يقول عبد الفتاح السيسي "عينك لما تشوف الغلط وتسيبه، حرام عليك لو شفته وتسكت، كفاية تجارب في بلدنا، لأنه لم يعد هناك وقت لذلك". هذا التصريح لا يخرج إلا من رئيس يرى في نفسه الشخص البعيد عن كل خطأ، المترفع عن أي سوء، ومن هذا المنطلق يفعل ما يريد وقتما يريد وأينما يريد.
رئيس يدعو الشعب دعوة صريحة واضحة أن لا يصمت عندما يرى الخطأ جليًّا أمامه، ولا يتركه ويذهب قبل أن يغيره، فهو أمر محرم إن رأت أعين الشعب الخطأ وتركته، فمن الواجب الوطني والديني التحرك لتغيير هذا الخطأ الجلي. يدعو الشعب لتغيير الخطأ، ثم يخوّن من يدّعي أن هناك خطأ في الطريقة التي تُدار بها الدولة. يدعو إلى حرية الكلام والإشارة باللفظ أو بالفعل أو بالإيماء نحو الخطأ، ثم يُخرس الألسنة إن ناله النقد وسوء الحديث، ويقطع الأيادي إن رُفعت بعلامة معادية للنظام، ويترك الحراس ليرفعوا إصبعهم الأوسط في وجه إيماءاتنا.
يدعو السيسي الشعب إلى تغيير الخطأ، ثم يخوّن من يدّعي أن هناك خطأ في الطريقة التي تُدار بها الدولة
وإن حدثت الهوجة على شخص ما من نظامه، أقاله وأتى بأستاذه الكبير "الزند"، وإن عارضه شخص، ألقى به في غياهب الجب غير آسف. يقول إن بلاده أم الدنيا، فنرى المقابل ملايين من المهاجرين وأضعافهم ممن لم تواتهم الفرصة بعد. يتباهى بدولة القانون، فلا نرى القانون يُطبق إلا على المعارضين، يشير إلى ضرورة التقشف، فتزداد رواتب رجاله يومًا بعد يوم، ولا يصيب التقشف إلا غالبية الشعب الفقير، لا نرى التقشف إلا في الكرامة والشرف والصدق والشفافية.
يتحدث عن نزاهة القضاء، فنفاجأ ببراءة الفاسدين المفسدين والقاتلين والسارقين والهاربين، يتحدث عن استقلال القضاء، فتأتينا الأحكام المسيسة من حيث لا ندري، ولا ندري لما يدير الأمور بمثل هذه الطريقة، وليس هناك سبب واضح غير التصريح المرفق أعلاه، فهذا نظام لا يخطئ ولا يبصر إلا خطأ الغير، فيجب بداية قبل أن تنتقد، أن تحدد الخطأ الذي تبتغي تغييره، لأنه إن كان في جانبهم "قول على نفسك يا رحمن يا رحيم".
كل من يتجرأ على الحديث ضد المذكور أعلاه، ما هو إلا محض إرهابي يسعى إلى الخراب والتدمير وإيقاف المسيرة والخروج عن الحاكم المؤمن والبعد عن الصراط المستقيم. ما هو إلا كافر ارتد عن جمهور المؤيدين. ما هو إلا من الخوارج، الخارجين عن طاعة إمام الأمة. ما هو إلا مجنون يرسل ترهاته وتفاهاته وأفكاره المنبوذة إلى جمهور العبيد الأغبياء الذين لا يعرفون أين توجد المصلحة العامة.
كل من تسول له نفسه بالاعتراض، تُهدد حريته في أي لحظة، تُهدد عائلته، بل تُهدد حياته نفسها وتصبح على شفا حفرة. وأيضاً يُلمّح المذكور أعلاه إلى ضرورة استغلال الوقت بالشكل المناسب، فليس لدينا الرفاهية لتضيعه، ويعترض على التجارب غير المجدية، فيرى في نفسه أيضًا الفارس المنقذ الذي لا تدخل تجاربه دائرة الخطأ، فجاء في الوقت الحرج لكي ينتشل البلاد، وإياكم من الخطر الفتاك والفقر المدقع والعدو المتربص والإرهاب المنتظر والعنف المحتمل.
وما دون تجاربه ما هي إلا تجارب زائفة تسعى لتعطيل المسيرة وإضاعة الوقت ولن يسمح بذلك أبدًا، لأنه لم يعد هناك وقت، فيهدر أوقاتنا في تجارب كاذبة كـ"الكفتة" والعاصمة الجديدة والمليون شقة وعربات الخضار والمدرعة المصرية وغيرها من التجارب التي لا تقل كوميدية عما سبق.
هذا التصريح يحمل في باطنه دعوة إلى الثورة على هذا النظام وعلى صاحب التصريح. هذا التصريح إن عمل به الشعب وأطاع رئيسه، فأول خطأ سيصححه، سيكون النظام ذاته.