يقال إن وزير التربية والتعليم العالي اللبناني إلياس بو صعب هو الوزير الذي لم يترك أي بصمة إيجابية في مجال التربية والتعليم العالي. ويُتداول أنه يمر بأسوأ أيامه كوزيرٍ يسخر منه طلاب المدارس والجامعات في لبنان على شبكات التواصل الاجتماعي خاصة.
هذا الأخير، وبعد قراره عام 2014 إعطاء جميع من يمر بامتحانات رسمية ثانوية إفاداتٍ مدرسية دون شهاداتٍ رسمية، تخوّل لمن كان مصيره الرسوب ومن كان مصيره النجاح بتفوق إمكانية الوصول إلى الحياة الجامعية بأبسط الطرق. هكذا واجه "بوصعب" إضرابات المعلمين والأساتذة حينها.
الامتحانات الرسمية الثانوية في لبنان كانت ولا تزال أحد الكوابيس التي يواجهها كل من وصل "سالمًا" إلى آخر سنة تعليمية قبل الجامعة
وضع الوزير مشروعًا يقضي بمنح جميع من واصلوا تعليمهم المدرسي حتى آخر صف لهم، الضوء الأخضر ليبدؤوا حياتهم الجامعية دون أن يمروا بالامتحانات الرسمية الثانوية في لبنان، التي هي ليست الأفضل على المستوى الأكاديمي، بل أسوأ تجربة يمر بها الطالب اللبناني. إليكم تجربتي حين كنت تحت وطأة ما كنّا نسميه "امتحان الدولة للذكاء".
اقرأ/ي أيضًا: مصر.. "شاومينج" في مهمة إنقاذ طلبة الثانوية العامة
من كانت له حياة مدرسية في لبنان يعلم أن امتحانات الـ"تيرمينال Terminal" أي الامتحانات الرسمية الثانوية كانت ولا تزال أحد الكوابيس التي يواجهها كل من وصل "سالمًا" إلى آخر سنة تعليمية قبل الجامعة. وهي بالطبع التجربة الحقيقية والأدق لوضع لبنان الأكاديمي. على سبيل المثال، من يدرس الفلسفة في "الثانوية" يرفض اختيار منهاجٍ يليق بكلمة "فلسفة"، فإن كان الدين أو "الحكم السماوي" أحد الأشياء التي يُعارضها الفلاسفة، فلن تصل إلى الطالب المعلومة كما هي. لا مجال للطالب لأن يُفكر خارج منطق المجتمع المحافظ، وبالطبع لا مجال للطالب أن يجيب على أي سؤال خارج الأجوبة التي أُجبر على حفظها خلال فترات المراجعة المدرسية. وبالتالي يلغي النظام الأكاديمي اللبناني إمكانية "النقاش" في امتحان الفلسفة على سبيل المثال. وبالطبع هذا الأمر لا ينضوي تحت أي خانة خاصة بالمنطق الفكري والبشري.
ورغم تعريف الفلسفة الحقيقي، وهو "محبة الحكمة" وكونها مادة رئيسية في الامتحانات الرسمية، لا تظهر أي ملامح المحبة للحكمة والعقل، بل تلخص المادة في جملة "احفظ، وابصق جوابك على كرّاسك الدراسي"، لا تُفكر، نحن نفكِّر عنك ولك، "انجح وما عليك". عندما تظهر نتيجتك وتنجح عليك أن تعلم، أنه من اليوم فصاعدًا ستواجه صعوبة التفكير الراديكالي والرأي الشخصي، ففي الجامعة ليس هناك سؤال واضح وجواب واضح، بل أسئلة واضحة، ونقاش مُقنع ومجدي.
أذكر أن، قبل 24 ساعة من تقدمي لامتحاناتي الرسمية في قسم "الاقتصاد والاجتماع"، اتصل بي أحد الأصدقاء المقربين من عائلتي واقترح علي أن ألتقي به من أجل المساعدة في الامتحانات. حين اقترح هذا الأخير المساعدة، تأكدت أنه "سيُمارس الفساد" أيضًا عبر أوراق أجوبتي في الامتحانات. وصلتُ إلى منزل هذا الصديق، وإذ به يُسلمني نسخة من كل امتحانٍ رسمي سأمر به خلال أسبوع الامتحانات. توقعتُ أن تكون تلك الأوراق التي وصلت إلى يدي، عبارة عن نماذج مُقدمة من قبل بعض الأساتذة للامتحانات الرسمية.
ابتسامة الغش تبقى يوم النتائج على وجه كل الطلاب الناجحين غشًا
اقرأ/ي أيضًا: بكالوريا المغرب.. اعتقالات وإغماءات وتسريبات أيضًا
لم أكن أفضل الطلاب في صفي، بل كان اسمي دائمًا مدرجًا في منتصف لائحة العلامات المدرسية أو في آخرها. ومن شدّة خوفي من الرسوب، راجعت جميع الامتحانات التي قدمها لي هذا "الفاسد الأكاديمي"، لأتفاجأ في اليوم التالي أثناء تقديمي لامتحان الاقتصاد أن ما رأيته في الليلة السابقة هو الامتحان نفسه الذي أقوم بحلّه. ولكن المفاجأة الأكبر أن الامتحانات التي تلت امتحان الاقتصاد كانت في معظمها النسخة نفسها عن ما تسرب إلى طاولتي الدراسية في غرفتي قبل ليلة من الامتحانات.
نجح زكريا في الامتحانات الرسمية مع ابتسامة تُثبت أنّي كنت أغش دائمًا خلال الامتحانات، وهذه الابتسامة نفسها ظهرت على معظم من كانوا يقدمون الامتحانات نفسها في المبنى نفسه. اكتشفت أننا كلنا نغش وكلنا تصلنا تسريبات من وزارة التربية والتعليم العالي. وبالفعل ظهرت المصاعب في الجامعة. لا نلعب في الجامعة، بل نلعب فقط في أروقة وزارة التربية والتعليم العالي. ويبتسم وزراء التربية والتعليم العالي اللبنانيين الذين مروا على جميع الامتحانات الرسمية منذ أوائل التسعينيات حتى اليوم، ابتسامة الغش تبقى يوم النتائج على وجه كل الطلاب الناجحين غشًا وبالطبع "معالي ابتسامته" يتداول الأسامي على مقعد التربية والتعليم عبر 25 سنة من التعليم.
ليس الغش أسوأ شيء، بل تابعوا الخبر التالي الذي صدر في 8 حزيران/يونيو 2016: "إن الشكاوى بدأت في شأن مادة الفلسفة، وأحدثت إرباكًا، وأنا كوزير لدي صلاحية لإلغاء المادة، لكنه لم يكن القرار الصائب، وبعد اجتماع مع المعنيين قررت حذف بعض المحاور وإبقاء محاور معينة". هذا الخبر يؤكد نظرية: "لا تُفكر، نحن نُفكر ونقرر عنك".
اقرأ/ي أيضًا: