حذر علماء الفلك من عاصفة شمسية، إذا ضربت الكرة الأرضية خلال هذا العام، ستعطل وسائل الاتصالات والملاحة الجوية لعدة أعوام، لأن "العاصفة قد تكون على مستوى من القوة قادر على تدمير الغلاف الغازي للأرض، غلاف الأوزون، وجعلها عرضة لكافة أنواع الأشعة القاتلة كالأشعة فوق البنفسجية".
بعد أن تحول الجميع إلى مجرد أرقام في سجل الهاتف الذكي جدًا، لن يعود هناك إمكانية للتواصل مع أحد
يبدو الخبر السابق مرعبًا عند الكثيرين، لكنه وفي نفس الوقت يحمل شيئًا من الأناقة، وكسر الروتين التكنولوجي الذي بات الجميع يتغذى عليه، إنه زمن انتقام الكتلة الشمسية التي ستأكل الأخضر واليابس. أن ينهض أحد ما صباحًا، ويكتشف انقطاع الاتصالات، وأن المطارات ومحطات المترو توقفت عن العمل، لن تعمل بعد اليوم، وأن آلات ستارباكس ستتوقف عن صنع القهوة. يا لهول المصيبة. إنه الذعر، الخوف، إنها المتاهة البشرية بحدها الأعظم.
اقرأ/ي أيضًا: حلم أردوغان يأن يصير حافظ الأسد التركي
أن تستيقظ صباحًا وتشاهد العالم مصابًا بالذهول قبل أن تذهب إلى الحمام، فعليًا هذا ما سيحصل، لأنك ستكتشف أن هاتفك الحديث لا يعمل، الأقمار الصناعية توقفت عن البث، الحياة التكنولوجية معطلة يا أصدقاء. قد يظن الجميع في البداية أنه مجرد عطل تقني، لكن هذا العطل سيعجل من ارتفاع الأدرينالين تدريجيًا، إلى أن يصل حد الصدمة النفسية وانتظار المجهول. علينا أن نتخيل العالم منذ هذه اللحظة دون أي وسيلة تواصل أو نقل تعتمد على الثورة التكنولوجية.
أيضًا علينا أن نتخيل حجم العلاقات العاطفية التي ستنتهي سريعًا، الجميع سيقع أمام مشكلة محددة، وهي كيف سأكتب رسالة إلى حبيبتي رسالة، يا إلهي لا أعلم ما هو عنوان سكنها، نسيت في أي ضاحية من المدينة الكبيرة تسكن، لا أعرف اسم الحي ورقم المنزل، وسيفرغ أطنانًا لا تحصى من الشتائم على الثورة التكنولوجية تعبيرًا عن الغضب. لا أحد منا يعرف عناوين الآخرين في بلاد الشتات، وكمية العلاقات العاطفية التي حصلت عبر الفضاء الافتراضي، وتحول الجميع إلى مجرد أرقام في سجل الهاتف الذكي جدًا، لن يعود هناك إمكانية للتواصل مع أحد، حتى صديقك الذي يسكن في ذات المدينة لن تجده بالسهولة التي تظن. ولن يخشى أحد بعد اليوم، أن يخترق أحد حساباته الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعية، أو أن يسرب له تسجيل سكايب مع أحد الفتيات الحبيبات الكثيرات في هذا الفضاء الرحب، لكن النسبة الأكبر ستشعر بالقلق لأنها لم تكتب شيئًا على حسابها الشخصي على موقع فيسبوك منذ اثنتي عشرة ساعة.
علينا أن نتخيل الحروب التي ستجتاح العالم، إذا ما اختفى الدخيل التكنولوجي من حياتنا، لن نستطيع أن نعرف ماذا يحدث في سوريا، لأنها ستكون فرصة ذهبية للنظام السوري لاستخدام كافة الأسلحة المحرمة دوليًا. سيعرف العالم بها، لكن بعد أسبوع على أقرب تقدير. وربما نسمع بأن عبد الفتاح السيسي باع شبه جزيرة سيناء. أو نشهد عودة الخلافة الإسلامية من جديد، والشعراء الصعاليك، وحروب المدارس الفلسفية، وسيزدهر عصر الغلمان من جديد.
من المرجح أن الحياة ستعود إلى ما قبل القرن التاسع عشر، وستعود المراسلات البريدية مرًة ثانية
لن نسمع بالكوارث البيئية، ولن نترقب إن كان الطقس مشمسًا أو ممطرًا في اليوم التالي، لن يهتم أحد لمصير الفقراء إن ازدادوا فقرًا، والأغنياء إن ازدادوا غنى، للصراحة لا يوجد أحد مهتم بهذا الوصف الأخير. لكن علينا النظر إليها من باب أن أكثر من 70% من سكان العالم سيصبحون عاطلين عن العمل، ريثما يتم ترميم هذا الشرخ الذي سيصيب الحياة البشرية، غالبًا سيموت الكثير بسبب الذعر.
اقرأ/ي أيضًا: لجان السيسي الإلكترونية.. هيا إلى الكذب!
لن يسمع سكان المدن بجرائم القتل، رغم أنها ستكثر، سيجد الآخرون في هذه العاصفة فرصة نادرة للانتقام من أعدائهم، علينا النظر بعيدًا أكثر، وننتظر الأخبار القادمة بعد حدوثها عندما تضرب السيدة العاصفة بكامل زينتها الشمسية الأرض، كأن يقتل الحراس الشخصيون رؤساءهم، أو أن يشهد العالم أرقامًا خيالية في الانقلابات العسكرية، الموت سيحاصر العالم، والحياة ستكون على بوابة النهاية التي تنبأ بها ذات يوم فرنسيس فوكوياما.
من المرجح أن الحياة ستعود إلى ما قبل القرن التاسع عشر، وستعود المراسلات البريدية مرًة ثانية، ويرتفع ثمن أوراق الرسائل، ولن يفكر أحد بالحصول على تأشيرة دخول لأحد البلدان، ولن تهددنا أوروبا بديمقراطيتها، سكان العالم بأكملهم سيصبحون سواسية.
العالم يحتاج إلى نهاية سعيدة، وتبدو هذه النهاية أكثر من سعيدة، إنها راقية للحد الذي سيجعل لارس فون ترير، يجلس وينظر إلى مشهد نهاية العالم كما توقعها في فيلم "Melancholia"، وسينتصر مع أنصار الرؤية السوداوية في العالم، على الكرة الأرضية بكاملها. أن تأتي العاصفة، يعني أن العالم بعد أن اعتاد على هذه الحياة السهلة سيجد نفسه على حافة الانهيار. في قدوم العاصفة شيءٌ من البهجة، أن نشاهد انهيار ما صنعه الجنس البشري بأُم أعيننا، إنها لمتعة نادرة الحدوث لن يحصل عليها غيرنا، نحن سكان هذا الكوكب الافتراضي.
اقرأ/ي أيضًا: