انشغلت صفحات التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الصحفية بتداول تصريح الفنانة المصرية إلهام شاهين، التي أعلنت نيتها الزواج من الشخص الذي يقتل زعيم "داعش" أبا بكر البغدادي مهما كانت جنسيته، مؤكدة أنها ستعيش معه شهر عسل لم يحلم به طيلة حياته.
يبدو غريبًا في القرن الحادي والعشرين أن تعرض امرأة حرّة نفسها للنكاح مع أيّ رجل يأتيها برأس البغدادي
يبدو غريبًا في القرن الحادي والعشرين أن تعرض امرأة حرّة، تنتمي إلى دولة ودعت الحكم الملكي منذ عهود، وعاشت "ثورة يناير" الأخيرة، أن تقوم بعرض نفسها للنكاح مع أيّ رجل يأتيها برأس البغدادي، لا يهمّ أن تعرفه ويعرفها لتقبل به زوجًا.
اقرأ/ي أيضًا: ريهام سعيد.. أو المرأة التي تكره نفسها
يعيدنا هذا المشهد إلى الزمن الغابر، ونحن عشنا منذ سنوات أحداث المسلسل التركي "حريم السلطان"، ورأينا كيف تباع وتشترى وتهدى الجارية في عهد الخلافة العثمانية، ويأتينا هذا التصريح في عصر ألغى العبودية، وتقدّم أشواطًا في قضية تحرير المرأة. يبدو أن الفنانة إلهام شاهين ما زالت تستبطن الوعي القطيعي حول المرأة أو أنّها تأثرت بأحداث المسلسل التركي فأرادت أن تخلص الأمة من جحيم داعش بمزايا خصرها ونهديها، وتحوّل نفسها إلى جارية تعرض علنًا لقاتل زعيم داعش، زوج إلهام المستقبلي.
من المخجل أن نتحدث عن مواصفات شاهين الجمالية وأنوثتها التي فقدتها تحت تأثير عامل السنّ، لإغراء رجل ما لينكحها، حتى وإن حاولت أن تنفخ الشفاه والنهدين وتقوم بحميات متعددة لتفقد وزنها الزائد الذي سيعيق قاتل البغدادي عن التمتع بها كجارية فاز بها في رهان، خاصة أنّ عصرنا الحالي أطاح بالمقومات الجمالية لإلهام شاهين ومثيلاتها وعوضها بأخرى تفتقدها تمامًا، حتى وإن حاولت أن تكتسبها.
دفعني تصريح إلهام شاهين كامرأة إلى استعادة الصراع القديم والمتجدد: هل تختزل المرأة كوعاء للشهوات؟ وهل يختزل جسدها في عملية النكاح؟ أليست المرأة قادرة على الخوض في موضوع داعش بعيدًا عن الجنس وتقديم بدائل أخرى، كأن تنخرط في مشروع ثقافي أو تربوي يؤسس لوعي مواطني يقطع مع ماضوية داعش وتطرفها، من أجل وطن حرّ يتسع للجميع على قاعدة المواطنة؟ ربما تقدر فيما بعد على إنقاذ بعض شباب مصر من شبح داعش، سواء الذي يهاجر إليه من أجل أسباب عقائدية، أو أخرى اقتصادية.
بعد تصريح إلهام شاهين لا يمكنني استغراب فظائع داعش حول سبي النساء والتمتع بهن، خاصة أنّ فنانة تدعي أنّها ضدّ الرجعية والظلامية اتفقت مع هؤلاء أن المرأة مكافأة لجنس الرجال توزع في غنائم الحرب أو تباع وتشترى على قارعة الطريق، طالما أنّ المرأة في مخيالهما -شاهين وداعش- يختزل دورها في تلبية رغبات الرجل، وهي التي قد لعبت على المتخيل حيث سينكحها قاتل البغدادي بطريقة لم يحلم بها.
انصهر عقل إلهام شاهين مع داعش وصارت تتشبه به في كلّ شيء، فهي جائزة لمن يلبي رغبتها
انصهر عقل شاهين مع داعش وصارت تتشبه به في كلّ شيء، فهي جائزة لمن يلبي رغبتها، ومن أجل تحقيقها اعتمدت الإشهار الجنسي على طريقة داعش في استقطاب المحاربين هي الجسد المشتهى على الأرض مثل الحورية في السماء التي يظفر بها القاتل، رسخت هذه الفنانة ومثيلاتها كثر في الحقيقة فكرة أنّ المرأة لا تعدو سوى أن تكون وليمة دسمة على فراش الرجل يأتيها متى شاء وكيفما شاء، المهمّ أن تلبي رغباته وأنّ الزواج نكاح أعزكم الله قبل أن يكون وئامًا وتوافقًا.
اقرأ/ي أيضًا: فلسطين.. نسوية وتمويل
يأتينا تصريح إلهام شاهين من مصر بلد هدى الشعراوي ونوال السعداوي، وغيرهما من الكاتبات والناشطات ضدّ الذكورية والعنصرية ضدّ النساء، واللواتي ناضلن من أجل تحرر المرأة، ومن مصر اليوم التي تضمّ في سجونها شباب الثورة من رجال ونساء على حدّ السواء، ومن مصر التي يحاول نظامها غلق مركز النديم المتخصص في تـأهيل ضحايا التعذيب والعنف من النساء، ومن مصر التي شهد ميدان تحريرها حالات اغتصاب وكشوف عذرية للناشطات في ميدان التحرير، كل هذا حديث وما زال يحدث في مصر التي كانت قبلة العالم العربي في القراءة والطباعة والنشر لتصبح اليوم مزادًا مفتوحًا، مرّة يعرض رئيسها نفسه للبيع ومرّة أخرى تعرض فنانة نفسها للنكاح.
هل مصر اليوم هي مصر التي نعرفها؟ سؤال موجع ومؤلم، لا يمكنني الإجابة عنه ولكن يمكنني الجزم أنّ داعش لن تنتهي بقتل البغدادي، بل بتأسيس وعي بديل والانخراط في مشروع ثقافي من أجل دولة المواطنة والحرية للجميع.
اقرأ/ي أيضًا: