تسريب صوتي لمدير قناة نسمة التونسية نبيل القروي هو "الفضيحة الإعلامية" التي يتناقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس منذ فجر اليوم الإثنين، حيث تضمّن هذا التسريب خطّة القناة الخاصّة لاستهداف منظمة "أنا يقظ" المتخصّصة في مكافحة الفساد، وذلك باستعمال وسائل غير مهنية وغير أخلاقية، على خلفية نشر المنظمة لتحقيق استقصائي كشف ملفات فساد للقناة قبل أشهر.
يعكس تسريب نبيل القروي مدى تغلغل مافيا الإعلام في تونس وكيف تحوّلت قناة خاصة إلى عصابة تستهدف الحقوقيين والخصوم السياسيين
"أريد الثلب، اتهموهم بالعمالة والفساد الأخلاقي"
تضمّن التسريب الذي تبلغ مدته 5 دقائق دعوة مدير القناة نبيل القروي لفريق عمله إلى إعداد برنامج خاصّ حول الجمعية لتشويهها وقال: "يجب أن نعدّ ومضة إشهارية لتشويههم، يجب أن نقول إنهم خونة وعملاء ويقبضون المال لبيع بلادهم، يجب عرض أسمائهم وصورهم". ثم أضاف: "أريد برنامجًا لمدّة 45 دقيقة لا يوجد فيه إلا الثلب دون توقف".
وطلب نبيل القروي أن يشارك في "مهرجان الثلب" الصحفيون "الذين لدينا ملفات حولهم"، حسب ما ورد في التسريب، وذلك في إشارة لابتزازه لهم، وقد ذكر أحدهم وهو جمال العرفاوي، مدير تحرير الجريدة الإلكترونية التونسية "التيلغراف". كما طلب نبيل القروي إعداد تقرير مفبرك يظهر فيه مواطنون يشتمون أعضاء الجمعية ويتهمونهم بالعمالة والخيانة، وقال "لو لزم الأمر، ندفع للمواطنين كي يقولوا هذا الكلام".
لم يقف الانحدار عند هذا الحدّ بل دعا نبيل القروي إلى تشويه سمعة أعضاء المنظمة أخلاقيًا، قائلًا: "يجب أن يتحدث البرنامج عن صديقاتهم وخطيباتهم، اعرضوا الصّور، سنرسل صحفيًا يتوجه لمنازلهم ونسأل والد كل فتاة إذا كان يرضى بأن تكون ابنته على علاقة بعميل، يجب فضحهم في حيّهم". وهو ما يكشف عن مدى الانحطاط باستعمال أساليب رخيصة وقذرة تشمل القذف والثلب وهتك الأعراض.
وتأكيدًا منه على عدم خشيته من تبعات أفعاله، قال نبيل القروي في التسريب، بسخرية: "سوف يقدمون قضية وسيتم البت فيها بعد 5 سنوات وسنعطيهم تعويضًا بـ700 دينار (300 دولار)". وفي نهاية التسريب، تحدثت مديرة تحرير القناة ريم السعيدي، وقالت إنها "ستضغط على أحد أعضاء المنظمة عبر والده، الذي هو "نقطة ضعفه"، حسب قولها.
اقرأ/ي أيضًا: انتهاك حرية الإعلام في تونس من جديد.. السلطة متهمة
سخط ودعم واسع للمنظمة المستهدفة
أحدث هذا التسريب "الفضيحة" حالة سخط واسعة، إذ انطلقت حملة تضامن مع منظمة "أنا يقظ" وخاصة عبر صفحتها على موقع فيسبوك، وعبرت أحزاب ومنظمات إضافة لناشطين سياسيين ومدنيين عن دعمهم للمنظمة في مواجهة "حملة قناة نسمة".
وقد وصف المنصف المرزوقي، رئيس الجمهورية السابق، على حسابه الرسمي في فيسبوك ما ورد في التسريب بـ"الجريمة الإعلامية"، التي اعتبرها "من أخطر الجرائم التي تهدد الديمقراطية والمجتمع"، ودعا إلى ضرورة إنزال أكبر العقوبات ضد مرتكبيها. كما أعلن غازي الشواشي، عضو البرلمان وأمين حزب التيار الديمقراطي، عن مساندته للمنظمة واصفًا ما حصل بأنه "نموذج للعصابات التي تحكم تونس". وقد وصف الحزب الجمهوري، المشارك في الحكومة، الاجتماع المسرّب بأنه "اجتماع عصابة مفسدين"، في إشارة إلى نبيل القروي ومن ظهر صوته في التسريب.
كما أصدر حزب البناء الوطني المعارض بلاغًا اعتبر فيه أن "هذه الفضيحة تؤشر بقوة على الحاجة لإصلاح قطاع الإعلام"، مؤكدًا مساندته للمنظمة المستهدفة "لفضح الفساد والفاسدين". وكتب أحمد الرحموني، رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء مستنكرًا: "ماذا فعلنا طيلة السنوات الماضية حتى "يتقيح" الدمل وينفجر "الصديد" في وجوهنا على هذه الصورة؟".
وعبّر وسام الصغير، عضو المكتب السياسي للحزب الجمهوري، أن تصريحات نبيل القروي غير مستغربة "لأن الأجهزة السياسية الرسمية تشجع على هذا السلوك"، فيما أكد أيمن عبد الرحمن، وهو أحد مؤسسي منظمة "أنا يقظ"، أن المستهدف من الحملة هو "الشباب الثائر وكل المجتمع المدني"، وقال إن الجاني ليس نبيل القروي فقط بل "كل من يشمله قانون المصالحة"، وذلك في إشارة لمشروع قانون المصالحة الاقتصادية، الذي قدمه رئيس الجمهورية لتسوية ملفات الفساد المالي خارج إطار العدالة الانتقالية.
من جهتها، أعلنت منظمة "أنا يقظ" في بيان لها عن "بالغ صدمتها" من التسريبات التي صدرت على لسان نبيل القروي نفسه، وتساءلت " أين الدولة من كل هذا ومن كل القضايا المرفوعة ضد شركات نسمة من شبهات الفساد والتهرب الضريبي التي كشفتها منظمتنا؟". وتوجهت منظمة "أنا يقظ" لنقابة الصحافيين قائلة: "أليس من واجب النقابة الوطنية للصحافيين الحسم في مسألة "الصحافيين المرتزقة" المتطوعين لأداء مثل هذه المهمات القذرة؟ حيث لم تعد تكفي بيانات التنديد والشجب". كما دعت منظمة "أنا يقظ" في بلاغها أجهزة الدولة إلى حماية العاملين بالمنظمة وأعضائها "بعد سيل الشتم والتهديد والنعت بالعمالة والولاء لأطراف أجنبية".
وقد دعا رئيس منظمة "أنا يقظ" أشرف العوادي لاجتماع بمقرّ المنظمة "لاتخاذ القرارات اللازمة بعد فضيحة تسريب نسمة". وكانت قد أوضحت المنظمة أن حملة التشويه التي يقودها نبيل القروي ضدها سببها تقرير صحفي نشرته في تموز/ يوليو 2016 كشف تورّط قناة "نسمة" في ملفات فساد ومنها التهرّب الضريبي وذلك عبر شركات وهمية موجودة في ملاذات ضريبية.
اقرأ/ي أيضًا: حرب على الجمعيات الخيرية والإسلامية بتونس؟
مثلت قناة نسمة الواجهة الإعلامية للنظام القديم ولعبت دورًا بارزًا في الترويج لحزب نداء تونس وتصعيد السبسي لقصر قرطاج
اعتراف بالتسريب وفضائح سابقة
لم تنف ريم السعيدي، مديرة تحرير قناة نسمة، في حسابها على فيسبوك صحّة ما ورد في التسريب غير أنها قالت إنه "مجرّد كلام لا غير". كما لم ينف ذلك الصحفي العامل في القناة أمين مطيراوي، والذي طلب منه نبيل القروي في التسريب أن يتوجه لأولياء صديقات وخطيبات أعضاء المنظمة لتشويه سمعتهم، بل دافع عن المضمون الوارد في التسريب. وبرّر في تدوينة له أنها "الحرب" وذلك قبل أن يحذفها لاحقًا.
وقد قضت يوم الاثنين محكمة تونسية بتخطئة هذا الصحفي بـ4000 دينار (1800 دولار) بتهمة القذف العلني والشتم والسبّ على إثر قضية كانت قدمتها منظمة "أنا يقظ"، على خلفية نشرها لتقريرها الصحفي في الصيف الفارط.
وليس هذا التسريب الأول لمدير قناة نسمة نبيل القروي، حيث سبقه تسريب الشهر الفارط لاجتماع داخلي لحزب نداء تونس الحاكم. وكشف خلاله نبيل القروي أنه قام بتجنيد قناته الخاصة لصالح الحملة الانتخابية الرئاسية للباجي قايد السبسي سنة 2014، وقال فيه "أنا من قمت بتصعيد السبسي إلى قصر قرطاج". وهو ما يمثل مخالفة للقانون وللميثاق الصحفي.
ويعكس التسريب الأخير مدى تغلغل مافيا الإعلام في تونس وكيف تحوّلت قناة خاصّة إلى عصابة تستهدف الحقوقيين والخصوم السياسيين. وكان قد جند نبيل القروي قناته أيام الحراك الثوري سنة 2011 للتشكيك في الاحتجاجات وتشويهها، وصرح نبيل القروي وقتها أن "ابن علي هو الوالد الحنون"، ثم مثلت قناته الواجهة الإعلامية للنظام القديم خاصة وأنها لعبت دورًا بارزًا في الترويج لحزب نداء تونس وتصعيد السبسي لقصر قرطاج وفق ما صرّح به نبيل القروي بنفسه.
ويمثل التسريب الحالي امتحانًا جديدًا للسلطة وللقضاء في تونس لتتبّع نبيل القروي الذي يعتبر نفسه "محصّنًا" بفضل دعم رئيس الجمهورية وحزبه الحاكم.
اقرأ/ي أيضًا: