قبل عدَّة سنوات، وفي إحدى الحروب على غزَّة المُحاصرة، أصدر المخلوع صالح قرارًا يلزم مؤسسات الاتصالات بفتح خطّ مجاني للمواطنين اليمنيين ليتمكنوا من الاتصال بإخوانهم الفلسطينيين في قطاع غزة لمؤازرتهم والإعراب عن تضامن الشعب اليمني مع إخوانهم الفلسطينيين في غزة بمصابهم جراء الحصار والحرب.
الجوع والموت والحصار والقهر والظيم حلفاؤنا، نتحدُ سويًا في جوقة الصلاة للرب، وكيلنا في السماء، ضارعين: الفناء للعالَم، والخلود لتعز
أخرج صديقي فاروق هاتفه "المكرسح"، فتح الاسبيكر، واتصل برقم أحد المواطنين في غزَّة، صادف أن كان المتحدث على الجانب الآخر سيدة، بعد السلام وتبادل التحايا، سأل فاروق عن حال الفلسطينيين في القطاع فردت بحمد الله على سوء الحال، سألها عن الكهرباء والماء والغاز المنزلي وغيرها من الاحتياجات، فقالت له أنها متوفرة، ولكن يقطعها الإسرائيليون بين حين وآخر.
بدورها سألت السيدة صديقي: وما أخباركم أنتم أخي؟ رد صاحبي: خليها على الله، نحن الغاز منعدم لأسابيع، والكهرباء تقطع 8 ساعات أو أكثر يوميًا، والماء يأتينا في رأس الشهر وأحيانًا لا يأتي، والوظيفة لا يحصل عليها سوى 500 من أصل 50 ألف متقدم، والمرتبات 200 دولار فما دونها غالبًا، والغلاء يقصم الظهر، واستطرد في وصف سوء الحال، فقاطعته السيد بحزن: خلص خلص أخي، والله حالكم أسوأ من حالنا، كان الله في عونكم على هالعيشة، أنتم أتعس منا، الله يفرجها عليكم.
أنهى فاروق المكالمة على وقع قهقهة صديقٍ كان بجواره يستمع للحوار، كان الاثنان يضحكان من المُفارقة، بين تعز "المستقرة" وغزة المُحاصرة، وإذا كان من المفارقة أيضًا أن أحد هذين الصديقين انخرط بعد مرور سنوات في صفوف المليشيا الحوثية فيما ظلّ الآخر مواليًا لفكرة الدولة ومؤسساتها، فإن المأساة التي تعجز المفارقة عن تصوُّرها، هو الحصار الذي تعيشه تعز في هذه الحرب، على يد من يؤيد إسرائيل ومن يهتف لها بالموت، وتلك المنظمات "الإنسانية" التي تدَّعي الحياد!
فمن جهة اعتبرت أطراف دولية وأممية أن عدم اكتمال تحرير تعز من قبضة الحوثي يُعطي الفُرصة لإجراء محادثات سلام!، وكأن السلام لا يمكن له أن يحدُث إلا على أنقاض هذه المدينة، ومن جهة ثانية يواصل الحوثيون حصارهم الخانق على تعز أملًا في تهجير مئات الالاف من سكان المدينة الجائعين والمَرضى والمُعدمين بعد أشهرٍ طوال من الحرب، كي تنهار المدينة وتسقط في قبضتهم، لكن الأكثر غرابة هو ما صرح به مصدر لصحيفة العربي الجديد اللندنية بأن منظمات تابعة للأمم المتحدة وعددًا من المنظمات الإنسانية الدولية العاملة في اليمن تدرس إسقاط مدينة تعز "للعام الثاني تواليًا" من قائمة الاحتياجات الإنسانية الصحية لعام 2016 نتيجة عدم قدرتها على إدخال المساعدات إلى المحافظة.
المصدر قال "إنّه وعلى الرغم من أن سكان مدينة تعز من أكثر المتضررين من الحرب الدائرة في 20 محافظة يمنية منذ أكثر من سبعة أشهر، إلا أن هناك فكرة إسقاط تعز من قائمة الاحتياجات الصحية، بسبب استمرار حصار المدينة ومنع إدخال المساعدات الإنسانية، وخاصة المساعدات الصحية إليها".
انظر الآن، بعد أكثر من 8 أشهر من الحرب، والحصار، الذي منعت فيه الخضروات والأدوية ومواد الطاقة من الدخول إلى المدينة، مضافًا إلى ذلك، انقطاع الكهرباء المستمر على مدار الساعة خلال تلك الأشهر، وانقطاع المياه، وانهيار مؤسسات الدولة، وتوقف الأعمال، وانتشار الأوبئة والأمراض، واستهداف المنشآت الصحية وإقفال العديد منها، وصعوبة بل استحالة العمل في المستشفيات المتبقية والتي لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، وفوق ذلك القصف المتواصل على المدنيين، وكل هذا الإجرام الذي وصل حد منع أنابيب الأوكسجين عن المستشفيات ودخول مياه الشرب، تأتي المنظمات الإنسانية التي ندعوها ليلًا ونهارًا للقيام بواجبها لتبشرنا بهذا النبأ..!
هل نحنُ مخطئون إن اعتقدنا أن العالم بأسره يمارسُ علينا حرب إبادة، هل نحنُ عدوانيون، لو تمنينا الفناء لكل هذا العالم الذي لا يعرفنا ولا يتذكرنا ولا يتضامن معنا، رُغم أننا وبما عُرف عنا، رُسل المحبة والخير والسلام والعمل والعطاء والتعايش، أكان في هذه البلاد، أم في سواها؟!
هذه البلاد وقحة، امتهنتنا وظلمتنا وقهرتنا وأوجعتنا وأرخصتنا لدى الصديق والعدوّ، وهي اليوم تخذلنا ألف مرَّة، ليس اليمن بشمالِه الطائفي، أو جنوبه العُنصري من يحاصرنا، بل العالم بأكمله يحاصرنا ويُبيدنا.
الجوع والموت والحصار والقهر والظيم حلفاؤنا، نتحدُ سويًا في جوقة الصلاة للرب، وكيلنا في السماء، ضارعين: الفناء للعالَم، والخلود لتعز.
اقرأ/ي أيضًا: