التهمة: "قيد التحقيق"، الحكم: "حبس مؤقت"، والعقوبة: "انتظار المجهول خلف القضبان"، أما الواقع فهو "سجن دون تحديد مدة زمنية"، بهذه الكلمات لخص الأستاذ في القانون لخضر بلعاليا لـ"الترا صوت" عذاب السجناء المحكومين بقرار "الحبس المؤقت" في الجزائر، هذا القرار الذي أصبح معضلة قانونية تسقط معها الآلاف من الضحايا وتضع العدالة الجزائرية في قفص الاتهام.
أصبح قرار الحبس المؤقت في الجزائر معضلة قانونية تسقط معها الآلاف من الضحايا وتضع العدالة الجزائرية في قفص الاتهام
"الحبس المؤقت يرفع من نسبة قلق المحبوسين ويرهق المحامين"، حسب تعبير الأستاذ بلعاليا، الذي يضيف: "لأنه يسلب الحرية الفردية وهو عقاب مسبق على المتهم رغم وجود قرينة البراءة في العديد من القضايا، كما أن قاضي التحقيق يعتبر قاضيًا وسيطًا لا يحق له تسليط عقوبة على أي كان منطقيًا".
اقرأ/ي أيضًا: الجزائر.. البراءة لا تكفي لرد الاعتبار
ما يبرر مخاوف رجال القانون في الجزائر من عقوبة الحبس المؤقت أن "المؤقت صار دائمًا"، حسب تصريحات متفرقة لـ"الترا صوت"، حيث استقبلت لجنة تعويض ضحايا الحبس المؤقت أكثر من 3000 ملفًا تتعلق بمحبوسين بشكل مؤقت من 6 أشهر إلى أكثر من 60 شهرًا وذلك خلال العشر سنوات الأخيرة. ورسميًا، ذكر وزير العدل الجزائري، الطيب لوح، في تصريحات صحفية مؤخرًا أن "الجزائر مرت بخطوة إيجابية في حل مشكلة الحبس المؤقت، حيث إن نسبته لا تتجاوز 4% فقط على المستوى الوطني".
كما كشف وزير العدل عن تعديلات مرتقبة لتنظيم السجون واستصدار تدابير جديدة في إجراءات الحرية، مشددًا على أن "مقومات قانون الإجراءات المدنية والإدارية جاءت مجسدة لمبدأ المساواة أمام القضاء وتيسير اللجوء إلى مرفق العدالة وتوفير شروط ضمان المحاكمة العادلة من خلال تكريس حق الدفاع للجميع وكذلك حق استعمال طرق الطعن والفصل في القضايا خلال آجال معقولة تفاديًا لطول مدة الحبس المؤقت".
"الأرقام لا تكشف المستور"، تقول المحامية سعيدة زيتوني لـ"الترا صوت"، حيث عالجت عدة قضايا راح ضحيتها أحد موكليها في إطار الحبس المؤقت الذي دام أزيد من سنتين وسبعة أشهر لتثبت براءته في النهاية، فبعد مرحلة المجهول والانتظار ومحاولات إثبات البراءة تبدأ مرحلة التعويضات عن الحبس المؤقت لكن الكثير من الضحايا تعرضوا إلى وعكات صحية في فترة الحب ، وضاعت معها الكثير من الحقوق علاوة على تأثير ذلك على حياتهم داخل المنظومة المجتمعية.
استقبلت لجنة تعويض ضحايا الحبس المؤقت أكثر من 3000 ملفًا تتعلق بمحبوسين من 6 أشهر إلى أكثر من 60 شهرًا وذلك خلال العشر سنوات الأخيرة
اقرأ/ي أيضًا: قصص سجناء يخوضون امتحانات البكالوريا في الجزائر
أي ثمن للحرية؟
هل يمكن تعويض حرية أي شخص؟ سؤال طرحه "الترا صوت" على مجموعة من القانونيين والمحامين في الجزائر، لتجد الجواب المقتضب التالي: "الحرية لا يمكن تعويضها بأي شيء كان" ، لكن رغم ذلك يجب استرجاع حق المحبوسين مؤقتًا معنويًا وماديًا، بعدما طال المؤقت وصار المحبوس يعيش أيامًا وأشهرًا معدودات وحتى سنوات وراء القضبان دون أي إثبات إدانة أو إصدار حكم نهائي أو إثبات براءة.
من الناحية التشريعية قالت المحامية زيتوني بأن الدستور الجزائري ينص على أن كل ضحية للحبس المؤقت أو الخطأ القضائي يستحق التعويض وذلك من مبدأ قرينة البراءة أي أن كل متهم بريء حتى تثبت إدانته. وفي قراءة أخرى لموضوع الحبس المؤقت في الجزائر، قال المحامي علي جرادة إنه "لا يوجد في العالم نظام قضائي مثالي ولا يشهد معضلة طول مدة الفصل في مختلف القضايا، وخاصة المتعلقة منها بالشأن العام والفساد"، وأضاف لـ"الترا صوت": "بطء الإجراءات يعود لتعدد طرق الطعن التي غالبًا ما ينجر عنها استياء وعدم رضا المتقاضين".
وبعد رحلة المجهول من وراء القضبان، يباشر "المحبوسون مؤقتًا" إجراءات التعويضات عن فترة الحبس المؤقت، حيث رفعت أمام العدالة الجزائرية المئات من ملفات الدعاوى القضائية في هذا السياق، حيث يشير عديد المحامين إلى أن بعض الضحايا تحصلوا على حقوقهم في المحكمة العليا، لكنها غالبًا غير قابلة للتنفيذ بسبب تماطل الهيئة المالية المخولة بدفع التعويضات وهي "خزينة ولاية الجزائر"، وفقًا لما ينص عليه قانون الإجراءات الجزائية، ليتحول هؤلاء من ضحايا قرارات قضائية يصفونها بـ"العشوائية " إلى "ضحايا تعنت الإدارة الجزائرية".
اقرأ/ي أيضًا: