18-فبراير-2017

لقطة من فيلم Manhattan

إذا كان هناك شخصٌ واحد يمكن اعتباره ممثلًا لسينما المؤلف، فإنه لا أحد يضاهي وودي آلن. وجد وودي آلن، اليهودي الوجودي العصابي القادم من بروكلين، عزاءً من تفاهة الحياة عبر الكوميديا. عندما قام بصنع أفلام للتعبير عن ميوله الكوميدية التي يتعذر كبحها، وجد آلن أنه يستمتع بالأمر، فاستمر في التوسع عبر السنوات الخمسين التالية ليصنع بعض أكثر الأفلام شمولًا في التاريخ.

مع النجاح جاءت الرومانسية، ثم جاء الجدل، والمزيد من الجدل، ثم المزيد والمزيد من الجدل. لكن عبر ذلك كله، لا يمكن نفي أن وودي آلن قد تعلم شيئًا أو اثنين عن آليات الحب، محولًا بالتالي مشكلات حياته الشخصية إلى فنٍ سينمائي عظيم.

إذا كان هناك شخصٌ واحد يمكن اعتباره ممثلًا لسينما المؤلف، فإن لا أحد يضاهي وودي آلن

سواء كان ذلك جنونيًا أو غبيًا أو سخيفًا أو حتى مبتذلًا، كانت الرومانسية محورية في جميع أفلام وودي آلن تقريبًا. موضوع آلن الذي يبدو ضيقًا -أشخاص بيض عصابيون من الطبقة الوسطى، يعيشون عادةً في مناطق حضرية- هو في الحقيقة أعظم منحة له، مستخدمًا تقديره العميق للحياة المدينية وأنواع الأشخاص الذين يعيشون في المدينة كوسيلةٍ للتنقيب عن الجوانب المتعددة التي لا تنتهي للحب.

في هذا التقرير الذي نشره موقع tasteofcinema، نستعرض 5 دروس عن الحب يمكن استخلاصها من أفلام وودي آلن.

 

1- أحيانًا يجعلك الحب تقوم بأشياءٍ مجنونة: موز Bananas 1971

في هذا الفيلم يشق البطل، الذي يلعب وودي آلن بدوره، طريقه عبر مجلسٍ عسكريٍ حاكم في إحدى دول أمريكا الجنوبية غير المحددة. ما قد يُنسى هو السبب الذي يجعله يترك سبل الراحة في نيويورك وينتقل إلى هناك في المقام الأول: حب امرأة. عندما تزوره الناشطة الاجتماعية نانسي (التي تقوم بدورها زوجته الأولى) شقته الصغيرة وتطلب منه أن يتبنى القضايا الاجتماعية، يبدآن المواعدة على الفور، لكن عندما تتركه يخاطر بحياته كي يثبت لها أن لديه مهارات القيادة.

اقرأ/ي أيضًا: أضخم 10 أفلام 3D ستعرض في 2017

بينما كانت سنوات الستينيات والسبعينيات تشهد انتفاضاتٍ كبرى من أجل الحقوق المدنية وحقوق المرأة، كان آلن يتساءل عن النوايا الحقيقية لبعض الشباب. هل كانوا يهتمون حقًا بإنقاذ العالم، أم كانوا يحاولون فقط إبهار الفتيات؟ رغم ذلك، رأى وودي آلن أن الحب قد يكون قويًا أحيانًا إلى درجة أن أن يصبح الرجال مستعدين للاندفاع إلى قلب المعركة من أجل اللحاق به. ويعد هذا الفيلم من أجمل أفلام وودي آلن وأهمها. 

2- أحيانًا يكون الحب مثل الأفلام تمامًا: العبها مجددًا، سام Play It Again, Sam 1972

هذا الفيلم من أفلام وودي آلن الذي تمثل تجربة له للكوميديا الرومانسية قبل أن يجيدها مع آني هال، حيث يلعب وودي آلن دور مخرج عابس انفصل عن زوجته حديثًا متعته الوحيدة في الحياة هي مشاهدة فيلم كازابلانكا ورسالة التضحية البطولية بمثل المرء من أجل الصالح العام. لكن سريعًا يكتشف شكلًا بوجارتيًا (نسبةً إلى همفري بوجارت) كبيرًا يظهر في حياته، يعطيه بعض النصائح التي يحتاج إليها بشدة.

النتيجة هي تحقيقٌ رائع، سوف يتم استكشافه مجددًا من وجهة النظر الأنثوية في زهرة القاهرة البنفسجية The Purple Rose Of Cairo، فيما إذا كان يمكن للحياة الواقعية أن تتشكل لتضاهي سحر الأفلام. لا يمر وقتٌ طويل قبل أن تجد حبكة فيلم العبها مجددًا، سام نفسها تندمج على نحوٍ ساحر مع تلك الخاصة بكازابلانكا، مشكلةً تحية إعزاز للقوة التحويلية للسينما.

يظهر الفيلم أن الحب قد يحذو حذو الأفلام أحيانًا، خاصةً عندما تتشكل رؤيتك للعالم بشدة بالمشاهدة المتكررة لفيلمٍ بعينه إلى أن يصبح كل ما حولك جزءًا من تلك الرؤية.

3- أحيانًا يكون الحب أقوى من الموت: الحب والموت Love and Death 1975

الفيلم الذي يعتبر تحية إعزاز لأدب عمالقة القرن التاسع عشر الروس دوستويفسكي وتولستوي وتورجينيف، هو رحلة عبر الحرب تنتهي بأن تصبح استكشافًا مرحًا لمعنى الحياة، وهو من أهم وأجمل أفلام وودي آلن. 

