ربما لم نعد نملك تلك المشاعر التي تسمى تفاؤل في عالمنا العربي في هذه الايام ،عقب ما مر بنا من تدمير وسلب ممنهج لحلم الحرية أولًا، وتخلصنا من دكتاتوريات الورق التي ظلت رازحة فوق أعناق أجدادنا وصولًا إلينا، وما مجريات الكارثة السورية إلا شاهد صريح على حالة العقم والخزي الذي وصلت إليه "الدولة المركزية العربية".
مجريات الكارثة السورية شاهد صريح على حالة العقم والخزي الذي وصلت إليه "الدولة المركزية العربية"
مرد هذه الكلمات حالة الاستقطاب التي يعيشها السوريون حاليا فيما يخص موضوع الانسحاب الروسي من ارض المعركة السورية، فبين شامت ومتهكم على حال الاسد الان وبين حانق غاضب على تلك الخطوة الغريبة والمفاجئة انقسم السوريون متناسين القتل والة الدمار واستحقاقات تلك الخطوة ومدى خطورتها على ازمتهم التي تدخل عامها السادس.
اقرأ/ي أيضًا: جنيف 3.. لا حل في الأفق السوري
علينا أن نعترف أولًا وقبل الخوض في مآلات الانسحاب أن بوتين وقواته لم يأتيا كرامة لعين الأسد ونظامه، وأن موسكو التي دخلت بعتادها وجيشها كانت وما زالت تملك أجندة خاصة بها في المنطقة وغيرها، وما كانت ستتدخل لولا وجود أهداف إستراتيجية تتعدى سوريا والأسد، وهذا يقودنا بطبيعة الحال إلى تلمس إدارة الرئيس بوتين للملف السوري، بعيدًا عن شعارات الممانعة والمقاومة وصد الهجوم الإمبريالي الغربي الأمريكي على "سوريا الأسد".
منذ اليوم الأول للتدخل الروسي الذي حدد أيامه بوتين قائلًا إنه لن يمكث أكثر من ستة أشهر، كانت علامات التفاهم والتقارب بين موسكو وواشنطن على ضرورة مسك خيوط الثورة السورية، بحيث يصبح الشأن السوري شأنًا دوليًا بينهما، متجاوزين دور الدول الإقليمية المتمثلة بإيران وتركيا والسعودية، ومتخطين كذلك فصائل المعارضة ونظام الأسد على حد سواء، وهذا ما ظهر طيلة تلك الأيام التي أعقبت التدخل، فمن قرارات مجلس الامن إلى مفاوضات جنيف وفيينا وتصريحات ديمستورا وكيري ولافروف، وصولًا إلى ما يسمى بإعلان الانسحاب الروسي، كل تلك الخطوات كانت تعلن وأد الثورة بالمناسبة، وسحب بساط أوراق اللعبة من بشار ونظامه.
بالعودة إلى القرار الروسي "المفاجئ" الذي تحدث عن سحب القوات "الرئيسية" من المعركة، والالتفات إلى العملية السياسية التي ما زالت فصولها تستكمل بمفاوضات جنيف في هذه اللحظات، يبدو أن التفاهمات الروسية الأمريكية قد بلغت أوجها وحتميتها حول مسار الصراع وضرورة التسوية وفق رغبات ومصالح الطرفين، فماذا يعني قيام بوتين بهذه الخطوة بعد أقل من يومين على تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم الذي أعلن أن بشار الأسد خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
الإجابة تفصح عن أن الروس وحدهم من يحق لهم الحديث عن مصير الأسد، وأن تلك "العنتريات" التي يتشدق بها أزلام النظام لا تجد وزنًا في موسكو، بل إنها تعود على النظام السوري بعواقب وخيمة، كما قال كيري قبل أيام من مؤتمر جنيف لما وصفه من تعنت نظام الأسد لتسوية سياسية.
وحدهم الروس من يحق لهم الحديث عن مصير الأسد، وعنتريات أزلام النظام لا تجد وزنًا في موسكو
من جهة أخرى، وبخلاف ردود الأفعال الأولية التي تحدثت عن نصر دبلوماسي سعودي، فإن خطوة بوتين بسحب القوات الروسية ستعمل على الضغط المتزايد على المملكة من قبل الأمريكيين للرضوخ إلى متطلبات التسوية، وهذا يعني التخلي عن شرط الرياض وفصائلها، الوحيد القائل بضرورة رحيل الأسد أولًا قبل الحديث عن فترة انتقالية، أو ما شابه ذلك، والرضى بمرحلة انتقالية تمتد لـ18 شهرًا مع إمكانية رحيل الأسد خلالها أو بعد انتهائها.
اقرأ/ي أيضًا: الهدنة الروسية الأمريكية.. طبخة السم
الملفت من تداعيات هذه القنبلة الروسية، هو صمت تركيا وتنحيتها من خلال إغراقها بالقنابل والمتفجرات الكردية التي ما زالت تنهال على رأس أردوغان وحكومته، ولعلي أدحض فرضية المصادفة بشأن تفجير أنقرة الجديد وإعلان موسكو قرار الانسحاب.
إيرانيًا يتضح أن حسن روحاني وإدارته مهتمة جدًا بتطبيق شروط الاتفاق النووي وما يتبعه من رفع الحظر الاقتصادي وانعاش دولة خامنئي من الموت السريري الذي تعاني منه، وهذا يتطلب بالتأكيد موافقة الولايات المتحدة في رؤيتها للمستجدات على الساحة السورية، وهو ما تُرجم فعلًا بحسب مواقع اخبارية مقربة من حزب الله أنه قام فعلًا بسحب عدد من مقاتليه وإرجاعهم إلى الضاحية الجنوبية.
في اعتقادي أن مصير السوريين وثورتهم أصبح تمامًا في يد بوتين وإدارة أوباما "المتخاذلة"، ولهذا بدأت مقالي بضرورة عدم التفاؤل لهذه الخطوة، ذلك أن التكتيكات الدولية سرعان ما تتغيّر إذا طرأ عائق على الإستراتجية المتبعة.
لا نعلم ماذا تعني كلمة القوات الرئيسية التي ستسحب، ومتى سيحدث ذلك، وما موقف النظام على الارض والمعارضة بعده، وما هو دور الأزمة الأوكرانية، لكننا متأكدون أن الثورة السورية في طريقها إلى الجحيم والانتهاء إن لم تكن قد وصلت بالفعل الى ذلك.
اقرأ/ي أيضًا: