هو صحفي أردني يدعى تيسير النجار، والد لخمسة أبناء، تجاوز الأربعين عامًا بقليل، نشاطه الصحفي مرتبط بالثقافة والفن بعيدًا عن السياسة، اعتقد للحظة أن من حقه كإنسان التعبير عن رأيه وانتقاد موقف دول عربية خلال العدوان على غزة، كما فعل وكتب في صيف 2014، من خلال منشور على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، انتقد فيه دولة الإمارات وموقفها من العدوان ومساندتها لمصر في هدم الأنفاق في رفح.
قضية تيسير النجار وغيره من معتقلي الرأي، تشير إلى الحالة القمعية المتزايدة في أبوظبي، وعدم مصداقية الادعاءات حول قبول الآخر
انتهى العدوان واستمر عمل الصحافي تيسير النجار في الأردن، كما هو، إلى أن حصل علي فرصة عمل في إحدى المؤسسات الإعلامية في الإمارات، وتأسيس إصدار جديد يدعى "الدار"، فالتحق به مع بداية 2015 ليتم إيقافه واعتقاله بعد أشهر قليلة، ويبقى لأكثر من عام دون محاكمة، ويعلن في النهاية أن التهمة هي "إهانة رموز دولة الإمارات"، من خلال ذلك المنشور المتضامن مع غزة.
ولم تفلح الوساطات والاعتصامات والمناشدات في الإفراج عنه، لم يرق قلب حكام أبوظبي لابن تيسير النجار وهو يناشدهم ويطلب منهم تحرير والده، إلى أن قضت المحكمة بسجنه ثلاث سنوات ودفع غرامة نصف مليون درهم إماراتي (نحو 140 ألف دولار).
قضية تيسير النجار وغيره من معتقلي الرأي، تشير إلى الحالة القمعية المتزايدة في أبوظبي، وعدم مصداقية الادعاءات الإماراتية حول قبول الآخر والانفتاح على العالم، فالقمع لتقويض حرية الرأي صار أمرًا طبيعيًا ومعتادًا في الإمارات ويتم عبر عدة قوانين، تصفها بعض المؤسسات الحقوقية الدولية بالرجعية والمقيدة لحرية النشطاء، حيث تمنح تلك القوانين الحق للدولة في إيقاف أي شخص والإلقاء به في السجن لسنوات وفقًا لمواد وعبارات قانونية فضفاضة.
اقرأ/ي أيضًا: هادي العبدالله.. صوت ضحايا الأسد وإدانته
تيسير النجار.. ماذا حدث بالضبط؟
في 13 كانون الأول/ ديسمبر 2015، تم إيقاف الصحفي الأردني تيسير النجار، هكذا تقول منظمة هيومن رايتس ووتش، إذ استدعي تيسير النجار من قبل إدارة التحريات الجنائية في أبوظبي واختفى، فيما تقول زوجته الفنانة التشكيلية ماجدة الحوراني إنه "منع من السفر للأردن، وتم إيقافه دون إعلان الأسباب".
عقب الإيقاف، احتجز تيسير النجار في مكان غير معروف حتى أذار /مارس 2016 ، أعلن حينها عن مكان احتجازه وهو سجن الوثبة الصحراوي، 40 كيلومتراً عن وسط أبوظبي، واستمر محتجزًا دون توجيه أي اتهام له لأكثر من عام، ولم يحضر معه أي محام خلال التحقيقات، وأشارت زوجة تيسير النجار في عدد من الحوارات والتصريحات الصحافية إلى أن "إيقاف زوجها تم دون معرفة السبب" ومع بدء التحقيقات معه كانت تهمته "إهانة رموز الدولة"، لانتقاده موقف دولة الإمارات ومساندتها مصر في هدم الأنفاق بين رفح المصرية والفلسطينية خلال العدوان الإسرائيلي على غزة 2014.
نظم زملاء وعائلة تيسير النجار عددًا من الوقفات أمام الديوان الملكي في الأردن وكذلك أمام نقابتي الصحفيين والمحامين الأردنيين كما طالبت منظمات حقوقية عربية ودولية بإطلاق سراح النجار، لتعلن الإمارات عن تقديمه للمحاكمة بعد عام وشهر من الاعتقال وتحديدًا في 18 كانون الثاني /يناير الماضي واستمرت المحاكمة لعدة جلسات إلى أن قضت المحكمة في آذار/مارس الماضي بالسجن على تيسير النجار لمدة ثلاث سنوات وتم تثبيت الحكم في الاستئناف.
تبدو التهمة التي يحاكم عليها تيسير النجار وكأنها شكوى كيدية من شخص ما، خاصة وأن النجار لم يعرف له نشاط سياسي من قبل كما أصدر كتابًا عن الإمارات باسم "الإمارات دولة السعادة"، إلا أن النظام السياسي في أبوظبي تعامل معه وكأنه مجرم شديد الخطورة، وشهدت فترة اعتقال تيسير النجار في سجن الوثبة التابع لإمارة أبوظبي عددًا من الانتهاكات في حقه كما كانت أوضاعه المعيشية في غاية السوء وفقًا لوصف زوجته، حيث منع من الزيارات وسمح فقط له بمكالمة واحدة أسبوعية ولدقائق معدودة، كما أن عدم تعرضه للشمس بشكل جيد عرضه لضعف النظر، بالإضافة إلى تعرضه لآلام في أسنانه بسبب عدم تقديم الرعاية الصحية اللازمة له.
ويحاكم تيسير النجار وفقًا للقانون الاتحادي الإماراتي رقم 5 لعام 2012 لمكافحة الجرائم الإلكترونية وهو القانون الذي كان له العديد من الانتقادات الدولية على رأسها من منظمة هيومن رايتس ووتش.
شهدت فترة اعتقال تيسير النجار في سجن الوثبة التابع لإمارة أبوظبي عددًا من الانتهاكات في حقه كما أكدت منظمات حقوقية دولية
الإمارات.. قوانين قمعية
"القانون رقم 5 لعام 2012 يتعارض مع الصورة التي يحاول حُكام الإمارات الترويج لها بأن الإمارات دولة تقدمية ومتسامحة"، هذا اقتباس من تعليق جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، ونشر في العام 2012 في بيان رسمي للمنظمة.
وتعد أبرز مواد القانون تقييدًا للحريات المادة 28 وكذلك المادة 29، والتي تنص على أنه "يعاقب بالسجن المؤقت والغرامة التي لا تتجاوز مليون درهم كل من نشر معلومات أو أخبار أو بيانات أو إشاعات على موقع إلكتروني أو أي شبكة معلوماتية أو وسيلة تقنية معلومات بقصد السخرية أو الإضرار بسمعة أو هيبة أو مكانة الدولة أو أي مؤسساتها أو رئيسها أو نائبه أو حكام الإمارات أو أولياء عهودهم أو نواب حكام الإمارات أو علم الدولة أو السلام الوطني أو شعارها أو نشيدها الوطني أو رموزها". واعتبرت المنظمة أن مواد المرسوم فضفاضة ومبهمة الصياغة توفر السند القانوني لملاحقة من يستخدمون تقنية المعلومات أمام القضاء وسجنهم.
ويعد أبرز دليل على ذلك ما عرف مؤخرًا بجريمة "التعاطف مع قطر"، التي ظهرت عقب قطع الإمارات العلاقات مع قطر، ونقلت مصادر صحفية عن النائب العام الإماراتي حمد سيف الشامسي أن "التعاطف أو الميل أو المحاباة تجاه قطر أو الاعتراض على موقف الإمارات مع قطر، بأي وسيلة من بينها وسائل التواصل الاجتماعي أو مشاركات أو بأي وسيلة أخرى، قولاً أو كتابة يعد جريمة، معاقب عليها بالسجن المؤقت من ثلاث إلى خمس عشرة سنة و بالغرامة التي لا تقل عن 500 ألف درهم".
كما يشير تقرير صادر عن المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان إلى الانتهاكات التي تمت في الإمارات خلال العام 2016 ، من أبرزها تعديلات أضيفت مؤخرًا في قانون العقوبات الإماراتي اعتبرها التقرير تجريمًا للحق في حرية التعبير والرأي من خلال إدراج المادة 182 مكرر التي تنصّ على: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو الكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار من شأنها إثارة الفتنة أو الإضرار بالوحدة أو السلم الاجتماعي".
وأشار التقرير أن سلطات الإمارات تعمدت استخدام صياغة مواد التجريم والعقاب بشكل عام وفضفاض من أجل التمكن بسهولة من ملاحقة الناشطين السياسيين والحقوقيين والمدونين وحبسهم لمدة طويلة.
اعتبرت منظمات حقوقية أن قانون العقوبات الإماراتي يجرم الحق في حرية التعبير والرأي
اقرأ/ي أيضًا: حملة أبوظبي والرياض لاستهداف قطر.. في السوشال ميديا وضد حرية مواطنيهما أيضًا
سجناء الرأي في الإمارات.. أي مستقبل؟
بالرغم من تزايد التجاوزات الإماراتية فيما يخص تقييد حرية الرأي والتعبير، إلا أنها استطاعت الثبات في ترتيبها ضمن مؤشر حرية الصحافة في 2017 كما كان في 2016 وحصلت على المركز السادس عربيًا والمركز 119 عالميًا من ضمن 180 دولة على مستوى العالم.
ويعد من أبرز وآخر المحكوم عليهم بالسجن في الإمارات الأكاديمي الإماراتي ناصر بن غيث، والذي اعتقلته السلطات الإماراتية لنحو سنة ونصف وحكمت المحكمة عليه في آذار/مارس الماضي بالسجن 10 سنوات، بسبب انتقاده السلطات المصرية في ذكرى رابعة العدوية والسخرية من بعض تصرفات المسؤولين في الإمارات.
وأشار تقرير حقوقي إلى وجود عدد من المدونين المعتقلين بسبب كتابتهم على الانترنت من بينهم المدون صالح بن محمد بن صالح والذي حكم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات، لأنه نشر تغريدات على حسابه الخاص، وذلك في شهر شباط /فبراير 2016، وفي شهر أذار/مارس أدانت المحكمة الاتحادية العليا كلًا من عبد الله نواب البلوشي ومروان محمد عتيق بن سفيان الفلحي وحكمت عليهما بالسجن لمدة 5 سنوات على خلفية نشرهما مقطعًا مصورًا وقصيدة على واتس اب وإصدار موقع على شبكة الانترنت.
ولم تسلم السيدات من القمع الإماراتي ففي تشرين الأول /أكتوبر 2016، حكم على السيدة أمينة العبدولي بالسجن خمس سنوات بتهمة إنشاء حسابين على موقع التواصل الاجتماعي تويتر ونشر معلومات تحرض على الكراهية ضد دولة الإمارات والسخرية بسمعة الدولة.
وهناك أسامة النجار المدون الذي تعرض للحكم بالحبس ثلاث سنوات وغرامة مالية مقدارها نصف مليون درهم، على خلفية ممارسة نشاطه كـ"حقوقي" وتضامنه في "تويتر" مع والده حسين النجار، المعتقل لدى الأجهزة الأمنية، وفي 2011 تعرض خمسة نشطاء سياسيين للسجن.
ولا يتوقف الأمر على السجن والإبعاد ولكن أيضًا إسقاط الجنسية، كما حدث في 2012، حين أعلنت السلطات الإماراتية، سحب جنسية ستة نشطاء إسلاميين معارضين. فإن كنت ستزور الإمارات للعمل أو التجارة فاحذر ما تكتبه وتقوله فالجميع مراقب وقائمة المعتقلين خير دليل.
اقرأ/ي أيضًا:
الإعلام التونسي في 2017.. مكاسب في خطر
"كوابيس السلطة الرابعة".. كيف تغيرت الصحافة العربية في 2017؟