بطل الفيلم هو سلامي جبان يدعى بوريس جروشينكو، يجد نفسه، مثل بطل فيلم موز، مساقًا للمشاركة في الحروب النابوليونية. يدرك جروشينكو باستمرار وجود الموت، لكنه أيضًا مهووس بالنساء. يتجسد هذا في العبارة الكلاسيكية لآلن: "ما الذي يوجد بعد الموت؟ هل هناك أي فتيات؟".

سواء كان ذلك جنونيًا أو غبيًا أو سخيفًا أو حتى مبتذلًا، كانت الرومانسية محورية في جميع أفلام وودي آلن تقريبًا

لكن على خلاف الكثيرين، يخرج جروشينكو من الحرب معافى تمامًا. توافق ابنة عمته سونجا على الزواج منه عندما تعتقد أنه سوف يموت في نزالٍ في اليوم التالي. لكنه ينجو منه أيضًا، لأن حبه لها أقوى من الوجود القوي دائمًا للموت.

يشكل الحب والموت نقطة تحول رئيسية لصانع الأفلام، حيث ينجح بمهارة في موازنة أسئلةٍ جادة عن الحياة والموت، الرومانسية والحب. يظهر الفيلم أن المرء قد لا يمكنه الاستمرار في مراوغة شبح الموت إلى النهاية، لكن الحب قد ينجو أحيانًا رغم ذلك.

4- أحيانًا يكون الحب مزيجًا من السعادة والألم: آني هال Annie Hall 1977

آني هال هو رائعة وودي آلن التي لا يضاهيها أي عملٍ آخر، وأحد أبرع أفلام وودي آلن وأجملها على الإطلاق، ربما لا يضاهيه إلافيلم  "يوم جرذ الأرض" Groundhog Day، لم يكن لأي فيلم أمريكي كبير آخر مثل هذا الهيكل اللافت لسرد قصة الحب التي يرويها.

استخدام أسلوب السرد غير الخطي-والذي يعطي أحيانًا انطباع رحلة متحررة عبر عقل بطله العابس آلفي سنجر- كان خيارًا مثاليًا لتمثيل الطريقة التي تعيد بها الذاكرة تشكيل لحظات الحب من أجل تحديد تلك النقاط التي يبدو فيها وكأن كل شيء سار على نحوٍ خاطئ، وتلك اللحظات التي بدا فيها أن كل شيء كان على ما يرام.

اقرأ/ي أيضًا: "توني إردمان".. ضد الرأسمالية الأوروبية الجديدة

في هذا الصدد، يصبح الفيلم أحد أفضل تمثلات الحب الذي تمتزج فيه السعادة والألم في تاريخ السينما، حيث يظهر: أ) أنه من المستحيل أن تفهم تمامًا من تحب و ب) أنه من المستحيل أن تتغير تمامًا من أجل التأقلم مع من تحب.

يمتلئ الحب بالحلول الوسط، بالتسامح مع أذواق شريكك الغريبة، بموازنة حياتك مع حياة شخص آخر، وبالإدراك البطيء أحيانًا لحقيقة أنه مهما حاولت بقوة، فإن بعض قصص الحب ليس مقدرًا لها أن تستمر.

بينما قد يكون الفيلم مزعجًا لبعض المشاهدين، إلا أنه سيكون من الصعب نفي التأثير التراكمي لهذا الفيلم؛ والذي يمكن مشاهدة تأثيراته تمتد خلال السينما حتى هذا اليوم، بما في ذلك أفلام مثل 500 يوم مع سمر (500) Days Of Summer بل وحتى لالا لاند La La Land – فقط فكر في تلك النهاية "البديلة".

5- أحيانًا لا يمكن فصل الحب عن المكان: مانهاتن Manhattan 1979

بالنسبة لوودي آلن، كانت نيويورك دائمًا أكثر من مجرد مدينة. كانت مكانًا مشهديًا، مخلدًا في دراما الثلاثينيات البراقة. كان لدى وودي آلن دائمًا شغف بالأضواء اللامعة.

وبالتالي كان من المنطقي أن يتحد مع جوردون ويليز (المعروف باسم "أمير الظلام" بسبب عمله الرائع على الأب الروحي The Godfather) لتصوير المدينة على أفضل نحوٍ ممكن. على خلفية موسيقى جورج جيرشوين، مانهاتن هو رسالة حب إلى المدينة إلى جانب كونه نظرة عبقرية إلى كيف يشكل المكان مشاعر المرء، وهو بالتأكيد أحد أجمل أفلام العبقري وودي آلن. 

بالنسبة لآلن، كانت نيويورك دائمًا أكثر من مجرد مدينة. كانت مكانًا مشهديًا، مخلدًا في دراما الثلاثينيات البراقة

أفضل مشاهد الفيلم هي تلك التي تضع مانهاتن كشخصية داخل الفيلم. سواء كان الجلوس على مقعد والتحديق في نهر هدسون، أو التمشية عبر حديقة سنترال بارك، أو تناول الطعام في مطعم إمباير دينر، أصبحت الصور المتعذر محوها من منهاتن أيقونية إلى درجة أنها انتقلت إلى عالم كليشيهات الثقافة الشعبية.

هنا يثبت وودي آلن أن المكان والرومانسية متصلان على نحوٍ لا يمكن فصله، وأنه كلما تعلق المرء بالمكان، يمكن أن تصبح الرومانسية أكثر شمولًا.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Silence": هل يستحق المشاهدة؟
10 أفلام تستحق المشاهدة من مهرجان صندانس السينمائي