كان صيف العام 2017 قاسياً جداً على برشلونة. ففي الوقت الذي كان فيه الفريق يبحث عن مداواة جراح الموسم الماضي، الذي شهد خسارته للقب الدوري لصالح غريمه ريال مدريد، والخروج أمام يوفنتوس في ربع نهائي دوري أبطال أوروبا، وجّه لهم باريس سان جيرمان ضربة موجعة وخطفوا منهم النجم البرازيلي نيمار، أحد أضلاع الـMSN الذهبي، والموهبة التي يرشحها عدد كبير من النقاد لتكون الأفضل في العالم في المستقبل.
لإيقاف برشلونة خلال هذا الموسم كانت المعادلة بسيطة "عطّلوا ميسي يتعطل برشلونة"، لكن تطبيقيًا الأمر لم يكن هينًا
إضافةً إلى قيمته الفنية والفراغ الذي تركه نيمار في الملعب، فإن الطريقة التي تمّت بها الصفقة، وقيام الباريسيين بدفع قيمة كسر البند الجزائي لنيمار، تركت ندوباً عميقة في كبرياء برشلونة. فمنذ فترة طويلة لم يخرج لاعب من برشلونة رغماً عن إرادة الفريق. بمعنى آخر، برشلونة الذي لطالما اللعب له كان حلماً يراود كل اللاعبين في السنوات الأخيرة، بات عاجزاً عن الاحتفاظ بنجم نجومه. ردّ لهم ناصر الخليفي دين مباراة "الريمونتادا" الشهيرة.
في الوقت نفسه، مني برشلونة بخسارتين قاسيتين ضد ريال مدريد في مباراتي كأس السوبر، وعجز الفريق عن إتمام أكثر من صفقة كفيراتي وسيري ليتوّج بالفشل في التعاقد مع البرازيلي فيليبي كوتينيو خلال الميركاتو الصيفي وما تخللها من أحداث دراماتيكية.
اقرأ/ي أيضاً: صفقة نيمار.. بث الروح في الكرة الفرنسية
صفحات نادي برشلونة على مواقع التواصل وجماهيرهم في كل أنحاء العالم، كانت تشعر بتشاؤم كبير قبيل انطلاقة الموسم. سخروا من صفقة باولينيو واعتبروا أن الإدارة تغشّهم. وكان الخوف، وخاصةً مع الحالة الممتازة التي كان يبدو عليها ريال مدريد في تلك الفترة، أن يخرج فريقهم بموسم مذلّ يعرضهم لسخرية جماهير الفرق الأخرى.
الخوف هذا واهتزاز الثقة، انسحب على عدد كبير من اللاعبين بداية الموسم، جوردي ألبا، سيرجيو بوسكيتس، ايفان راكيتيتش، جيرارد بيكيه وغيرهم، بدوا وكأنهم أشباح لللاعبين الذين نعرفهم. لويس سواريز الذي كان يعتبره البعض أفضل مهاجم في العالم في نسخة 2015، تفنّن في إهدار الفرص السهلة، وبدا عاجزاً عن القيام بأبسط أبجديات المهاجم.
من قلب العتمة البرشلونية الحالكة هذه، انبلج ليونيل ميسي، كما عادته، يضيء الطريق لزملائه والمدرب. في المباريات العشر أو الخمسة عشر الأولى كانت القاعدة واضحة: ميسي يقود برشلونة للفوز. عندما سجل هدفه الخامس عشر لم يكن أي لاعب في الفريق قد تخطى حاجز الأربعة أهداف. هدفاه في مرمى يوفنتوس، الفريق الذي أقصاهم في السنة الماضية أوروبياً، أعادا الكثير من الثقة للمجموعة.
لإيقاف برشلونة في الثلث الأول من الموسم، كانت المعادلة بسيطة: "عطّلوا ميسي يتعطل برشلونة". معادلة بسيطة نظرياً، حسناً، طبّقها إذا استطعت!
في كرة القدم نقول مجازاً، أن لاعباً يراقب لاعباً آخر كظلّه. مع ميسي أنت بحاجة للاعب يراقبه وللاعب آخر يراقب ظله. ومع ذلك سيهرب عند أول هفوة وسيضع المدافعين في وضعية محرجة (هدفه مثلًا في مرمى فياريال). لاحقه كوفاسيتش كظله في الكلاسيكو، كظله حرفياً، ترك راكيتيش يخترق مناطق دفاع الريال دون أن يقترب منه، لأن عقله كان مع ميسي. انكشفت المساحات لزملائه وسجل سواريز الهدف الأول.
اقرأ/ي أيضاً: ميسي.. هل رأيتم يومًا قاتلًا يراقص قتلاه؟
في مباريات برشلونة العشرين الأولى في الدوري، حصل ميسي على جائزة أفضل لاعب في المباريات 15 مرة بحسب موقع Whoscored.com ، أكثر من أي فريق آخر (فريقًا وليس لاعباً) في الدوري. سجل خلالها 19 هدفاَ، صنع 9، أصاب القائمين والعارضة 14 مرة وخلق 53 فرصة محققة للتسجيل.
مع ميسي أنت بحاجة للاعب يراقبه وللاعب آخر يراقب ظله
في المباراة الأخيرة ضد ريال بيتيس على سبيل المثال، سجل ميسي هدفين وصنع آخر، خلق أربع فرص محققة ونجح في 12 مراوغة من أصل 14 ( فقط نيمار قام بمراوغات أكثر منه هذه السنة في الدوريات الخمسة الكبرى). وفي معظم المباريات يحقق ميسي أرقاماً مشابهة.
نجح البرغوث الأرجنتيني في حمل الفريق إلى شاطئ الأمان، وأعاد الهيبة إلى الفريق الكتلوني. الأمور اليوم مختلفة جذرياً عما كانت عليه بداية السنة. الثقة عادت لللاعبين. لويس سواريز سجل 10 أهداف في أخر ست مباريات، وأصبح ثانياً على سلم ترتيب الهدافين خلف ميسي، وعاد الحديث عن سواريز الذي نعرفه.
جوردي ألبا الذي واجه انتقادات حادة لتراجع مستواه في الموسم الماضي ومع انطلاقة الموسم، استعاد مستواه وبدأ الكل يتحدث عن ثنائية ميسي – ألبا. في مباراة سلتا فيغو في الكأس تناوب اللاعبان على الأهداف الثلاثة الأولى تسجيلاً وصناعةً. راكيتيتش وبيكيه يقدمان مباريات كبيرة مؤخراً. بوسكيتس عاد مرة أخرى ليكون مايسترو خط الوسط، بعد أن كان تائهاً في مباراتي السوبر ومباريات الافتتاح. باولينيو أسكت كل المشككين به وبجدوى صفقة انتقاله من خلال أهدافه الثمانية والإضافة الهجومية الكبيرة التي يقدمها.
أعاد ميسي الهيبة إلى الفريق الكتلوني رغم التخوف في بداية الموسم كما أعاد الثقة لزملائه في الفريق
في المحصلة، برشلونة يمر اليوم بمرحلة وردية. اللاعبون مرتاحون ويعرفون جيداً كيف ومتى ينقضون على الخصم ويحسمون المباراة. ميسي بات أكثر هدوءاً، يدخّر جهده خلال المباراة ويعرف متى يوجه ضرباته. المجموعة متجانسة ومتفاهمة، ميسي يتولى عملية الربط تحت قيادة فالفيردي، الذي قدم نفسه كمدرب من الطراز العالي، يوظف جيداً الطاقات الموجودة لديه. لم يتأثر الفريق بغياب ديمبيلي أو أومتيتي وغيرهم.
دخل الفريق مرحلة الحصاد، هو حصاد جهد اللاعبين والمدرب، لكنه بالأساس حصاد لما قدمه ميسي في المباريات الأولى، عندما آمن بنفسه وبالمجموعة، وقدم كل ما يلزم لإعادة الثقة إلى زملائه وتبديد الشكوك والمخاوف، ولوضع الفريق على السكة الصحيحة والمكانة الصحيحة: الفريق المرشح بقوة للظفر بكل بطولة يشارك بها. في هذا السياق، يقول بيب غوارديولا: "ميسي يجعل زملاءه ومدربه يظهرون بشكل أفضل".
اقرأ/ي أيضاً: