من أين يندم على قرار لم يتخذه.
نقاط ضعف الفريق
يشكّل كريم بنزيمة وفينيسيوس جونيور ثنائيًا ذهبيًا هذا الموسم، ويعدان من أفضل الثنائيات على مستوى الدوريات الخمس الكبرى في أوروبا، إن لم يكونا الأفضل، فالثنائي الفرنسي-البرازيلي سجلا وحدهما 36 هدفًا في "الليغا" فقط حتى الآن، من أصل 59 هدفا سجلها الفريق، ومع القدوم المنتظر لمبابي، لكم أن تتخيلوا الحالة التي سيكون عليها هجوم "لوس بلانكوس" الموسم القادم.
ولكن بالمقابل ومع توهّج بنزيمة وجونيور والأداء الجيّد للبرازيلي الآخر رودريغو، والمتقلب للإسباني أسينسيو، يعيش باقي مهاجمي الفريق (إيدن هازارد، غارث بيل، ماريانو دياز، ولوكا يوفيتش) أسوأ فتراتهم مع الريال على الإطلاق، فخيبة الأمل مستمرة بالبلجيكي هازارد الذي كان يُنتظر منه تعويض رحيل البرتغالي كريستيانو رونالدو، والتذمر من الويلزي بيل يزداد خاصة مع التباين الكبير بين مستواه مع منتخبه وناديه، رغم انتهاء عقده مع الريال الصيف المقبل.
أمّا الصربي لوكا يوفيتش فقد لعب 1487 دقيقة فقط في 49 مباراة، وسجل ثلاثة أهداف فقط وصنع أربع تمريرات حاسمة منذ انضمامه إلى ريال مدريد في 2019! بحسب صحيفة ماركا، ويمتد عقده حتى منتصف 2023، ولا يختلف الأمر كثيرا مع الدومينيكاني ماريانو دياز الذي ينتهي عقده هو كذلك في العام نفسه، فهل يسعى الريال للاستفادة من بيعهما حال تلقيهما عروضًا من أندية أخرى، أم يصبر عليهما موسمًا جديدًا بلا فائدة؟
نقاط ضعف الفريق لا تقتصر على خط الهجوم، خطا الوسط والدفاع يعانيان عدة مشاكل أيضًا، ولعل مباراة الكلاسيكو كشفت هذا الأمر بوضوح، مع الأداء الكارثي للمدافعين الإسبانيين داني كارفاخال، الذي تأثرا كثيرا بإصاباته، ولم يعد أحد أفضل الأظهرة في العالم كما كان، وقلب الدفاع (متعدد المراكز) ناتشو.
ومع جميع ما ذُكر إضافة للإصابات المتكررة للظهير الأيسر الفرنسي فيرلاند ميندي، واقتراب نهاية عصر نجمي خط الوسط مودريتش وتوني كروس، وخاصة الكرواتي صاحب الـ 37 عاما، بات ضروريًا وملحًا أن ينهي رئيس النادي فلورنتينو بيريز سياسة التقشف في استقطاب النجوم التي يتبعها منذ عدة سنوات.