المقال التالي ترجمة لمقال "روي جوتمان" في مجلة "فورين بوليسي" عن الصمت الأمريكي تجاه ما يحدث لمدينة حلب السورية.
____
تظل مدينة حلب أحد أكثر رموز الانتفاضة التي بدأت منذ خمس سنوات ضد نظام الرئيس بشار الأسد أهمية. لذلك السبب، ليس من المفاجئ أن الحكومة السورية قد شنت خلال الأسبوعين الماضيين هجومًا جويًا وبريًا على المدينة على أمل استعادتها. ما يصعب أكثر على الفهم هو السبب الذي يجعل الولايات المتحدة ترسل إشاراتٍ مبهمة بشأن رؤيتها للهجوم على المدينة.
يشير رصيد الهجمات بالصواريخ والقنابل والمدفعية على حلب إلى أن الهدف الرئيسي هم المدنيون، وليس قوات المتمردين، وبالتأكيد ليس جبهة النصرة
وافقت الولايات المتحدة وروسيا على وقف إطلاق نار في حلب يوم الأربعاء، والذي كان من المفترض أن يستمر لمدة 48 ساعة. بينما انخفض العنف عقب الاتفاقية، فإنه من المرجح أنه قد أجّل فقط الصراع الأكبر من أجل السيطرة على المدينة.
اختارت إدارة أوباما عدم تسليط الضوء على ما يعد حسب معظم التعريفات جرائم حرب منهجية واسعة النطاق. في بعض الأحيان، تلوم الولايات المتحدة القوات الجوية السورية على قصف المستشفيات وأهدافٍ مدنية أخرى، لكنها نادرًا ما تناقش الانتهاكات الروسية، حتى أنها لا تعلن عن المخالفات المتفشية لوقف إطلاق النار الذي تشرف عليه. كل ذلك سري.
بدلًا من ذلك، ركز المسؤولون الأمريكيون انتباههم على التنظيم التابع للقاعدة في سوريا، جبهة النصرة. في سلسلةٍ من التصريحات غير الدقيقة أو فضفاضة الصياغة، لمّح المسؤولون إلى أن جبهة النصرة لها تواجد كبير في حلب – وهي مزاعم قد تفسرها الحكومتان السورية والروسية، أو تستغلها، كدعوةٍ للاستمرار في القصف.
يشير رصيد الهجمات بالصواريخ والقنابل والمدفعية على المدينة إلى أن الهدف الرئيسي هم المدنيون، وليس قوات المتمردين المعتدلين المدعومة من قِبل الولايات المتحدة، وبالتأكيد ليس جبهة النصرة، صاحبة التواجد المتواضع في المدينة حسب أغلب التقديرات.
نشر الدفاع المدني السوري، المتطوعون الذين يرتدون خوذًا بيضاء ويقولون إنهم أنقذوا أكثر من 40,000 شخص من الأنقاض عقب هجمات الحكومة، قائمة يومية بانتهاكات وقف إطلاق النار حتى السادس والعشرين من أبريل، عندما أصبح مركز التدريب الخاص به نفسه في الأتارب غربي حرب هدفًا لهجومٍ منسق لصاروخين جو-أرض وصاروخ أرض-أرض، قتلت خمسة عمال إنقاذ.
اقرأ/ي أيضًا: مصر..السلطات تطارد "أطفال شوارع" بسبب فيديو
لكن المجموعة تستمر في أعمال الإنقاذ والمراقبة. بين الرابع والعشرين من أبريل والأول من مايو وثق الدفاع المدني السوري الهجمات التالية في حلب: 260 غارة جوية، 110 قصف مدفعي، 18 صاروخ أرض-أرض، و68 برميلًا متفجرًا.
تم قصف ثلاثة مراكز طبية وإخراجها من الخدمة في ذلك الأسبوع المروع: مستشفى القدس، ومركز المعراج الطبي، ومركز بستان القصر، حسب المجموعة. كان مجموع القتلى 189 مدنيًا، بينهم 40 طفلًا، بالإضافة إلى 394 جريحًا مدنيًا، بينهم 96 طفلًا.
قال المرصد السوري لحقوق إنسان، وهو فريق رصد مقره المملكة المتحدة، إن 279 مدنيًا قد قتلوا في حلب بين الثاني والعشرين من أبريل والثالث من مايو، 155 منهم في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة و124 في الأحياء الخاضعة لسيطرة الحكومة.
قال مجلس مدينة حلب يوم الأحد إن 65 شخصًا قتلوا في مستشفى القدس؛ تم أيضًا قصف مخبز ومخزن أدوية ومرفق مياه وثلاثة مساجد وسيارات إسعاف وعدة أحياء سكنية.
ألقت سامانثا باور، السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، اللوم في التصعيد على الحكومة السورية، حيث قالت الأسبوع الماضي: "بينما ساهمت جميع الأطراف في العنف فإن التصعيد العسكري يمكن أن يعزى بدرجةٍ كبيرة إلى أفعال طرفٍ واحد: نظام الأسد".
لكن أسامة تالجو، عضو مجلس مدينة حلب، صرح لفورين بوليسي أن إحدى المجموعات المقاتلة، تجمع فاستقم، ادعت أن الطائرة التي قصفت المستشفى كانت روسية، حسب تقارير راصدي الطائرات المتمركزين بالقرب من القواعد الجوية للنظام وللروس.
الطرف الوحيد الذي يعرف بالتأكيد مدى التورط الروسي هو الحكومة الأمريكية. لكنها لا تشارك استخباراتها. قال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إن الروس "أوضحوا أنهم لم يشتبكوا أو يطيروا في ذلك الوقت" وقال إن الحكومة الروسية لديها سجل حافل في قصف المنقذين والعاملين في مجال العناية الصحية. لكنه لم يقل ما الذي قررته الحكومة الأمريكية حسب استخباراتها الخاصة – كما لم يفعل المتحدث باسم وزارته عندما سئل في جلسات الإحاطة اليومية.
"نحن فقط نستمر في الاعتقاد بأن الإعلان عن كل انتهاك لا يساعد"، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي في الثامن والعشرين من أبريل، عندما سئل لماذا لا تسجل الولايات المتحدة انتهاكات اتفاق وقف الأعمال العدائية. عندما سئل تحديدًا في اليوم التالي عن احتمالية أن تكون الضربات الجوية الروسية تنتهك وقف إطلاق النار الجزئي، قال كيربي إن الفترة الحالية تعتبر "اختبارًا للروس" ولجديتهم في الالتزام بالاتفاقية.
اقرأ/ي أيضًا: صحافة القاهرة..جولة ربح جديدة ضد الداخلية
بقيام الطائرات الأمريكية بالمرور في المجال الجوي السوري كل يوم في غارات قصف ضد تنظيم الدولة الإسلامية، "أنا متأكد بنسبة 100% من أننا نعلم من يطير أين"، قال كريستوفر كوزاك من معهد دراسات الحرب، وهو مؤسسة بحثية يقع مقرها في واشنطن العاصمة. وأضاف: "حقيقة أننا لا نرغب في التحدث محزنة بشدة".
صرح مسؤول كبير بالإدارة لفورين بوليسي أن المعلومات بشأن أي قوات جوية تقصف أي هدف هي سرية لحماية "مصادر ووسائل" جمع المعلومات. جعلها علنية "سوف يجعلها سابقة لقيام الولايات المتحدة بالإعلان عن نشاطٍ عسكري أجنبي. أين ترسم الخط؟".
لكن محاولات الولايات المتحدة للعمل مع روسيا وسط الهجوم الجاري دمرت مصداقيتها بين المعارضين.
"كيف يقبل المجتمع الدولي أن تكون روسيا أحد البلدان التي تراقب وقف إطلاق النار بينما هي تقوم بالقصف؟ كيف يصبح مجرمٌ حارسًا لوقف إطلاق النار؟"، سأل تالجو.
لكن هناك منطقًا للصمت. "ترغب الإدارة في العمل كوسيط في عملية السلام"، حيث تعد اتفاقيات هدنة محلية وتتوسط بين الأطراف المحاربة، حسب كوزاك.
انتقد كوزاك الحكومة الأمريكية لكونها أصبحت معتمدة على النوايا الطيبة لموسكو، أحد أهم داعمي النظام السوري الدوليين. "يبدو الأمر إلى حدٍ كبير كأننا علقنا الكثير من الآمال على تسويةٍ سياسية تقوم بها القوى العظمى للنزاع نكون فيها مستعدين لتصديق الأكاذيب التي يخبرنا إياها الروس كي يصبح من السهل الاعتقاد في تسوية"، قال كوزاك.
لم يشارك المسؤول الكبير بالإدارة كوزاك تلك النظرة السلبية للسلوك الروسي لكنه اعترف بأن جزءًا كبيرًا من السياسة الأمريكية يركز على العمل مع موسكو. "الكثير مما نحاول فعله هو إنهاء التصعيد وإعادة التركيز على الخطوات التي يمكن أن يتخذها الروس في مواجهة داعش"، قال المسؤول.
بل إن إدارة أوباما يبدو أنها تراجعت عن تحذيراتها المبدئية من أنها سوف تدرس استخدام القوة العسكرية إذا فشل اتفاق وقف العمليات العدائية ورأت أن روسيا غير مخلصة في مجهوداتها الدبلوماسية. في فبراير، تحدث كيربي عدة مرات عن "خطة باء" إذا فشلت محادثات السلام، قائلا إن الحرب "سوف تصبح أشرس بكثير" بالنسبة لروسيا في تلك الحالة.
لكن مع فشل المجهودات الدبلوماسية وتصاعد العنف في سوريا مجددًا إلى ما كان عليه، ينفي المسؤولون الأمريكيون أنهم كان لديهم في أي وقت أي نية لتصعيد استخدام القوة. أنهى كيربي، المتحدث باسم وزارة الخارجية، الأسبوع الماضي أي تفكيرٍ في بديلٍ للمسار الحالي، ساخرًا مما وصفه "خطة باء أسطورية".
يقول مسؤولون أتراك إن التدخل الروسي في سوريا قد غير توازن القوى لصالح نظام الأسد، ويجب أن يتم إصلاحه قبل أن يتم التوصل إلى حلٍ سياسي.
"ما أقوله هو أن تركيزنا هو على العملية السياسية"، صرح كيربي للمراسلين.
لا ينبغي أن يشكل ذلك مفاجأة، بعد ما كشف عنه جيفري جولدبرج في مجلة أتلانتك من أن كيري نصح الرئيس باراك أوباما بالقيام باستعراضٍ للقوة في سوريا – حتى أعلن أوباما في اجتماعٍ لمجلس الأمن الوطني ديسمبر الماضي أنه لا ينبغي لأحد سوى وزير الدفاع أن يتقدم إليه باقتراحاتٍ لعملٍ عسكري.
تربك السياسة الأمريكية الحلفاء في العالم المسلم السني. يقول مسؤولون أتراك إن التدخل الروسي في سوريا قد قلب الساحة عبر تغيير توازن القوى لصالح نظام الأسد، ويجب أن يتم إصلاحه قبل أن يتم التوصل إلى حلٍ سياسي.
لكن إدارة أوباما ترى التدخل الروسي من منظورٍ أكثر لطفًا.
كان هناك تخوفًا حقيقيًا في روسيا "من نجاحٍ كارثيٍ محتمل" لقوات المتمردين في منتصف 2015، "حيث ينهار الأسد، لكن مع جميع مؤسسات الدولة السورية، ويكون لديك دولة أكثر فشلًا"، صرح المسؤول الكبير بالإدارة لفورين بوليسي. وتابع: "ما فعلته روسيا هو أنها أعادت الوضع إلى الجمود".
ذلك التصور، بالإضافة إلى رفض الولايات المتحدة لدراسة استخدام القوة، يوفر البيئة لسلسلةٍ من التصريحات الخاطئة أو الغامضة للولايات المتحدة بشأن دور جبهة النصرة في سوريا.
كان أول من أثار ضجة هو الكولونيل ستيف وارن، المتحدث باسم الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية. معربًا عن قلقه من أن نظام الأسد بدعمٍ روسي يركز قواته حول سوريا، أضاف: "رغم ذلك، فإن جبهة النصرة هي التي تسيطر على حلب بشكلٍ رئيسي، وبالطبع فإن النصرة ليست جزءًا من اتفاق وقف الأعمال العدائية. لذا فإن الأمر معقد. نحن نراقب".
عندما طلبت منه فورين بوليسي أن يراجع معلوماته، رد وارن بأن تصريحه كان خاطئًا.
"لقد كنت مخطئًا عندما قلت إن النصرة تسيطر على حلب"، قال وارن في بريدٍ إلكتروني. "اتضح أن قراءتنا الحالية هي أن النصرة تسيطر على الضواحي التي تقع في الشمال الغربي" بينما تسيطر مجموعات أخرى على وسط المدينة.
لكن تصريحاته كانت قد انتشرت بالفعل حول العالم، حيث نشرتها بي بي سي وفوكس نيوز ووكالة برس تي في الإيرانية من بين آخرين.
صُدم مسؤولي المساعدات الإنسانية في تركيا، والذين كان عليهم التفاوض مع جميع المجموعات المسلحة.
"لا يمكنني إيجاد شخصٍ واحد يعتقد أن النصرة تسيطر على حلب، باستثناء المتحدث الأمريكي"، قال مسؤولٌ كبير بإحدى المجموعات الدولية التي ترسل طعامًا وإمداداتٍ غذائية إلى شمال سوريا. "خاطئة تمامًا. إنهم الفصيل الأقل حضورًا"، قال مسؤول إغاثي على اتصالٍ بالفصائل على الأرض ومنظمات الإغاثة التي توفر المساعدة. وأضاف أن جبهة النصرة قد أقامت مؤخرًا خمس نقاط تفتيش داخل المدينة.
سواء كان ذلك عن عمدٍ أم لا، فإن الحرب المستعرة في حلب تقنع بعض المراقبين أن الولايات المتحدة قد تخلت عن رفضها للأسد.
في الواقع، حسب مسؤولون بحلب ومصادر من المتمردين، فإن المتمردين المعتدلين، الذين يتلقى العديد منهم دعمًا سريًا وافقت عليه الولايات المتحدة، يسيطرون على حوالي 80% من حلب.
بعد تلقيها احتجاجات، أصدرت وزارة الخارجية تنصلًا بعد أسبوع. "إن حكومة الولايات المتحدة تعلم أن مدينة حلب ليست تحت السيطرة الحصرية لجبهة النصرة، وإنما تسيطر عليها مجموعات متنوعة من المعارضة المسلحة"، قالت الوزارة في بيانٍ لها. وتابع البيان: "لدينا علاقات جيدة مع العديد من هذه المجموعات، ونحن ندعمهم عبر وسائل مختلفة". لكن البيان صدر فقط باللغة العربية ولم يشر إلى تصريح وارن.
لكن وزارة الدفاع ليست وحدها التي سلطت الضوء على دور جبهة النصرة على الأرض في حلب. بعد يومين من تصريح وارن، أوردت صحيفة نيويورك تايمز أن كيري أبلغ هيئة تحريرها أن روسيا ربما تتحرك تجاه حلب لأن أعضاءً من جبهة النصرة ممتزجون عبر المنطقة مع جماعاتٍ أخرى تعارض نظام الأسد. "لقد اتضح أن فصلهم أكثر صعوبة مما اعتقدنا"، قال كيري.
أشار مسؤولون آخرون بوزارة الخارجية أيضًا، في سلسلةٍ من التسجيلات الصوتية والتصريحات غير الدقيقة، أن جبهة النصرة لاعبًا مهمًا في حلب.
"هناك تواجدٌ للنصرة في حلب؛ لا أحد يقول إنه لا يوجد"، قال مسؤولٌ أمريكي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته في التاسع والعشرين من أبريل. وأضاف: "كان هدفنا دائمًا ألا تستفيد النصرة أو داعش بالطبع من أي حمايات يوفرها اتفاق وقف الأعمال العدائية".
لكن بالنسبة للكثيرين في المعارضة المعادية للأسد، فإن تلك التصريحات ترقى إلى قبولٍ أمريكي بتدمير حلب. هم يعتقدون أن المسؤولين الأمريكيين قد كرروا المبالغة في دور جبهة النصرة، مؤكدين عليه لتبرير الهجوم على المدينة.
حسب تالجو من مجلس مدينة حلب فإن "النصرة ليس لها وزن في حلب. قول إن النصرة توجد في حلب هو فقط ذريعة لقصف المدنيين. النصرة هناك على هيئة مجموعات صغيرة، ليست حتى مجموعاتٍ عسكرية، لكنهم عناصر من النصرة يقاتلون جنوبي حلب ويعيشون في حلب".
"لسببٍ ما، يتفق الأمريكيون بطريقةٍ أو بأخرى مع الروس في أن هناك تواجد لجبهة النصرة في مكانٍ ما هنا وأن النظام يطهر المنطقة من جبهة النصرة"، قال بسام بربندي، وهو دبلوماسي سوري سابق يعمل الآن كمستشارٍ سياسي لرئيس لجنة التفاوض السورية المعارضة في جنيف.
سواء كان ذلك عن عمدٍ أم لا، فإن الحرب المستعرة في حلب تقنع بعض المراقبين أن الولايات المتحدة قد تخلت عن رفضها للأسد.
"إن الولايات المتحدة تكاد تكون متواطئة فيما تفعله روسيا"، قال كوزاك.
اقرأ/ي أيضًا:
أزمة الجمهوريين التي لا تتعلق بترامب
أمريكا وصفقة الجزر المصرية..أوان رد الفعل