1
لضرورة الإغراء ليس أكثر سأدعي أنها رؤية.. قل فيما رأى النائم:
2
"حين تصل أعضاء الحس إلى أقصى حدود طاقتها، فإن ضياءها يبدأ بالخبو. ولكن في لحظة الانطفاء التام يتوهج الضوء للمرة الأخيرة بقوة كلهب شمعة، ليمنحنا نظرة خاطفة إلى اللا مرئي".
* ووليم وردزورث
مهلًا، كيف ستعفو ذاكرتي عما حدث وقد جعلت من ذكراه صلاتي المقدسة؟ كيف سأتقبل هذا السمت البريء ولا يزال الدم مائي الذي أتطهر به؟ وأي قدرة هذه التي ستمنح قلب قابيل صك غفرانه بعد ما حدث؟ لئن يغفر الله لقابيل جرمه الأبدي فلن أغفر له عذابه الذي أورثني إياه عندما قبل بالنهاية التي رسمها له الغراب، وأرى غريمه ومضى في الأرض يبذر الألم، يا قابيل.. يا معلمي، قل لي كيف كانت حيرتك هل كنت أشبهك؟ هل كان هابيل المغدور ينظر إليك مثلما كان ينظر إلي؟ كنت مطمئنًا، ثابتًا، في هذه اللحظة حين تجحظ العينان المتوسلتان في محجريهما إلى أن تنطفئا إلى الأبد؟ هل أسبلت جفنيه هل نفضت لحيته من التراب ولو على سبيل الخطأ أم أنك غدرته في التراب مرة أخرى؟
قبل ذلك كنت أظن أننا كثير على هذه الأرض وأنها لن تقبل من كلانا سوى قدمين اثنين تزرعان سطحها إلى الأبد... ضاقت الأرض، ضاقت وضاقت وضاقت، ولست واثقًا من أنها تحتمل قدمي، والآن قل لي هل حقًا قتلته؟ هل قتلت هابيل ومات؟ أمتأكد أنت أننا -أبناءك- الأحياء؟ سأصدقك الآن لو وجدت لي غصنًا يصلح كمشنقة؟
3
صاحبنا الموت يا أبي وسرنا معًا طريق الدهر لم نلوِ على شيء، وهل تبقى بعد هابيل ما نبقي عليه، لا الرياح التي عوت بالكهوف ولا المياه التي غسل الله بها الأرض من بعد استطاعت أن تمسح عن الأرض ذكرى ما حدث. وما الذي حدث يا قابيل بحق ما بيننا في الوجيعة والندم من نسب أن تقل لي أن تخبرني بالذي حدث هل كان سهلًا عليك أن تعطيه ظهرك؟ هل كان سهلًا أن تقتله ثم تدفنه ثم تبكي عليك، بدلًا من أن تبكي عليه؟ أية قوة كامنة في هابيل لم تكن لديك، أية قوة جعلت موته هزيمة لك، هل كان ضعفه أم كان كرهك له، أم كان الحب الذي تشقى به منذ ذلك اليوم وحتى هذه اللحظة؟
4
في الجنة "الذكرى" كان بعلزبول الخادم الذي أُلصقت به التهمة وكان آدم. وجه قابيل الساذج لم يزل طفلًا يمسك بثوب حوائه، بكى وهذا شأن الأطفال، كلهم يطلب العفو لا أكثر، التفاح لا يسيل دمًا، لا نواريه التراب، لا تعلق حشرجاته في ذاكرتنا إلى آخر نفس في عمر ابننا الأخير عندما يدور الزمن، آدم طفل عمرنا الأول، كان محظوظًا بحوائه كان محظوظا لأن هناك بعلزبول، كان محظوظًا لأن هناك تفاحة، كان محظوظًا لأن الرب لم يرسل له غرابًا يعلمه فداحة الرحمة.
لماذا لم تنم جنبه إذن؟ لهذا الحد كنت ملعونًا؟ لهذا الحد تكرهنا لتنجبنا وتوهبنا قرابينا تكفر عنك؟ لماذا لم تدلِ الروح من غصن تعلقه، لماذا لم تولد اللعنة مع آدم؟ كنا اقتسمناها الآن بين نسلينا، هابيل المحب الطيب قط حياته مرة واحدة، وأنت أيها الأب الشقي إلى متى سنظل ندفع عنك ثمن خطيئتك الوحيدة؟ إلى متى سنظل نبكي قتيلا لم يمت؟
سأفيق من نومي قريبًا، وسأدعي أنني لم أرك، لم أرَ شيئًا، وأن الرؤية الغريبة التفاصيل لم تكن، أعدك، على أن شيئًا واحدًا لا بد تشرحه، أنتما الاثنان ألم تكونا إخوة إلى أن بعثت/فسدت قلوبكم بالحب؟
اقرأ/ي أيضًا: