25-فبراير-2019

عرض الفيلم طريقة خداع السيسي لإدارة الرئيس مرسي (يوتيوب)

الترا صوت - فريق التحرير

رئيس منتخب يصر على احترام إرادة الشعب، ومعارضة لم تتوقع المستقبل القاتم قبل أن يتم التنكيل بأغلب قياداتها، ومجتمع دولي يسعى لرأب الصدع. الجميع بلا استثناء وقع ضحية خطة أعدها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، استخدم فيها كل الممكن حتى في إقناع المستشارين والوزراء المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، بتأييده للمشروع الإسلامي ودعمه للرئيس محمد مرسي. فشل الجميع ونجح العسكر في خطتهم.

رغم أن تتابع الأحداث، والآراء الغربية والتطورات على الأرض، كانت تشير إلى أمر ما يلوح في الأفق، وانقلاب أصبح وشيكًا، لكن مرسي وسلطته لم يتحركا لدفع ذلك

12 يومًا، منذ 23 حزيران/يونيو إلي 4 تموز/يوليو 2013، يرصدها وثائقي لقناة الجزيرة بث يوم الأحد، ينقل أبرز ما حدث خلال "الساعات الأخيرة" من حكم الرئيس الأسبق محمد مرسي، وفقًا لمعايشة نقلها خالد القزاز سكرتير الرئيس المصري الأسبق للشؤون الخارجية، وهو الوحيد المتواجد خارج السجن، من ضمن 9 أشخاص من طاقم الرئاسة الذي استمر مع مرسي قبل نقله يوم الجمعة 4 تموز/يوليو 2013 إلى مكان مجهول.

اقرأ/ي أيضًا: السيسي يستكمل اغتيال 25 يناير.. كل ما تبقى تحت طائلة التنكيل

ينقل الفيلم روايات وشهادات حية من عدد آخر من الشخصيات من بينهم خالد العطية وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع، وزير خارجية قطر وقت أحداث الوثائقي، وكذلك الوزيران السابقان في حكومة مرسي عمرو دراج ويحيى حامد، إضافة إلى أندرو ميلر عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي السابق.

الانقلاب قادم

يبين وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري خالد العطية خلال الوثائقي أنه التقى مرسي يوم 12 حزيران/يونيو 2013، وكان لدى الرئيس المصري الأسبق قلق دائم من وصول الأمور إلى صدام حتمي بين الجمهور والجيش. وأبدى مرسي شكواه آنذاك من تدخل أطراف في المنطقة، لم يذكرها العطية، في الشأن الداخلي المصري، وصلت إلى حد ذكره لدولة من دول الخليج، لم يصرح عنها الوزير القطري أيضًا، سعت لإرسال أسلحة مضادة للطائرات محمولة على الكتف إلى سيناء، وكذلك أموال نقدية، غير أن مرسي أكد استطاعته التفاهم مع تلك الدولة.

يرصد الفيلم كيف كان تتابع الأحداث، والآراء الغربية والتطورات على الأرض، يشير إلى أمر ما يلوح في الأفق، وانقلاب أصبح وشيكًا، لكن مرسي وسلطته لم يتحركا لدفع ذلك. حتى عندما قرر تقديم مبادرة لقوى المعارضة، ضمن خطابه الشهير في 26 حزيران/يونيو 2016، وهو الخطاب الذي استمر لأكثر من ساعتين ونصف الساعة، فقد اختفت المبادرة، التي وعد الرئيس المصري السابق من خلالها بتشكيل لجنة لدراسة تعديل مواد دستور 2012، وسط حديث طويل للغاية يمتزج بذكريات شخصية، وإدراج شخصيات ومواطنين وقضاة.

كانت التوقعات بالانقلاب الوشيك تتصاعد في واشنطن، وفقُا لشهادة أندرو ميلر عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي السابق. ومنذ 25 حزيران/يونيو 2013، أصبح مسؤولون كبار في الولايات المتحدة على دراية باحتمال وقوع انقلاب عسكري على مرسي. ويشير ميلر للتقارير السابقة التي كانت ترسلها السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون، موضحًا أنها "التقت السيسي عدة مرات في الأشهر التي سبقت الأحداث، وورد ضمن تقاريرها أنه "أصبح لديها انطباع عن تغير ما في سلوك السيسي، وفي الرسائل التي كان يقدمها، وخلصت إلى أن هناك احتمالًا بتحرك الجيش للإطاحة بمرسي".

وفقًا لشهادات الضيوف، فقد حاولت الولايات المتحدة حل الأزمة عدة مرات، وتوجيه نظر مرسي إلى ضرورة اتخاذ خطوات جدية من شأنها طمأنة المعارضة، ما دفع الرئيس الأمريكي لإجراء اتصالين في تلك الفترة مع مرسي، كان آخرها 1 تموز/يوليو 2013، اليوم التالي لمظاهرات 30 يونيو، طالبه خلالهما بتقديم بعض التنازلات، لإنهاء قلق المعارضة، ولم يكن لدى مرسي توقع كامل لمعنى التنازلات التي يقصدها أوباما في الاتصالات.

 فسرت السفيرة الأمريكية تلك التنازلات لاحقًا خلال لقاء جمعها بعصام الحداد مساء يوم الأول من تموز/يوليو 2013، داخل مبنى السكرتارية في الحرس الجمهوري، وحضره خالد القزاز، بـ"طلب تعديل وزاري مقبول" في الاتصال الأول، لكنها قالت إن تفسير التنازلات في الاتصال الثاني كان "ذهاب مرسي لانتخابات رئاسية مبكرة"، وأضاف القزاز أن باترسون قال إن "الجمهور المطلوب هو عبدالفتاح السيسي"

 خديعة العسكر

تشير الشهادات إلى القدرة التي حظي بها السيسي على خداع مرسي ومستشاريه، ويتذكر خالد القزاز سكرتير محمد مرسي للشؤون الخارجية، حديثًا جمعه بالسيسي في حفل عشاء في وقت سابق للانقلاب، حيث قال له الرئيس المصري الحالي: "يا خالد إحنا محتاجين نحافظ على الراجل ده (في إشارة لمرسي)، إحنا محتاجين نحافظ على المشروع الإسلامي".

في  عشاء قبل الانقلاب، قال السيسي لخالد القزاز: "يا خالد إحنا محتاجين نحافظ على الراجل ده (في إشارة لمرسي)، إحنا محتاجين نحافظ على المشروع الإسلامي"

خداع تلو الآخر استمر لشهور، وبشكل متواصل حتى صباح يوم 2 تموز/يوليو، أي قبل إعلان بيان عزل مرسي بيوم واحد. وهو خداع تضمن وفقًا لشهادات ضيوف الفيلم، قيادات أخرى في المجلس العسكري كان من بينهم اللواء محمد العصار، عضو المجلس العسكري وقتها ووزير الإنتاج الحربي حاليًا، قبل أيام من 30 يونيو. ويقول عمرو دراج وزير التخطيط والتعاون المصري السابق، إنه اجتمع مع العصار في لقاء ودار بينهما حديث ثنائي أكد خلاله الأخير رفض الجيش العودة لإدارة البلاد من جديد، وقال وفقًا لشهادة دراج: "إحنا فقدنا عقلنا إننا نرجع تاني للسلطة... إحنا اتبهدلنا"، في إشارة لفترة حكم المجلس العسكري عقب عزل مبارك في 2011.

تلك الثقة التي منحها نظام الإخوان المسلمين لوزير الدفاع، أكدها الدكتور عمرو دراج من جديد في حديثه حول خطاب مرسي الشهير في 26 حزيران/يونيو 2013، والذي قال فيه جملته الشهيرة "عندنا رجالة من ذهب". ويشير دراج إلى أن مرسي كان يظن أن بعض رجال المؤسسة العسكرية يتآمر عليه، ولكنه لم يكن يظن أن السيسي منهم.

 وخلال أحداث الوثائقي، يظهر أيضًا انخداع الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، حزب الحرية والعدالة، وترحيبه ببيان مهلة الأسبوع الذي أعلنه الجيش ليلة 24 حزيران/يونيو 2013، حيث أصدر الحزب بيان تأييد للجيش، لأنه فهم الخطوة على أنها دعم للشرعية مقابل القوى المعارضة، وهو نفس البيان الذي أعطي انطباعًا لأطراف خارجية بقرب الانقلاب على مرسي.

الباشا لازم يمشي

كان توالي الأحداث والمواقف تمهيدًا للانقضاض على السلطة، واستمر السيسي يستمع ويصمت أو يعلن ولاءه حتى قبل يوم واحد من إعلان عزل مرسي. يذكر خالد القزاز أن لقاءات عدة جمعت السيسي بمرسي، كان أبرزها في الأول من حزيران/يونيو2013. خلال الاجتماع فوجئ الجميع بإصدار المجلس العسكري بيان مهلة 48 ساعة للجميع، ويؤكد القزاز أن مرسي عنف السيسي، ويعتقد أندرو ميلر عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي السابق، أنه عقب صدور بيان مهلة 48 ساعة، أصبح الرأي السائد في أروقة الحكومة الأمريكية أنه قد فات الأوان، وأن مرسي إن لم يستبق الأحداث ويقدم استقالته فإن الجيش سيطيح به من منصبه.

وفي 2 تموز/يوليو، حضر السيسي اجتماعًا آخر مع مرسي، وحضر اللقاء هشام قنديل رئيس الوزراء وقدم العرض النهائي للجيش، ويدور الاتفاق المقدم من مرسي، حول إقالة قنديل وتعيين آخر بالاتفاق مع المعارضة و الجيش، والإقدام على تعديلات دستورية ترضي الجميع، وتعديل وزاري كبير. وانتهى اللقاء وسأل مرسي السيسي "هو الاتفاق اللي اتفقنا عليه"، فكان رد السيسي "هو ده الاتفاق وزيادة"، لكن المفاجأة كانت مساء اليوم نفسه، حيث أجرى اللواء محمد العصار مساعد وزير الدفاع حينها، اتصالًا بالدكتور عصام الحداد قال له فيه، إن "وزير الدفاع يبلغكم الاتفاق لاغي والباشا لازم يمشي".

اقرأ/ي أيضًا: النفاق الأمريكي في الشرق الأوسط.. من انقلاب السيسي إلى احتجاجات إيران

وبالرغم من تلك الصيغة الصريحة، لم يعلن مرسي أن هناك انقلابًا يحدث، واستمر في التحرك ببطء، حتى عندما عرض خالد العطية صباح يوم 3 تموز/يوليو 2013، آخر المبادرات وكانت من الجانب الأمريكي ونقلها الوزير القطري، وفقًا لشهادته في الفيلم، من وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جون كيري إلى عصام الحداد مستشار الشؤون الخارجية للرئيس مرسي، وكانت تدور ملامحها حول تعديل في الدستور وانتخابات مبكرة وصلاحيات محدودة لمحمد مرسي، فإن الأخير وفقًا لشهادة القزاز، رفض أن يكون وجهة لدولة يديرها الجيش من الخلف.عقب ذلك، أجرى عصام الحداد اتصالًا بالسفيرة الأمريكية في القاهرة لإبلاغها برد مرسي على المبادرة، ولكنها استوقفته قائلة إن "الوقت قد تأخر كثيرًا"، السيسي يجتمع بممثلين للقوى الوطنية.

منذ 25 حزيران/يونيو 2013، أصبح مسؤولون كبار في الولايات المتحدة على دراية باحتمال وقوع انقلاب عسكري على الرئيس المصري السابق محمد مرسي

استعرض الفيلم أيضًا أهمية دور البرادعي ومدى تأثر بعض الدوائر الأمريكية بوجوده على رأس مشهد المعارضة، وخاصة وزير الخارجية وقتها جون كيري. كما أشار أندرو ميلر عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي السابق، إلى أن عصام الحداد كان يدرك خطورة الموقف قبل مرسي ونقل قلقه في عدد من المكالمات مع أطراف أمريكية، فيما أكد لمستشارة الأمن القومي الأمريكية وقتها سوزن رايس، أن الانقلاب سيعطي رسالة خاطئة للشباب عمومًا وشباب الإسلاميين خصوصًا، بأن "الديمقراطية ليست لهم".

 

اقرأ/ي أيضًا:

اللارؤية..استراتيجية انقلاب السيسي

30 يونيو، خليقة أم صنيعة؟