لا يشكل الحديث عن عداوة وحقد إسرائيل على الفلسطينيين مادة ممتعة أو جديدة، ولا سبقًا بمعنى الكتابة الصحافية، إنما يشكل ما يفرضه الفلسطينيون على الماكينة الصهيونية من حالة رعب وقلق ولجوء إلى حملات شرسة عبر الإعلام العبري وعديد من الإعلام "العربي" للتشهير بمناضلي الشعب الفلسطيني تلك المادة.
بل وأبعد، فإن لدى الفلسطينيين طاقات وإمكانيات -تجلت في تجارب فردية أو جمعية أو مختلطة فيما بينهما- ما يؤهلهم لنهل دروس تكفيهم سنوات إلى الأمام، مما لا يشكل بيئة مريحة للمنظومة الأمنية والأيديولوجية الإسرائيلية، وهذا ما يعكس نفسه في الأداء الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي في إسرائيل.
لا إبداع إسرائيلي في الحملة الأخيرة ضد عزمي بشارة والتجمع الوطني، الحقد هو الرسالة الوحيدة والدائمة
ظهر رجل الإعلام الخاص الصهيوني آرييه جولان عبر شاشة القناة الإسرائيلية الثانية، الخميس الحادي عشر من شباط/فبراير، طاولة الحوار تلائم المزاج الأوروبي الأشكنازي من الطبقة الوسطى في تل أبيب، منحنى الخطاب يميني عنصري أبيض بامتياز، فكيف عندما يفتح ملف التجمع الوطني الديمقراطي ومؤسسه الدكتور عزمي بشارة في أروقة النقاش الإعلامي الإسرائيلي.
لا المحللون والنقاد، ولا مدير الحوار ومدبرته يظهرون أي علامات استرخاء أو راحة قبل نفخ الجرعة العنصرية المسممة بالتلفيقات والتهم "الأمنية"، ربما من باب إرضاء تشفي الأمهات الهائمات على شفا "كارثة وبطولة" في العرب وأصواتهم. بينما يرى أصحاب رأي في الإعلام والسياسة الإسرائيليين أن ليس كل النواب العرب "سيئون"، والمشكلة يمكن حصرها في بعض الخطرين والتعاطي معهم "بقسوة"، بل ويذهب أصحاب هذا الاتجاه أكثر إلى التحديد والتسمية، بين العرب الأخيار والأشرار في الكنيست الإسرائيلي، إلى الحد الذي وصل إليه جولان مؤخرًا، في الترويج لنظرية أن عزمي بشارة هو التهديد الأكبر، فهو مفكر ومنظر ومنظم، له تجربة حزبية وتجربة بناء حزب وهو نشيط في إطار القضية الفلسطينية بالرغم من ظروف المنفى التي واجهها منذ قرابة عقد إلى الآن.
هذا التقدير/الوصف، يتشارك فيه رجال الأمن الداخلي وجماعتهم في الإعلام الإسرائيلي أمثال جولان، كما يرون أن بشارة يشكل مصدر تخطيط وتمويل لتنظيم خطر، كان قد أسسه قبل النفي، أي التجمع.
ما أعاد كل هذا الحديث، الذي لا ينقطع، على طاولة الإعلام الإسرائيلي لكن بوتيرة أشد غزارة، هو تبعات القرارات الأخيرة لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والقوانين التي تستهدف إقصاء التجمع وقيادته ونوابه في البرلمان ضمن القائمة العربية الموحدة، لتنطلق التصريحات المرافقة بقيادة جوقة من عتاة "الشتامين واللطامين" الصهاينة، تبدأ الموجات باستهداف بشارة وتحميله مسؤولية 98% من التهديدات التي يواجهها الواقع الإسرائيلي! لتتوسع الدائرة نحو أعضاء الكنيست العرب عن التجمع حنين زعبي وجمال زحالقة وباسل غطاس، الذين شكلوا مادة خصبة للاستهداف الإعلامي مؤخرًا.
هذا ما يحدث على جبهة إعلام العدو، أما في الكثير من المواقع الإلكترونية "مجهولة الهوية"، فلسطينية وعربية.. إلخ، ليست ببعيدة عن يد ممولي الثورة المضادة وأذرعهم المتشعبة بين مصر وفلسطين، وغيرها، فمن المستغرب مدى التناغم في التوقيت والتزامن والأثر الارتدادي لكل كلمة تنشر ضد بشارة في الإعلام الإسرائيلي، تختفي الأصوات حينًا، لتعود وتظهر حالما تهدأ وتيرة الحملة في الإعلام الإسرائيلي، قد يكون غريبًا الربط، حتى في التوقيت، لكنه مثير للعجب حقًّا!
اقرأ/ي أيضًا:
الهجوم على "التجمع".. نتنياهو يحاول إرضاء قبيلته