بات من المؤكّد أنّ الحرب في أوكرانيا ليست بين كييف وموسكو فقط، بل هي حرب بين محورين عالميين، فمنذ اللحظة الأولى اصطفّ الغرب إلى جانب أوكرانيا، ودعَمها بالسلاح والعتاد لتعزيز صمودها في مواجهة القوات الروسية، ورويدًا رويدًا وصل الدعم الغربي إلى مستوى تزويد كييف بأسلحة هجومية نوعية، مع وعودٍ بتقديم المزيد.
وكان ناقصًا فقط لاكتمال مشهد حرب المحاور والتحالفات العالمية أن يُظهر حلفاء موسكو دعمًا عسكريًا مشابهًا للدعم الغربي لأوكرانيا، وهو الأمر الذي تحقق مؤخرًا، مع تسيير كوريا الشمالية لمئات الجنود والعسكريين للقتال جنبًا إلى جنب مع القوات الروسية في أوكرانيا.
فقد كشفت مصادر غربية متعددة أنّ سبعة سفنٍ من الأسطول الروسي في منطقة المحيط الهادي أبحرت من كوريا الشمالية متجهةً إلى روسيا. وبحسب ذات المصادر فإنّ السفن الروسية أقلّت على متنها 1500 جندي من القوات الكورية الشمالية الخاصة، هم فقط، حسب صحيفة تلغراف البريطانية، "طليعةٌ لقوة قد يصل قوامُها إلى 11 ألف جندي كوري شمالي".
قد يجد حلفاء كييف أنفسهم مضطرين للتدخل المباشر ردًّا على إرسال كوريا الشمالية لجنودها إلى روسيا لدعم مجهودها الحربي في أوكرانيا
وستعزز هذه القوات الكورية الشمالية من الجهود الحربية الروسية في أوكرانيا. ويأتي هذا التعزيز من كوريا الشمالية ليؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنّ الحرب في أوكرانيا بصدد التحول إلى حربٍ عالمية ثالثة يتواجه فيها المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ضد تحالف آخر، يضم حتى الآن قوتين نوويتين هما موسكو وبيونغ يانغ.
ومع عمل قواتٍ من طرف ثالث على الأراضي الأوكرانية، من المحتمل أن يعمد حلفاء كييف إلى خطوة مشابهة. وبالفعل قد عبّر سياسيون في بريطانيا وفرنسا عن دعمهم لمثل هذه الخطوة، ردًّا على الوجود الكوري الشمالي إلى جانب روسيا.
ويشار في هذا السياق إلى أنّ ما قامت به بيونغ يانغ مؤخرًا من إرسال جنودها إلى روسيا، لا يعدّ أول دعمٍ من كوريا الشمالية للمجهود الحربي الروسي، فالتقارير والمعلومات المتوفرة تشير إلى أنّ كوريا الشمالية زودت حلفاءها الروس بـ"ذخيرة مدفعية وصواريخ باليستية من طراز كي إن-23، بالإضافة إلى مركبات صاروخية مضادة للدبابات".
وبذلك أصبحت بيونغ يانغ إلى جانب طهران أبرز الداعمين للمجهود الحربي الروسي، والسبب الرئيسي وراء عدم نفاد المعدات الحيوية للقوات المسلحة الروسية، وذلك مع اقتراب دخول الحرب على أوكرانيا عامها الرابع.
لكنّ الدعم الكوري الشمالي المباشر لروسيا بالجنود يكشف، حسب دوائر إعلامية وعسكرية غربية، أنّ موسكو تعاني من "نقص الجنود بسبب الخسائر التي تتكبدها يوميًا"، فوفقًا للتقديرات الأوكرانية يخسر الجيش "يوميًا أكثر من ألف شخص بين قتيل مصاب في المتوسط منذ نحو عام من الآن".
في المقابل عززت أوكرانيا من قواتها بتشكيل 14 لواءً جديدًا، أي حققت زيادةً بنسبة 10% في هيكل قواتها القتالية البرية، وإن كانت كييف تشكو من تباطؤ المساعدات الغربية، وهو تباطؤ يحرم عشرة ألوية حتى الآن، حسب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، من المعدّات العسكرية الثقيلة.
من الواضح، حسب أوساط غربية، أنّ روسيا وكوريا الشمالية وحلفاؤهما في بكين وطهران، يُدركون مستوى المخاطر القائمة حاليًا، لكن في المقابل، ترى تلك الأوساط الغربية وخاصةً في الإعلام، أنّ من غير الواضح ما إذا كان حلفاء أوكرانيا في حلف شمال الأطلسي يُدركون الحقيقة ذاتها، والمتمثلة في أنّ الصراع والمواجهة المباشرة باتت وشيكةً وربما حتميةً.
هل يتمّ جرّ كوريا الجنوبية إلى المستنقع الأوكراني؟
حرصت كوريا الجنوبية منذ بداية الحرب في أوكرانيا على حصر دعمها لكييف في تقديم المساعدات الإنسانية، لكنّ معلومات استخبارية أكّدت أن سيول تتّجه، مدفوعةً بالدعم الكوري الشمالي لروسيا عسكريًا، إلى تغيير استراتيجيتها، وفي هذا الصدد يقال إنّ كوريا الجنوبية زودت أوكرانيا، عبر الولايات المتحدة بمليون قذيفة مدفعية. وليس من المستبعد أن تعمد سيول في قادم الأيام إلى التحول عن الدعم غير المباشر، إلى تقديم الدعم العسكري مباشرةً.
فقد كان لافتًا تنديد المسؤولين في كوريا الجنوبية في اجتماع مجلس الأمن الطارئ الأسبوع المنصرم، بالدعم الكوري الشمالي لجهود الحرب الروسية، معتبرين أنّ هذا يعدّ "تهديدًا أمنيًا خطيرا"، متعهدين بالرد على ذلك التهديد "بزيادة مستوى دعم أوكرانيا".
يشار إلى أنّ الأسلحة الكورية الجنوبية، ولا سيما المدفعية والدبابات، تصنّف ضمن أفضل الأسلحة في العالم.