خلال سنوات الربيع العربي استطاعت بعض وسائل الإعلام الناطقة باللغة العربية، على اختلاف جنسياتها، نقل صورة أقرب إلى الموضوعية، مشكلةً ملاذًا للمشاهد العربي الباحث عن خطاب إعلامي يعكس الواقع المعاش.
مسايرةً لخطاب "أفول الربيع العربي" وسعيًا لـ"السبق"؛ وقعت وسائل إعلام في فخ الترويج للخطاب الرسمي على حساب المهنية
لكن، مسايرةً لخطاب "أفول الربيع العربي"، وسعيًا لتحقيق "السبق الصحفي"؛ وقعت العديد من وسائل الإعلام في فخ الترويج للخطاب الرسمي ولو على حساب المهنية. هنا، نستعرض نموذجين يمثلان تلك الحالة، من وسائل إعلام أوروبية ناطقة باللغة العربية:
اقرأ/ي أيضًا: في انتقائية الإعلام الغربي.. الكراهية تبيع أكثر
1. BBC في سوريا
اتخذ تعاطي شبكة "بي بي سي" مع الحدث السوري، بشكل عام، موقفًا سطحيًا، في سياق المحافظة على الوجود الجغرافي، بدافع مفاده على الأرجح: البقاء قرب الحدث.
غير أن هذا المسعى، أوقعها في فخاخ تمس أخلاقيات المهنة، من ذلك على سبيل المثال تقريرها الأخير من مدينة دوما في محافظة ريف دمشق.
وصف التقرير واقع الذين بقوا في المدينة خلال فترة الحصار الذي فرضه النظام، ما أدى إلى شح المواد الغذائية والمتطلبات الأساسية؛ دون التطرق إلى الأطراف المسؤولة عن هذه الحالة، والتي يأتي على رأسها النظام السوري.
كما تناول التقرير الظروف الصعبة التي تعرض لها من غادرها من سكانها، دون أي إشارة لعدم تحمل النظام السوري مسؤولية اتجاه "مواطنيه".
وفي السياق، أورد التقرير معلومة تفيد بأن عدد سكان دوما قبل الحرب كان 750 ألف نسمة، وفي ذات الوقت يشير إلى "تقدير" عن بقاء 100 ألف في المدينة، وعودة 150 ألفًا إليها بعد أو وضعت الحرب أوزارها نسبيًا، ليبقى المشاهد حائرًا في مصير 500 ألف من أهل المدينة، تجاهل التقرير مصيرهم!
لا يتجاهل التقرير فقط الإشارة لمن يتحمل المسؤولية عن الوضع في المدينة، باستخدام "الحرب" للتعمية، وإنما أيضًا يُبرز ضعفًا مهنيًا في جمع معلومة شاملة عن المدينة من جهة ما حدث لـ750 ألفًا هم عدد سكانها، وليس فقط الـ250 ألف نسمة الذين تحدث التقرير عن مصيرهم.
يتجاوز التقرير أيضًا الأخلاق المهنية، باستقصاء الناس عن أحوالهم المعيشية في مكان تحكمه الحواجز الأمنية ودوريات الشرطة العسكرية الروسية على مدار الساعة!
2. فرانس 24 في مصر
في مساحة تخصصها قناة "فرانس 24" من العاصمة المصرية القاهرة، لتناول الواقع المصري، يأتي برنامج "هوا مصر".
يبدو اسم البرنامج "شاعريًا"، وهو كذلك من جهة تعاطيه للواقع المصري بـ"شاعرية" تتناقض أحيانًا كثيرة من الواقع، كما الحال مثلًا في إحدى الحلقات التي تحدثت عن الاقتصاد المصري في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
اعتمدت الحلقة في الإضاءة على وضع الاقتصاد المصري، على الأرقام الصادرة رسميًا عن مؤسسات الحكومة المصرية، وهي وإن كانت صحيحة، لكنها لا تعكس الواقع الاقتصادي للمواطن المصري، والأزمة المعيشية التي يعيشها تحت وطأة الغلاء، وقلة الأجور.
اتخذت BBC موقفًا سطحيًا في تعاطيها مع الشأن السوري، في سياق المحافظة على البقاء قرب الحدث ولو على حساب المهنية
وعلى هذا المنوال، فإن العديد من القضايا التي يتناولها البرنامج من القاهرة، عن القاهرة، تتجاهل في أحيانٍ كثيرة سرديات أخرى غير السردية الرسمية، وجزءٌ كبير من كذلك سببه البث من داخل القاهرة، إلى جانب غياب أي اهتمام لدى المشغلين بموقف نقدي أو أقله موضوعي كما يبدو، بما يُصعّب من حضور الخطاب نقدي أو معارض.
اقرأ/ي أيضًا:
"BBC" الحريصة على رضا إسرائيل.. ما يطلبه المستعمرون!
هل اشترى ابن زايد قناة الحرة؟.. التفاصيل الكاملة من مصادر خاصة