الصحافة جزء من السياسة، فكما هي السياسة تكون الصحافة، وهو ما ينعكس على دور صاحبة الجلالة إذا كانت وسط نظام سلطوي لا يسمح لها بأداء الدور المنوط بها من تكوين الرأي العام وتوجيهه والإفصاح عن المعلومات والتدقيق فيها ومراقبة الحكومة بأعين الشعب وبذلك تكون قد حققت سلطتها الرابعة التي أريد منها أن تكون سلطة مستقلة لا تخضع لتأثير أي من السلطات الثلاث لا سيما التنفيذية.
هذا النظام الجديد وقيوده الأمنية، يقود إلى خلق جيل مرتعش من الصحفيين غير قادر على الابتكار والإبداع في القصة الصحفية
كتب توماس جيفرسون الرئيس الثالث للولايات المتحدة عبارة من أكثر العبارات لطفًا في تاريخ الصحافة - حسبما يرى الصحفي الإنجليزي إيان هارجريفز - وكانت هذه العبارة ربطًا من جيفرسون بحرية الرأي والتعبير فكتب رسالة يقول فيها "لأن حكومتنا ترتكز إلى آراء الناس، يجب أن تكون أولى الأولويات هي احترام الحق؛ وإذا ترك لي تقرير ما إذا كان علينا أن نقيم حكومة من دون صحافة، أو صحافة من دون حكومة فلن أتردد لحظة في تفضيل الاختيار الأخير".
كان جيفرسون يرى أن الحكومات لن تتاونى في فرض سلطتها على الصحافة، لحجب أكبر قدر من المعلومات، ووضع أجندتها الإخبارية التي تلائم سياستها لتٌقدم إلى الجمهور، وهو ما يتمثل في الواقع المصري، حيث فرضت السلطات قيودًا على الصحافة كان أبرزها حينما وضعت الحكومة المادة رقم ثلاثة وثلاثين والتي نصت على أنه "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية"، وأثارت هذه المادة غضب الجماعة الصحفية، وهو ما ترتب عليه إلغاؤها، إلا أن هذا لم يمنع من تضييق الخناق على الصحفيين بشأن ما يتعلق بالقوات المسلحة، وهو ما برز في استدعاء المخابرات الحربية للصحفي حسام بهجت بسبب نشره تحقيق عن تفاصيل المحاكمة العسكرية لضباط بالقوات المسلحة متهمين بقلب نظام الحكم، وبحسب بيان صدر عن بهجت عقب إطلاق سراحه فإنه قام بكتابة إقرار بأن يتبع الإجراءات القانونية والأمنية في نشر المواد التي تخص القوات المسلحة.
اقرأ/ي أيضًا: حسام بهجت..التهمة صحفي
جاء ذلك تزامنًا مع منع صحيفة المصري اليوم نشر مقالات للكاتب جمال الجمل والتي كان آخرها سلسلة حواديت العباسيين التي كانت تنتقد أداء إعلاميين موالين للنظام، وبررت الصحيفة هذا القرار بأنه "نقطة نظام لضبط السياسة التحريرية". كما تزامن ذلك مع وقف المذيعة بالتليفزيون المصري عزة الحناوي وتحويلها إلى التحقيق بعد انتقادها لأداء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على الهواء مباشرة.
أجمع صحفيون ومراقبون أن هذه الممارسات كارت إرهاب لكل من حاول الانتقاد ولو بشق كلمة أو كشف قصة أو رواية على خلاف الرواية الرسمية للسلطة، وفي هذا تبصيرًا للصحفي وتذكيرًا له بأن الرواية الصحيحة هي التي تنطقها حكومة القاهرة .
هذا النظام الجديد وقيوده الأمنية، يقود إلى خلق جيل مرتعش من الصحفيين غير قادر على الابتكار والإبداع في القصة الصحفية، فحسب الدراسات الصحافية فإن القصة لا يمكن أن تقف على قدم واحدة؛ لا بد من قدمين حتى تكون ثابتة مكتملة الأركان، فتنوع المصادر في القصة الصحفية يعزز اكتمالها ودقتها وإقناعها لدى القاريء، وهو مايؤكده صحفيون.
يضيف أحد الصحفيين (فضل عدم نشر اسمه) أن القيود الأمنية حصرت العمل الصحفي في قالب واحد، وهو القالب الذي تريده السلطات، فالصحفي يريد أن يحافظ على عمله ولا يتطرق للانتقاد حفاظًا على "أكل العيش"، وهو ما يدفع بعض الصحفيين إلى حيلة الكتابة بأسماء مستعارة لعدم التنكيل بهم، خصوصًا أن الأمثلة كثيرة لمن حاول الانتقاد وكان جزاؤه وقفه عن العمل.
ويُضاف إلى ذلك، تشابه القصة والمواد الصحفية المعروضة في الصحف والمذاعة عبر الفضائيات، فالتحكم في المواد المنشورة وتنقيحها من الناشرين التابعين لرجال أعمال يعملون مع النظام لحسابات المصالح والسياسة، ساهم في تشابه المعروض الذي يحظى بتأييد السلطة، وباتت الفضائيات والصحف معرضًا لذلك، وهو ما برز في العناوين الرئيسية للصحف القومية عقب المؤتمر الاقتصادي الذي عقدته الحكومة في مدينة شرم الشيخ مارس الماضي، حيث صدرت الصحف القومية والخاصة عنوان "مصر تستيقظ" على صفحتها الأولى، فكانت صحف الأهرام والأخبار والشروق وروز اليوسف والجمهورية والتحرير وغيرهم نتيجة لتحكم السلطات في الرسالة الإعلامية.
اقرأ/ي أيضًا: موسم ترويع الإعلام في مصر