لم يعد الحديث عن تدخل عسكري مرتقب في ليبيا مقتصرًا على كواليس أجهزة القرار وتوقّعات المراقبين بل انتقل إلى العلن في الأيام الأخيرة مع تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين في الدول الغربية، ما يؤكد أن مسألة التدخل العسكري باتت أقرب مما مضى. ويتوازى الجدل حول التدخل العسكري مع جهود تشكيل حكومة توافق وطني تنفيذًا لالتزام الأطراف الليبية الموقّعة على الاتفاق الأممي في الصخيرات.
لا تزال الصورة غامضة في ليبيا خاصة مع تضارب تصريحات المسؤولين الغربيين، فيما يتعلق بإمكانية التدخل العسكري وطبيعة العملية
مؤشرات تتعاضد وتصريحات تتضارب
رغم كل المؤشرات الميدانية وما تبديه الاستعدادات العملية من إمكانية تدخل عسكري في ليبيا لمواجهة "تنظيم الدولة الإسلامية"، لا تزال الصورة غامضة في ظلّ عدم تشكيل حكومة التوافق بعد، وتضارب تصريحات المسؤولين الغربيين، سواء فيما يتعلق بقرار العملية العسكرية أو طبيعتها.
ففي تفاعل مع تطورّات اجتماع روما، الأسبوع الفارط، الذي جمع عددًا من مسؤولي دول غربية للتباحث حول الشأن الليبي، قال المبعوث الأممي السابق في ليبيا طارق متري إن "الغرب غير متفق حول التدخل العسكري". وفي هذا الجانب، صرّح وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، على هامش انعقاد الاجتماع المذكور، بـ"وجود مجموعات صغيرة للضغط من أجل التدخل العسكري في ليبيا"، دون نفي إمكانية مشاركة بلاده في عملية عسكرية.
وفي نفس الإطار، صرّح وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن بلاده لا تعتزم نشر قوات بريطانية في ليبيا. كما استبعدت مفوضة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية، فيديركا موغيريني حدوث تدخل عسكري قبل التوصل إلى اتفاق لتقاسم السلطة، مشدّدة على أهمية تشكيل حكومة توافقية. كما صرّح مندوب ليبيا الدائم في جامعة الدول العربية، عاشور بوراشد، مؤخرًا أن احتمال حصول تدخل عسكري في ليبيا ضعيف.
من جانب آخر، تؤكد مصادر إعلامية محليّة في شرق ليبيا وجود خبراء عسكريين أجانب يُرجّح مشاركتهم في إعداد خطة العملية العسكرية. كما نشرت وزارة الدفاع الإيطالية قطعًا بحرية قبالة السواحل الليبية تحت عنوان "حماية مصالح ومستخدمي مؤسسة (ايني) للطاقة في ليبيا".
كما تتعزّز الترجيحات حول الحسم في قرار العملية العسكرية والمرور إلى مرحلة الإعداد العملي مع اجتماع وزراء دفاع دول الاتحاد الأوروبي، نهاية الأسبوع الفارط، بالعاصمة الهولندية أمستردام. وفي نفس السياق، أكّد وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، هذا الأسبوع في استجواب أمام البرلمان، قيام بلاده بطلعات استكشافية في ليبيا.
ويمثل تشكيل حكومة التوافق، وفق تصريحات المسؤولين الغربيين، خطوة أساسية للتدخل العسكري من الزاوية القانونية. حيث من المرجّح، وفق مراقبين، أن يتمّ التدخل العسكري بعد طلب رسمي من الحكومة التوافقية لتستجيب العمليات لضوابط القانون الدولي، وذلك على غرار التدخل الفرنسي في شمال مالي سنة 2013، والذي تمّ إثر طلب من حكومة باماكو. ويمثّل هذا التوجه المدخل المرجّح للدول الغربية للقيام بعمليات عسكرية في ليبيا، وذلك لتلافي المرور عبر مجلس الأمن وما يستلزمه من عقد توافقات مع العضوين العنيدين، بالمنظار الغربي، روسيا والصين.
لا تظهر مؤشرات حول هذا التوجه المنتظر، ليس فقط مع التأخير في تشكيل الحكومة، بل كذلك بالنظر لتصريح عضو المجلس الرئاسي ونائب رئيس الحكومة أحمد معيتيق حول عدم إمكانية قبول وجود قوّات أجنبية في ليبيا. وهو ما يشكّك في مدى وجود أرضية سياسية داخل ليبيا للعملية العسكرية المرتقبة.
كما يُطرح الجدل حول طبيعة التدخل العسكري، بين القيام بعملية بريّة، أو القيام بضربات جويّة ومنح غطاء جوّي للقوات الليبية. وذلك بالموازاة مع إعلان تشكيل قوات أجنبية بقيادة إيطالية لتدريب المجموعات العسكرية الليبية.
الهدف تنظيم الدولة أم غيره كذلك؟
يُطرح الجدل حول طبيعة التدخل العسكري في ليبيا، بين القيام بعملية بريّة، أو ضربات جويّة ومنح غطاء جوّي للقوات الليبية
يمثّل "تنظيم الدولة الإسلامية"، الهدف الأساسي للعملية العسكرية المرتقبة في ليبيا. حيث يمثل التنظيم مصدر الخطر الأساسي ليس في ليبيا فقط، بل كذلك لدول الجوار ودول شمال المتوسط التي تخشى أن تكون ليبيا قاعدة لإعداد هجمات إرهابية بداخلها. ويتمركز حاليًا التنظيم في مدينة سرت وسط البلاد، ويحاول التمدد شرقًا في مراكز الموانئ النفطية، وكذلك غربًا وهو ما استدعى مؤخرًا اتخاذ إجراءات أمنية مشددة بالمحور الشرقي لمدينة مصراتة. وذلك مع وجود مجموعات صغيرة للتنظيم في مدينة صبراتة غرب البلاد، مع الخشية من وجود خلايا نائمة بالعاصمة طرابلس.
وتتناول تقارير إعلامية غربية توجّه قيادة "تنظيم الدولة الإسلامية" في سوريا إلى التمركز في ليبيا وجعلها قاعدة للتنظيم خاصة في ظلّ تكثف الهجمات الجوية ضد التنظيم في سوريا والعراق. وهو ما زاد من تخوّفات الأوروبيين من تمثّل التنظيم كـ"سمة دائمة" في ليبيا، مع ما أعلنه مؤخرًا وزير الدفاع الفرنسي ايف لودريان بأن" تنظيم الدولة يسيطر فعليًا على جزء من البحر الأبيض المتوسط".
إضافة إلى ذلك، تسيطر مجموعات أنصار الشريعة، التابعة لتنظيم القاعدة، على مدينة درنة، والتي تمثّل ساحة صراع بين مجموعات أنصار الشريعة من جهة ومجموعات تنظيم الدولة من جهة أخرى. ويُنتظر أن يمثل "مجلس شورى مجاهدي درنة" بدوره هدفًا لأي تدخل عسكري منتظر.
غير أن ما يخشاه مراقبون، هو استهداف التدخل العسكري للمجموعات المسلّحة الرافضة للاتفاق الأممي وللحكومة المنبثقة عنه، وهي أساسًا المجموعات المؤيدة لرئيس المؤتمر نوري بوسهمين، والمنضوية أساسًا في إطار قيادة الأركان المتمركزة في العاصمة طرابلس. وذلك إضافة إلى مجلس شورى بنغازي الذي يسيطر على عدد من محاور المدينة. وتتزايد هذه التخوفات في ظلّ إعلان الفاعلين الدوليين عن عقوبات ضد رافضي الاتفاق الأممي، وذلك قد تنضاف هذه المجموعات إلى قائمة الأهداف العسكرية.
ويشدّد مراقبون أن استهداف العملية المرتقبة للمجموعات المسلّحة الرافضة للاتفاق الأممي، وإن بطريقة غير مباشرة كمنح غطاء جوّي للمجموعات المؤيدة للاتفاق في بنغازي وطرابلس تحديدًا، سيؤدي إلى انفجار الوضع، وذلك باستقواء طرف سياسي على طرف آخر بقوّة أجنبية، وهو ما يعني نسف جهود تأسيس اتفاق جدّي بين مختلف الفاعلين السياسيين في ليبيا.
اقرأ/ي أيضًا: