ربما لم يعد خفيًا على أحد ما رمت إليه السعودية وأبوظبي وتابعوهما من مقاطعة قطر، ومن قبلها الحملة المفبركة ضدها وضد أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وإن كانت المقاطعة على خلفية ادعاءات فضفاضة اتهمت بها قطر من الدول المقاطعة، رغم عدم وجود دليل دامغ واحد على هذه الاتهامات، في مقابل أن الدول المقاطعة ليست نظيفةً تمامًا مما رمت به قطر.
وفي مقابل الدول المقاطعة ثمّة دول التزمت الحياد بُغية المسير في طريق الوساطة للمصالحة، بينما رفضت دول أخرى إلا الاصطفاف مساندة لقطر، سياسيًا من جهة، وإنسانيًا من أُخرى، بخاصة وأنّ العديد من المنظمات الحقوقية ومنظمات مدنية دولية وإسلامية وعربية نددت بمقاطعة قطر من جهة انتهاك تلك المقاطعة "لحقوق الإنسان" بوصفها "حصارًا".
"حصار" قطر انتهاكٌ لحقوق الإنسان وحرية التعبير
نددت منظمة العفو الدولية، على لسان أمينها العام سليل شتي، بـ"الحصار" المفروض على قطر من دولٍ عربية بقيادة الرياض وأبوظبي، مُطالبًا بـ"رفع الحصار فورًا"، واصفًا الإجراءات المتخذة ضد قطر بـ"المبهمة والمفتقرة للآليات الواضحة".
وصفت منظمة العفو الدولية قرار مقاطعة قطر بأنه تلاعبٌ بحياة آلاف المواطنين الخليجيين بتدميره سبل عيشهم وتفريقه بين عائلاتهم
وأشارت المنظمة الدولية إلى المواطنين الخليجيين، واصفةً قطع العلاقات مع قطر بـ"التلاعب بحياة آلاف الخليجيين في سياق النزاع مع قطر"، على أنّ هذا "التلاعب دمّر سبل عيش الناس ومستقبلهم العملي والدراسي، وفرّق بين العائلات".
اقرأ/ي أيضًا: قطع العلاقات مع قطر "من هو الإرهابي؟"
وانتقد نائب مدير برنامج القضايا العالمية في المنظمة، جيمس لينتش، مقاطعة قطر، قائلًا إنّ "لهذه التدابير القاسية آثارها الوحشية، ففرقت الأطفال عن آبائهم وأمهاتهم، والأزواج عن زوجاتهم. بينما يواجه أشخاص كثر من مختلف أرجاء المنطقة، وليس من قطر وحدها، وإنما من مواطني الدول نفسها التي تطبق هذه التدابير؛ خطر خسارة وظائفهم وانقطاع أبنائهم عن الدراسة"، مُشددًا على ضرورة ضمان "ألا تؤدي الإجراءات المتخذة ضد قطر إلى انتهاكات لحقوق الإنسان"، وهو ما يتضح أثره جليًا.
من جهتها أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية الدولية إلى ما أدى إليه قطع العلاقات مع قطر من انتهاكات لحرية التعبير متمثلة في حظر وحجب منافذ إعلامية لها صلة بقطر، أو على تماسٍ مع سياساتها الداعمة للثورات العربية.
وقالت مديرة مكتب الشرق الأوسط بالمؤسسة "سارة ليا ويتسن"، إن "الأفراد لهم حق التعبير عن مختلف الآراء حول الأحداث الجارية، ولا يحق للحكومات إغلاق المنافذ الإعلامية وتجريم التعبير بقصد إخماد الانتقادات التي تعتبرها مُزعجة".
وفي هذا الصدد يُشار إلى أنّه بدايةً من الحملة الدعائية المفبركة ضد قطر، حجبت كل من السعودية والإمارات عددًا من المواقع الإلكترونية بدعوى ارتباطها بقطر، بينما استغل النظام المصري الموقف لحجب عشرات المواقع الإلكترونية، بعضها مما يُشار إلى ارتباطها بقطر كالجزيرة نت ومواقعها، وكثيرٌ منها كونها معارضة للنظام، بل إن بعضها خاصة بصحف ورقية مُرخّصة!
ومن جانبه أعرب الأمير الأردني رعد بن زيد مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، عن قلقه من "التأثير المحتمل" للمقاطعة على حقوق الإنسان، قائلًا إنّ "التدابير المتخذة بشكل مفرط (ضد قطر) تعرقل بشكل خطير حياة الآلاف من النساء والأطفال والرجال، فقط لأنهم ينتمون لإحدى جنسيات الدول المعنية في النزاع"، مضيفًا أنه رغم "التوجيهات" السعودية والإماراتية والبحرينية "بمعالجة الاحتياجات الإنسانية للعائلات التي لديها جنسيات مشتركة، إلا أن تلك الإجراءات غير فعالة بما فيه الكفاية لمعالجة جميع الحالات".
كما نقلت وسائل إعلام إعلانًا مُجمّعًا لثماني منظمات حقوقية، أعربت فيها عن رفضها قرارات مقاطعة قطر، إذ قالت المنظمات في بيانها، إنّ "الدول المقاطعة طالبت المجتمع الدولي بتبني وجهة نظرها في ذلك، دون أي تحقيق قضائي يكفل للمتهمين الضمانات التي قررتها الأعراف والمواثيق الدولية، ومن غير محاكمات معتبرة قانونًا".
يخرق قرار مقاطعة قطر، بشكل صارخ، قوانين ومواثيق دولية تحمي حقوق الإنسان وحرية الرأي والتعبير
وأشارت المنظات الحقوقية إلى تضمّن المقاطعة مؤسسات خيرية وصفها البيان بـ"المهنية"، والتي ترتبط بشراكات حقيقية مع منظمات الأمم المتحدة ومع حكومات رسمية. وعليه، ووفقًا لبيان المنظمات الحقوقية، فإنّ تلك الإجراءات "تهوي بقرار المقاطعة إلى المكايدات السياسية ضمن المعركة التي تدور رحاها في المنطقة، وأنه من غير المقبول البطش بهؤلاء الأشخاص والمؤسسات والتنكيل بسمعتهم من أجل خصومة سياسية تحت ذريعة مكافحة دعم الإرهاب"، على حد تعبير البيان.
اقرأ/ي أيضًا: العفو الدولية.. الرياض وأبوظبي تعبثان بحياة آلاف الناس
وأوضح البيان الحقوقي المُجمّع مُخالفة قرار المقاطعة لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2005، والذي كفل الإطار الأساسي لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق "مكافحة الإرهاب"، لذا فقد طالب البيان الدول المنخرطة في المقاطعة بـ"الالتزام خلال أية تدابير تتخذها لمكافحة الإرهاب، بالوفاء بالالتزامات المنوطة بها بموجب القانون الدولي، ولا سيما قانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين والقانون الإنساني الدولي"، مُؤكدة أنّ ذلك لم يحدث في قرار مقاطعة قطر وما انبنى عليه من إصدار قائمة "إرهابية" مزعومة. ووصفت المنظمات الحقوقية هذه القائمة "بأنّها والعدم سواء"، كونها تخالف الأعراف والمواثيق الدولية.
المنظمة السويسرية لحقوق الإنسان أيضًا نددت هي الأخرى بقطع العلاقات مع قطر من جهة انتهاك حقوق الإنسان والقوانين الدولية، إذ قالت إن "الحصار" المفروض على قطر، "يُمثّل تحديًا صارخًا للقانون الدولي، ويضرب بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحرّية التنقل والسفر عرض الحائط".
في سياق مُتصل بانتهاك حقوق الإنسان بقرار مقاطعة قطر، أشارت منظمات حقوقية إلى قرار النائب العام الإماراتي، حمد سيف الشامسي، بإيقاع العقوبة على من يُبدي تعاطفه أو ميله أو محاباته لقطر، باعتباره قرارًا يضرب قلب حرية الرأي والتعبير، ويُهدد آلاف المواطنين وغير المواطنين من سكان الإمارات المعروفة بقمعها الأمني وانتهاكاتها المتكررة لحقوق الإنسان.
مؤسسات عربية ترفض "الحصار"
ومن جهة المنظمات المدنية العربية والإسلامية، فقد نددت منظمات مجتمع مدني مصرية في بيان، إدراج مؤسسات خيرية قطرية على قائمة الإرهاب المزعومة الصادرة من أنظمة الدول المقاطعة، مُعربة عن دهشتها من هذه الخطوة، بخاصة وأن هذه المؤسسات الخيرية القطرية ترتبط بشراكة مع منظمات الأمم المتحدة ومع حكومات رسمية ومنظمات مجتمع مدني دولية، و"تؤدي رسالة إغاثية طوعية عبر منظومة عمل أهلي غير حكومي، وفق معايير القانون الدولي وآليات العمل به"، وفق نص البيان.
البيان الذي أصدرته تلك المنظمات، اعتبر أن قائمة الإرهاب المزعومة "انتهاك صارخ لحقوق الإنسان"، كونها صدرت "دون أي تحقيق قضائي يكفل للمدرجين فيها، الضمانات التي قررتها الأعراف والمواثيق الدولية، أو دون محاكمات تتوافر فيها المعايير الدولية للمحاكمات العادلة"، على حد قولها.
أعربت منظمات حقوقية عن دهشتها من إدراج مؤسسات خيرية قطرية على قوائم الإرهاب المزعومة، رغم أنها على شراكة بمنظمات الأمم المتحدة!
أمّا المنظمة العربية لحقوق الإنسان، ومقرها بريطانيا، فقد اعتبرت أن قرار المقاطعة وما ترتب عليه من قائمة الإرهاب المزعومة، يُعد "انتهاكًا خطيرًا لميثاق الأمم المتحدة ولقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان"، شاركتها في ذلك منظمات حقوقية ماليزية أعربت عن رفضها من منطلق حقوقي لقرار المقاطعة وما ترتب عليه من إجراءات.
اقرأ/ي أيضًا: هل نشهد الآن حربًا خليجية ثالثة منزوعة السلاح؟
كذلك فإنّ رابطة علماء أهل السنة، أصدرت بيانًا "حرّمت" فيه ما أسمته بـ"الحصار" ضد قطر، مُطالبة بإلغاء قرار المقاطعة وما ترتب عليه فورًا، وهو القرار الذي وصفته بأنّه "يرقى إلى درجة إعلان الحرب على قطر"، كما رفضت تأييد المقاطعة "ضمن تحقيق بعض المكاسب السياسية على دولة شقيقة"، على حد تعبيرها، مُعربةً عن أسفها من إصدار مؤسسات دينية في الدول المقاطعة لبيانات تُؤيد "الحصار الظالم"، على حد تعبيرها.
اقرأ/ي أيضًا:
ما هي أسرار قوة الاقتصاد القطري التي تحصنه في وجه الأزمات؟
السعودية تستأنف رحلة تطبيعها الكامل مع إسرائيل.. تل أبيب محبوبة "العرب"!