ربما يكون سر العلاقة القوية التي تربط السوري بسيارة "جيب واز" (uaz) الروسية الصنع، المخصصة للمسالك الوعرة، أن السوريين يدركون بأن الجمال هو جمال الروح قبل أن يكون جمال الشكل، فتلك المرايا -يدوية الحركة- التي قد تحتاج للتزيت تعكس روح العسكرية الصارمة التي يتميز بها الجندي السوري والتزامه بعهوده تجاه وطنه ومواطنيه، لحمايتهم والذود عنهم ضد كل متربص بأمنهم وأمن وطنهم، أما ذلك المعدن الصلب الذي يكسو السيارة حاملًا لون الزيت العكر فهو تمثيل حقيقي للون الكرامة الوطنية التي تمثلها البدلة العسكرية.
ربما يكون سر العلاقة القوية التي تربط السوري بسيارة "جيب واز" أنها روسية الصنع بالأصل!
لا يحتاج الأمر إلى شرح أو إسهاب، فكلنا يعلم كم تهيم فتياتنا حبًا، وكم يفقدن صوابهن عشقًا وولهًا، حين يمر لابس بدلة عسكرية بقربهن، خاصة إن كان عائدًا من حملة قمع تستهدف أي محتج أو خارج على نظام الحكم الضامن لأمن البلد وأمانه أبديًا، أو من حملة تأديب في أحد الأفرع الأمنية لمواطن آثم سولت له نفسه أن يطالب بحرية تعبير زائفة، أو حق إنساني مستلب في ظل قوانين الطوارئ التي اعتاد عليها المواطنون المطيعون الشرفاء.
اقرأ/ي أيضًا: قمر على بلادي البعيدة
وليس من الجدوى في شيء أن نتشتت عن مديح محرك سيارة الأحلام العسكرية ذي الصوت الخشن، الذي قد يوقظ كل نيام الحارة البسطاء المترفين لدى دخول الضابط المزركش بالنياشين مع سائقه عبر الشوارع التي ترتجف خوفًا من قرقعة موتور السيارة المتداخل مع ضحكاته المتقطعة حين يكلمه سيده المسؤول ذو الرتبة الأعلى، شارحًا له كل الإنجازات التي حققها في دورة التدريب الجديدة للعساكر المبتدئين، فقد أنساهم في ثلاثة أشهر حليب أمهم الذي رضعوه، وجعل منهم كائنات تأكل الحجر البركاني الأسود بعد سلسلة الشتائم والعقوبات والتنكيل التدريبي القاسي خلال فترات التدريب.
هكذا يهدر المحرك السيارة العسكرية كأسد مبتهج وشبعان لدى عودة الضابط العسكري في إجازة مستحقة، أو عطلة نقاهية لرؤية بيته وأهله المشتاقين، سيما وأن عساكره وحجّابه المخلصين المتملصين من خدمة العلم لخدمته قد انتهوا مؤخرًا من صب الإسمنت في الطابق الثالث لبيته الجديد، الذي حصل على ترخيص بنائه بقوة الواسطة وشرف المهنة العسكرية.
اقرأ/ي أيضًا: الإصغاء إلى لغة الحجارة
يستذكر صوته حين يخيف العساكر الصغار بصراخه فيجأرون كالنمور الهائجة بينما يركضون كدجاجات تفر من ثعلب: "زمجر بغضب، وانتقم من أعداء بلادي.. صاعقة"، فيبتسم مليًا قبل أن ينزل من سيارته ويربت على بابها الرائع، ثم يوصي سائقه بالعودة مساء كي يتنعم بسهرة مع بقية الضباط الذين سبقوه في الولوج لنعيم الإجازات.
انتصرت روح سيارة الـ"جيب واز" الجميلة لدى كل عاشقي الأبواط العسكرية، كانت مثار للسخرية
لا شك بأن سيارة الـ"جيب واز" التي كانت مثار السخرية دائمًا، قد انتصرت روحها الجميلة لدى كل عاشقي الأبواط العسكرية، بعد أن تغيرت مهمتها المنوطة بها من خدمة لعائلة الضابط ومدامته وجلب حاجياتها من السوق، وتوصيل ابنتها التي حصلت على أسئلة امتحانات الشهادة الثانوية عبر عطف المحبين من معارف والدها، إلى ساحات المعارك والشوارع في مختلف بقاع القطر العربي السوري، بعد أن حلت عليه رياح التغيير التي فتكت بأمنه وأمانه، خاصة وأنها تمتلك الجنسية الروسية.
ولكن المسامح كريم، فالمواطن السوري الذي يرسل أولاده لخدمة العلم لن يحقد على ضابط أو مسؤول أمني كبير، طالما كان الضابط واضعًا نصب عينيه مصلحة الوطن فوق مصالح الشخصية، ولا ضير من تحمل أصوات تشبه أصوات قرقعة البطن لدى تشغيل السيارة المخلصة، فهذا قد يناسب مزاج الضابط المتحفز لمكافحة الإرهابيين، ولا ضير من أن يعلق بعض الشحم الأسود المنفلت من مفاصل الأبواب الصدئة بشرف بدلته العسكرية، لأن الشرف سيتم غسله بدم من يتمرد على الواقع المؤلم، الأهم أن تبقى كل الرموز سليمة وموقرة: القائد الرمز، والبدلة العسكرية الرمز، والمواطن الراضخ للسلطة الرمز، وسيارة الـ"جيب واز" التي لا توكل إلا للضابط الممتاز، وأن يصبح شعار المرحلة الإصلاحية الجديدة " الوزوزة بغضب" بدلًا من الزمجرة.
اقرأ/ي أيضًا: