تهدف خطة الجنرالات إلى إحكام السيطرة على شمال قطاع غزة، ولن يتسنّى ذلك إلّا بتهجير سكان شمال القطاع إلى جنوبه، ولتحقيق ذلك الهدف الاستراتيجي في الخطة، سيلجأ جيش الاحتلال إلى فرض حصار مطبق على الشمال، بمنع دخول المساعدات والإمدادات من الوقود والغذاء وصولًا إلى المياه، وبعبارة أخرى سيستخدم جيش الاحتلال التجويع والتعطيش وسيلة ضغط لتهجير السكان بعدما أخفقت عمليات القصف التي زادت وتيرتها مستهدفةً المدنيين في الأحياء المأهولة بالسكان والمدارس التي يحتمي بها الأهالي الذين دُمّرت بيوتهم أو هُجّروا منها.
ويقودنا تتبُّع هذه الخطة إلى معرفة أنّ من اقترحها على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هو الجنرال السابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي غيورا آيلاند، وحظيت الخطة بعدها بدعم كبير من جنرالات جيش الاحتلال الذين أعلنوا تبنّيهم لها لتسمّى بخطة الجنرالات بناءً على ذلك التبنّي.
وبحسب المعلومات المتداولة في الإعلام الإسرائيلي وُضعت خطة الجنرالات في أيلول/سبتمبر المنصرم، وترمي الخطة إلى جعل منطقة شمال غزة منطقةً عسكرية مغلقة، بغية القضاء بشكل تام على أي وجودٍ للمقاومة الفلسطينية في المنطقة وتحقيق الانتصار على حماس هناك، وهو ما يتطلّب "تهجير سكان شمال قطاع غزة قسرًا، عن طريق ضرب حصارٍ كامل على المنطقة، يشمل منع دخول المساعدات الإنسانية والإمدادات الغذائية، لتجويع من تبقّى من المدنيين هناك"، ووضع المقاومين المسلّحين أمام خيارين هما "الاستسلام أو الموت".
تفترض خطة الجنرالات أن القضاء على المقاومة الفلسطينية في شمال غزة يتطلب تهجير السكان قسرا
يشار إلى أنّه في يوم ذكرى السابع من تشرين الأول/أكتوبر أصدر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي إشعارًا بالإخلاء لسكان جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا ومناطق أخرى في مدينة غزة.
وبعد ذلك الإشعار بيومين شن الجيش هجومًا واسعًا على مخيم جباليا شمال القطاع، إضافة لإصدار أوامر بإخلاء 3 مستشفيات في المنطقة. وعندما حاول الأهالي في جباليا النزوح إلى مدينة غزة المجاورة، منعتهم قوات الاحتلال، وأمرتهم بالنزوح فقط عبر شارع صلاح الدين الممتد على طول شرقي القطاع من شماله إلى جنوبه.
بناءً على ما سبق، من الواضح أنّ خطة الجنرالات، تفترض أنّ أكثر الحلول نجاعةً في إنهاء المقاومة وتقليل عدد القتلى من جنود الاحتلال الإسرائيلي هو الحصار الذي جرّبته إسرائيل لأكثر من عقد ونصف في حصار القطاع بأكمله، ومع ذلك استمرت المقاومة وتطورت إلى أن وصلت لتنفيذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر العام الماضي. فما الجديد في حلّ الحصار المطروح في خطة الجنرالات؟
تفترض خطة الجنرالات أنّ السيطرة على شمال غزة من شأنه أن يدفع سكان المناطق الأخرى للتمرد على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي سيظهر أنّها فشلت في حماية سكان الشمال وتسببت فوق ذلك في تهجيرهم، لكن هذا الافتراض ليس مقنعًا، فمنذ بداية الحرب كانت إسرائيل تُمنّي نفسها أن ينتفض سكان غزة على حماس وتتقدّم بعض الفعاليات الاجتماعية إلى حكم القطاع والتعاون مع الاحتلال.
مراحل الخطة:
تتكون خطة الجنرالات من مرحلتين، تبدأ أولاهما بإخلاء شمال القطاع من السكان، وقد كان هذا مكوّنًا أساسيًا من استراتيجيات جيش الاحتلال منذ بداية العدوان، أي قبل وضع خطة الجنرالات، لكنّ التهجير في خطة الجنرالات استراتيجي وليس مرحليًا كما كان مع بداية العدوان.
يذكر أن جيش الاحتلال قال في الشهر الثاني من العدوان إنّ حوالي 95% من سكان الشمال نزحوا إلى جنوب القطاع، وإن كانت إحصائيات أخرى قدّرت أنّ أكثر من ربع مليون فلسطيني لم يغادروا شمال القطاع حتى بعد عام من الحرب.
ومن المقرّر إسرائيليًا بعد اضطرار الفلسطينيين إلى النزوح جنوبًا عبر طريق الرشيد مرورًا بممر نتساريم ـ الذي يقسم القطاع إلى قسمين ـ وإخلاء المنطقة من السكان أن تبدأ مرحلة تحويل شمال القطاع إلى منطقة عسكرية مغلقة.
أمّا في المرحلة الثانية من خطة الجنرالات فتُتوّج بفرض حصار شامل على من تبقى في شمال القطاع إضافةً لعزل المنطقة عن باقي القطاع، وذلك بمنع أي حركة دخول أو خروج منها أو إليها، ووقف المساعدات والإمدادات بما في ذلك الغذاء والوقود والمياه، واعتبار كل من تبقى أهدافًا عسكرية مستباحة، وكأنّ دولة الاحتلال لا تتعامل فعليًا في الوقت الحالي مع كل ما في شمال غزة باعتباره هدفًا عسكريا.
ردود فلسطينية على الخطة:
وصفت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" خطة الجنرالات بـ"الوحشية"، معتبرةً أنّها "إحدى أكثر الخطط العسكرية انحطاطًا ونازية في التاريخ الحديث"، مضيفةً أنّ الاحتلال "يرتكب جرائم إبادة جماعية مكتملة الأركان في شمال قطاع غزة".