تتشابه القدرات الشخصية والفكرية التي يتمتع بها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع معظم رؤساء الدول العربية، حيث يمكن ملاحظة أن شخصية السيسي، تختصر في أفعالها أكثر من ثلاثة إلى أربعة رؤساء، أي أنه يشكل حلقة وصل لأقرانه من الدكتاتوريين أصحاب الفخامات العربية، لا بل يتجاوزها حتى حدود الأساطير الشعبية المتبادلة في المقاهي عن الأبطال الخارقين.
يحاول السيسي التقرب من الطبقات الاجتماعية في مصر، بلعب دور "الرئيس الغلبان"، يتحدث معهم كما لو أنه يملك أكثر من جسد
وفي البحث خلف هفوات الجنرال على مواقع التواصل الاجتماعي، نجد أنه يملك مفاتيح المعرفة كاملة، التي يقدمها للمجتمع مجانًا على اعتبار أنه "الريس الغلبان"، الذي يملك مفاتيح الحياة المطلقة، من عدة نقاط يمكن تناولها على الشكل التالي:
سياسيًا
أعاد السيسي جمهورية مصر العربية إلى مراحل ما قبل الحياة السياسية، الرجل قطع علاقاته مع معظم الدول التي كانت حليفًة للرئيس محمد مرسي، معتبرًا أنها تحمل بذورًا إخوانية، ونظم انتخابات برلمانية صورية أوصل فيها حاشيته إلى مقاعد مجلس الشعب.
إلا أن الأخطر في سياسة السيسي والذي شَعَرَهُ المنتفضون في "جمعة الأرض"، أنه أصبح إقطاعيًا يتحكم بحدود مصر وكأنها مزرعة ورثها عن والده، مثلما يفعل بشار الأسد في سوريا، حليف الجنرال الجديد، إذ إن في كلاهما تشابه في تنفيذ أفكار الأمهات السياسية في كيف تصبح دكتاتورًا في عشر ساعات، وهنا تكمن عظمة الأفكار السياسية التي نتعلمها من المشير المستقيل شكليًا.
اقرأ/ي أيضًا: الجسر بين مصر والسعودية..يبدأ بجزيرتين
عسكريًا
رجل الجيش الذي استقال من منصبه وزيرًا للدفاع كي ينقذ مصر من "القوى الظلامية"، التي وصلت للحكم عبر صناديق الديمقراطية الشعبية. تظهر عليه ملامح المهارة في تنفيذ المؤسسة العسكرية لقراراته التي تعزز أركان حكمه، بدأ معهها بإزاحة مرسي من السلطة، وزجه في السجن، قضى على ثورة 25 يناير مدعيًا أنه جاء لحمايتها، وبعدها حول مصر إلى سجن كبير.
في تظاهرات يوم الجمعة الفائت، أثبت أن سياسته العسكرية لن تمنعه من اعتقال، كل من يشعر بعدم الرضا عن بيع الجزر، الفيديوهات التي عرضت على المواقع الإلكترونية، تذكرنا ببدايات الثورة السورية، عندما كان الجيش مع الشببيحة يقتحمون الأحياء لقمع المظاهرات السلمية. أنزل الجيش إلى الشارع ليقمع المحتجين على الصفقة المشبوهة، يبدو أنه لم يعجب بما حصل مع الرئيس الأسبق حسني مبارك، هو في الأصل لم يكن معجبًا بثورة 25 يناير، لكنه استفاد من التجربة السابقة، وقرر أن يقبض بيده على الجيش حتى لا يواجه مصيرًا مشابهًا.
اجتماعيًا
يحاول التقرب من الطبقات الاجتماعية في مصر، بلعب دور "الرئيس الغلبان"، يتحدث معهم كما لو أنه يملك أكثر من جسد، ينغمس بين العامة لمعرفة مطالبهم، عندما يكون منزعجًا من فعل أحد أفراد المجتمع يؤنبهم بعطف "ما يصحش كده"، مناصرًا للفقراء حتى إن تطلب ذلك "بيع نفسه" ليثبت أنه صادق.
اقرأ/ي أيضًا: تيران وصنافير..من المستفيد
ولكنه يظهر صارمًا في نفس الوقت، يطلب من ممثلي المجتمع الذين لم يختارهم المجتمع، راجيًا عدم التحدث في موضوع الجزر مرة ثانية، لأن البرلمان الذي شكله هو من سيثبت شرعية منحة الجزر المصرية، مع المثقفين يكون بمثابة الأب الروحي، يروي لهم شذرات إنسانية عن أقوال والدته عندما علمته أن "ما يطعمش باللي في أيد الناس.. حتى لو كان والدك"، وفي أوقات الفراغ يقدم نصائحًا مجانية لرواد السوشيال ميديا، لذلك نراه متغلغلًا في مختلف شرائح المجتمع، كما لو أنه مخلوق لا تمكن رؤيته بالعين المجردة.
اقتصاديًا
شهد الاقتصاد المصري خلال فترة حكمه ازدهارًا لم يحصل من قبل، حتى أكثر المتفائلين لم يتوقع أن يسقط الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، ويقضي على ما تبقى من فقراء أم الدنيا، أما فيما يخص الأموال التي تلقاها سابقًا من بعض دول الخليج، بعد عدة مقايضات أجراها معهم، فأن ذلك يدخل في أرصدة الحسابات الشخصية الخارجية.
كما أنه يملك ميزة التفاوض الموجودة عند أغلب التجار الكبار، يبيع نفسه، يبيع الأرض، وإذا حصل أن تمكن بالوصول إلى سعر مناسب يمكنه أن يبيع الشعب أيضًا، مقابل أن ينقذ الجنيه من الانهيار، والسياحة من السائحين نادري الوجود في هذه الأيام.
ثقافيًا
يخشى تمامًا من تعرض أفراد المجتمع لحملات التضليل الإعلامي، لذلك حجب معظم المواقع الإخبارية المحرضة على الفتنة، وتحدث عن خطورتها في أكثر من مناسبة، حتى أنه التقى المثقفين المصريين، وناقش معهم -من دون أن يستمع لهم- الهجمة الإعلامية المغرضة التي تتعرض لها مصر.
شعاره الذي يضعه هدفًا ثقافيُا يختصر بجملة "الأهم من الأكل والشرب أن نعلمهم كويس"، أي الأطفال الذين يطمح لبناء شخصيتهم بشكل معتدل، حتى يطلب من المصريين أنهم "ما يسمعوش كلام" غيره، وهنا تتجلى قمة الاعتدال.
ما سبق، ليس إلا محاولة مختصرة للربط بين أنواع مختلفة من مهارات عبد الفتاح السيسي، إلا أن أهم ما يميز وجوده كظاهرة، هو أنه ملأ الفراغ الذي خلفه الرئيس الليبي معمر القذافي، وإذا ما بقي عامًا إضافيًا، سيسبق الأخير في إلقاء الخطابات، واكتشاف المناسبات الوطنية التي يجهلها الشعب، ومن يعرف ربما نجده بعد عامين ضمن لوائح مجموعة غينيس للأرقام القياسية.
اقرأ/ي أيضًا: