شهد منحنى العلاقة بين إسرائيل والدول الإفريقية صعودًا وهبوطًا متعدديين على مدار عمر هذه العلاقات التي تعود إلى بداية الخمسينيات من القرن الماضي، بعد فترة قصيرة من إنشاء إسرائيل. إذ نجحت الأخيرة في ترويج صورة لها باعتبارها دولة فتية ومسالمة وهو ما تماشى مع المزاج الأفريقي العام آنذاك وبداية نشأة الدول الأفريقية الحديثة.
اتجهت بعض الدول الأفريقية لإعادة علاقاتها مع إسرائيل بشكل فردي، إثر توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية كامب ديفيد
بيد أن حرب 1967 شكلت بداية مراجعة بعض الدول الأفريقية لعلاقتها بتل أبيب، حيث أدى العدوان الإسرائيلي على مصر وسوريا والأردن إلى تغيير صورة إسرائيل، في نظر الأفارقة، إلى دولة عدوانية وتوسعية، ومن ثم بدأ مسار قطع العلاقات بين إسرائيل وأربع دول إفريقية هي غينيا، وأوغندا، وتشاد، والكونغو برازفيل. وعقب حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، قامت الدول الأفريقية بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل بشكل جماعي "31 دولة"، وذلك بموجب قرار ملزم من منظمة الوحدة الأفريقية كإطار مؤسسي جامع للدول الأفريقية. ثم اتجهت بعض الدول الأفريقية لإعادة علاقاتها مع إسرائيل بشكل فردي، إثر توقيع مصر وإسرائيل على اتفاقية كامب ديفيد للسلام في عام 1978.
اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة
وبمرور الوقت كثفت إسرائيل تواجدها في القارة السمراء، بما يتناسب مع المصالح الحيوية لإسرائيل في هذا الصدد والتي تشمل على سبيل المثال ضمان الحصول على منفذ بحري فى البحر الأحمر والمحيط الهندى، وضمان الاتصال بالجاليات اليهودية مع استمرار هجرة اليهود من إفريقيا إلى إسرائيل، وتلبية احتياجات الاقتصاد الإسرائيلى فى مجالات التسويق والعمالة والمواد الخام وتصدير الأسلحة.. وغيرها.
ومنذ تسعينيات القرن العشرين، هناك تصاعد واضح في علاقات إسرائيل وتعاونها سياسيًّا وتجاريًّا واقتصاديًّا مع عدد من الدول الأفريقية، خاصة في شكل مساعدات اقتصادية وعسكرية لهذه الدول. فضلا عن حضور إسرائيل على نحو خاص في إثيوبيا، لمحاصرة الأمن القومي المصري من خلال التهديدات المرتبطة بمياه النيل بما يشمله ذلك من تهديد مشروعات الري والكهرباء بمصر.
وفي الوقت الراهن ترتبط إسرائيل بعلاقات دبلوماسية مع 41 دولة من بين الدول الـ 54 الأفريقية، كما أن لديها سفارات في 11 دولة من تلك الدول. فيما ترتبط بتحالفات خاصة مع دول مثل إثيوبيا وإريتريا ورواندا وبوروندى وكينيا.
ترتبط إسرائيل بعلاقات دبلوماسية مع 41 دولة من بين الدول الـ 54 الإفريقية
وعلى المستوى التنظيمي حصلت إسرائيل على وضعية "عضو مراقب" في منظمة الوحدة الأفريقية وكان مقرها الأساسي في أديس أبابا، وتمتعت بهذا الوضع حتى عام 2002، حينما جرى حل المنظمة واستبدالها بالاتحاد الأفريقي كإطار ناظم للعلاقات الإقليمية الأفريقية، تنضوي تحت لوائه كل الدول الأفريقية. وحاولت إسرائيل استعادة تلك المكانة فتقدمت في عام 2003 بطلب الانضمام إلى"الاتحاد الأفريقي" كعضو مراقب، إلا أن طلبها آنذاك قوبل بالرفض.
وتجددت إثارة الأمر من آن لآخر، كان أبرزها ما شهده مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي أعماله في مالابو عاصمة غينيا الاستوائية في عام 2014 عندما نجح المندوبون العرب في استصدار قرار بطرد الوفد الإسرائيلي المكون من 14 عضوًا، والذي جاء من أجل الحضور بصفة مراقب.
السبب في ذلك أن المشاركين العرب اعتبروا أن الوفد الإسرائيلي غير مرغوب فيه، وأن مشاركته ليست ضرورية، ولا تخدم غرض القمة. وهددت وفود عربية بإعادة النظر في علاقات بلادها مع غينيا فيما إذا لم يتم إخراج الوفد الإسرائيلي الذي اضطر للانسحاب تحت الضغط.
ويبدو أن الأمر قد عاد إلى واجهة المشهد السياسي الإقليمي على خلفية جولة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أفريقيا الشهر الجاري، والتي شملت أوغندا وكينيا ورواندا إثيوبيا، حيث وقعت تل أبيب العديد من الاتفاقيات مع هذه الدول في مجالات المياه والزراعة والتكنولوجيا والأمن وغيرها، كما تعهدت إسرائيل بتبادل المعلومات الاستخباراتية ومساعدة أفريقيا في الحرب ضد الإرهاب. خاصة مع تأكيد عدد من قادة تلك الدول على دعمهم لانضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي بصفة مراقب.
فرص واحتمالات حصول تل أبيب على عضوية الاتحاد الأفريقي
وفقًا لميثاقه، ينضم إلى الاتحاد كافة الدول الأفريقية والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ويهدف إلى تضامن الشعوب الأفريقية، والدفاع عن سيادة الدول الأعضاء والتكامل الاقتصادي.
اقرأ/ي أيضًا: تقرير تشيلكوت.. دماؤنا الرّخيصة!
وبالتالي فلا مجال واقعيًّا للحديث عن انضمام إسرائيل إلى عضوية الاتحاد الأفريقي، فهي غير واردة قانونيًا، لأن إسرائيل ليست دولة أفريقية بحكم الواقع الجغرافي، واتفاقية تأسيس الاتحاد لا تشير إلى إمكانية دخول أعضاء من خارج القارة الأفريقية. وبالتالي يمكن القول أن مطالبة بعض الدول الأفريقية بذلك لا تتعدى كونها تصريحات على سبيل المجاملات السياسية أو الاستهلاك الإعلامي.
أما ما يسمح به ميثاق الاتحاد، فهو منح صفة مراقب لبعض الدول التي تربطها علاقات خاصة بدول القارة، وهذا الوضع يتيح لهذه الدول أن تحضر جلسات الاتحاد ومنها الجلسة الافتتاحية، لكن لا يحق لها التصويت على أي قرارات. وتشمل قائمة الدول التي تتمتع بهذه الصفة في الاتحاد دولًا مثل تركيا وكازاخستان، فضلا عن فلسطين التي حصلت على هذه الوضعية في عام 2013.
تشمل قائمة الدول التي تتمتع بصفة المراقب في الاتحاد الأفريقي دولًا مثل تركيا وكازاخستان، فضلًا عن فلسطين التي حصلت على هذه الوضعية في عام 2013
ومن ثم، ما لم يتم تعديل ميثاق الاتحاد فجل ما يمكن أن تحصل عليه إسرائيل هو استعادة وضعية مراقب بالاتحاد الأفريقي. وكما سبقت الإشارة يبدو أن جهود تل أبيب في هذا السياق بدأت تؤتي ثمارها، وهذا ما تجلى خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأفريقية، إذ أعلنت بعض العواصم الأفريقية عن دعمها حصول إسرائيل على وضع مراقب، وتشمل هذه الدول كل من كينيا ورواندا وأثيوبيا وزامبيا وملاوي. بل إن رئيس الوزراء الأثيوبي هايلي ميريام ديسالين أكد في مؤتمر صحافي مشترك مع نتنياهو أن "إسرائيل تعمل بجهد كبير في عدد من البلدان الأفريقية، وليس هناك أي سبب لحرمانها من وضع المراقب". وأضاف "نريد أن تصبح إسرائيل جزءًا من نظامنا الأفريقي".
ويرى البعض أنه بجانب هذه الدول فمن المحتمل أن تحصل إسرائيل على دعم بعض دول المجموعة العربية في الاتحاد الأفريقي التي تقود -تقليدًيا- الاتجاه الرافض للطلب الإسرائيلي. ويقصد بذلك تحديدًا المغرب الذي يعد وطنًا لعدد كبير من اليهود وتربطه علاقات تطبيع اقتصادي وسياحي مع إسرائيل.
وعلى جانب آخر هناك من الدلائل ما يؤشر على أن الطلب الإسرائيلي في هذا السياق لن يحظى بالمقبولية التامة في المستقبل القريب، فمن ناحية أولى يرى البعض أن تولي الجنوب أفريقية نكوسازانا دلاميني زوما رئاسة مفوضية الاتحاد الأفريقي ربما يعرقل خطط تل أبيب في هذا السياق. خاصة في ظل تاريخ العلاقات بين إسرائيل وجنوب أفريقيا والذي يشوبه دعم إسرائيل للنظام العنصري في جنوب أفريقيا قبل إنهائه. وقد انعكس ذلك في البلبلة التي أثيرت خلال زيارة بنيامين نتنياهو العاصمة الإثيوبية التي تستضيف المؤسسات الأفريقية، فقد أشار البعض إلى أن رئاسة الاتحاد الأفريقي رفضت استقبال رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بعدما تقدمت سفيرة تل أبيب لدى إثيوبيا، بيلاينش زفاديا، منذ شهر بهذا الطلب. فيما أكد آخرون على أنه لم يكن من المقرر عقد أي لقاء بين نتنياهو ومسؤولين في الاتحاد.
يرتبط الرفض الأفريقي للطلب الإسرائيلي بموقف مبدئي بالأساس
من ناحية أخرى، تؤكد تصريحات بعض المسؤولين في الاتحاد الأفريقي على أن الرفض الأفريقي للطلب الإسرائيلي يرتبط بموقف مبدئي بالأساس، وهذا ما أشارت إليه تصريحات السفير عثمان نافع مندوب السودان في الاتحاد الأفريقي التي أكدت على أن "رفض المسؤولين بالاتحاد الأفريقي ينطلق من ثوابت ومبادئ ميثاق الاتحاد، الذي يعتبر إسرائيل دولة احتلال وعنصرية".
من ناحية ثالثة، قلل البعض من أهمية الدعم المعلن من قبل بعض الدول للطلب الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال أكد المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، أن دعم إثيوبيا وكينيا لانضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي، موقف يمثل الدولتين فقط، مستبعدًا أن تتبعهما في ذلك دول أخرى.
ومن ناحية رابعة، يطرح البعض عددًا من النقاط التنظيمية ذات الدلالة في هذا السياق، منها أن هذا الموضوع ليس مطروحًا حتى الآن على جدول مناقشات القمة الأفريقية المُقرر عقدها منتصف هذا الشهر. فيما لفت البعض إلى أن قرار قبول انضمام إسرائيل يحتاج إلى موافقة بالإجماع، وهو ما لا يمكن لإسرائيل تأمينه في اللحظة الراهنة.
يحتاج قرار قبول انضمام إسرائيل للاتحاد الأفريقي إلى موافقة بالإجماع، وهو ما لا يمكن لإسرائيل تأمينه في اللحظة الراهنة
التداعيات المرتقبة
يقلل البعض من أهمية وضعية "العضو المراقب" في المنظمات الدولية المختلفة لاسيما وإنه لا يضمن للدولة المراقب حق التصويت على القرارات الصادرة عن تلك المنظمات. بيد أن صفة المراقب في منظمة الاتحاد الافريقي تترتب عليها مجموعة من التداعيات أو النتائج التي تصب في صالح إسرائيل، فيما تعد خصمًا مباشرًا من رصيد الدول العربية، ويتضح ذلك على صعد عدة، على النحو التالي:
1- الصعيد التنظيمي أو المؤسسي:
يحق للدولة المراقب أن تقدم المقترحات والتعديلات وأن تشارك في المناقشات التي يشهدها الاتحاد، كما يحق لها أن تطلب الانضمام للكثير من الاتفاقيات العالمية التي يعد الاتحاد طرفًا فيها. وتتعدد من ثم المكاسب التى سوف تعود على إسرائيل فى حالة انضمامها للاتحاد الأفريقى تواجدها وإطلاعها على كافة المعلومات التى تخص المنظمات التابعة للاتحاد الأفريقى مثل الجمعية العامة للاتحاد الأفريقى واللجان المتخصصة ومحكمة العدل الأفريقية،
2- مركز إسرائيل كفاعل دولي:
أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أنه إذا ما نالت إسرائيل هذه المكانة فإن هذا التطور سيقود إلى تغيير استراتيجي في مركز إسرائيل على الصعيد الدولي. وفي تفسير ذلك يؤكد الخبراء على أنه من بين المزايا التي ستحصل عليها تل أبيب جراء صفة المراقب بالاتحاد هو الاستفادة من كتلة التصويت الأفريقية الضخمة التي تضم 54 دولة في المحافل الدولية لتأييد القرارات التي في مصلحة إسرائيل، لاسيما في الجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المحافل التي لا تتمتع فيها الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف والراعي الأول لإسرائيل، بحق النقض/الفيتو. ويستدل أصحاب ذلك الرأي على ذلك بحقيقة أنه منذ عدة شهور رفضت دول أفريقية التصويت على مشروع قرار يطالب تل أبيب بفتح مفاعلاتها النووية لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
اقرأ/ي أيضًا: انتحار جامعي.. بوعزيزي آخر في تونس
ويمكن ملاحظة أن هناك اهتمامًا متزايدًا في دوائر صنع القرار الإسرائيلية بمسألة التصويت في المنظمات الدولية، حتى أن رئيس الوزراء بنامين نتانياهو أضحى يكرر في لقاءاته بقادة وزعماء العالم أنه قد حان الوقت لترجمة العلاقات الثنائية القوية في صورة أصوات في المحافل الدولية.
3- التداعيات المتعلقة بالقضية الفلسطينية:
يطالب الاتحاد الأفريقي إسرائيل في كل قمة يعقدها بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967، فضلًا عن أن الاتحاد الأفريقي معروف عنه مواقفه الثابتة في دعم إقامة الدولة الفلسطينية، ويدين باستمرار الاستيطان الإسرائيلي.
ويرى البعض أن تمتع فلسطين بوضعية الدولة المراقب بالاتحاد الأفريقي يجعل إسرائيل ترى أن هناك حاجة ملحة لإيصال صوتها خلال اجتماعات الاتحاد الأفريقي، لتحدث حالة من التوازن مع الخطابات التي يلقيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي يحرص على إلقاء خطاب في كل اجتماع للاتحاد. فضلًا عن أن مأسسة التواجد الإسرائيلي في الاتحاد سيقوض جهود الدول العربية وعلى رأسها مصر والتي طالما نجحت في استمالة مواقف الدول الأفريقية للتضامن مع القضية الفلسطينية.
لا يمكن إغفال حضور ملف مياه النيل لدى النظر لمحاولات إسرائيل الانضمام للاتحاد الأفريقي
بل وتذهب بعض التحليلات إلى أن تواجد إسرائيل في الاتحاد الأفريقي، أيا كانت صيغته، ربما يمهد الطريق لاتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يقدم من خلاله الفلسطينيون قدرًا أكبر من الإذعان والتنازلات، إذ ستتوقف السلطة الفلسطينية في رام الله عن اللجوء للحلبة الدولية كملجأ لها وستضطر للتناقش مع تل أبيب على أساس ثنائي.
4- التداعيات الاقتصادية
على الرغم من كثافة الوجود الإسرائيلي الاقتصادي في القارة السمراء في الوقت الحالي، إلا أن وجودها بصفة مراقب في الاتحاد الأفريقي يتيح لها العديد من القنوات الشرعية إلى الكثير من المنظمات التي تهتم بموارد القارة السمراء مثل السوق المشتركة لأفريقيا الشرقية والغربية، المجتمع الاقتصادي لوسط أفريقيا، تجمع دول الساحل والصحراء، وهي منظمات تتحكم وفق بعض التقديرات في 30% من موارد أفريقيا، وهو ما يجعل وجود إسرائيل في الاتحاد الأفريقي له مكاسب اقتصادية مباشرة بالنسبة لتل أبيب. في السياق ذاته يكون بمقدور إسرائيل عقد بعض الاتفاقيات الاقتصادية بتسهيلات يوفرها الاتحاد للدول التي تنضوي تحت لوائه بشكل أو آخر.
أخيرًا لا يمكن إغفال التداعيات ذات الأبعاد الاستراتيجية التي ترتبط بشكل مباشر بملف مياه نهر النيل، والذي يشهد خلافات متصاعدة بين دول المنطقة بسبب اتفاقية عنتيبي التي تهدد الحقوق التاريخية لدولتي المصب، مصر والسودان، في مياه النيل، فضلًا عن قضية سد الألفية/النهضة الإثيوبي. ويمكن القول إن حضور إسرائيل لاجتماعات الاتحاد الأفريقي بصفتها مراقب سيكون له تأثيرات مباشرة على هذه الملفات لدى مناقشتها، إذ سيسمح ذلك لإسرائيل بالتأثير على قرارات الاتحاد وأصوات الدول الأعضاء، وذلك عبر إمكانية الوعد بتقديم منح ومساعدات لتلك الدول لدفعها إلى التصويت بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية في هذا السياق.
اقرأ/ي أيضًا: