معطّل عن العمل رغم شهادته الجامعية، اضطرّ للتجارة ببعض السلع على قارعة الطريق، وتعرّض لاعتداء من رجال الشرطة الذين افتكوا سلعه البسيطة، فاشتدّ غيظه حتى سكب كمية من البنزين على جسمه وأحرق نفسه، ليمكث أيامًا قليلة في المستشفى قبل وفاته متأثرًا بحروقه، هذه ليست قصّة محمّد البوعزيزي، الذي فجّر ثورة تونس قبل زهاء 6 سنوات، بل قصّة مواطن تونسي آخر جدّت خلال الأيام الأخيرة، لتتشابه تفاصيل الانتحار لأزمة واحدة، هي أزمة البطالة وانسداد الأفق لدى المعطلين عن العمل خاصة من أصحاب الشهائد العليا.
ربما تكون قصة عماد الغانمي أشد بؤسًا من قصة البوعزيزي فقد اضطره ضنك الحياة إلى الانتقال من وظيفة أستاذ جامعي إلى بائع متجوّل
اقرأ/ي أيضًا: هوامش تونس.. جحيم التهريب ولا جنة الدولة
وربّما تكون قصّة المنتحر عماد الغانمي، البالغ من العمر 43 سنة، أشدّ بؤسًا من قصة البوعزيزي، فقد ترك المتوفّي وراءه ثلاثة أبناء، كما أن ضنك الحياة اضطرّه إلى الانتقال من وظيفة أستاذ جامعي إلى بائع متجوّل، حيث واصل الغانمي دراسته الجامعية في اختصاص الرياضيات بفرنسا، ثم وبعودته إلى تونس، سجّل لإعداد أطروحة الدكتوراه في جامعة العلوم بتونس، واشتغل بالتوازي لمدّة سبع سنوات كأستاذ متعاقد بكليتين في تونس. وفي السنة الفارطة، تم رفض تجديد عقده بحكم أنه لم يتمكّن من إتمام أطروحته، وقد أكّدت الجامعة العامّة للتعليم العالي والبحث العلمي، هيكل نقابي، أن المتوفّى أودع الأطروحة مؤخرًا وكان من المنتظر مناقشتها خلال الأشهر القادمة.
وبعد أن وجد نفسه دون عمل بعد رفض تجديد عقد تدريسه، وهو الذي يعول أسرة تتكوّن من زوجة وثلاثة أبناء، اضطر عماد الغانمي إلى العمل بكل المهن المتوفرة لتوفير لقمة العيش لعائلته ومنها نادل في مقهى، وكانت آخر مهنة موسمية له تجارة لعب الأطفال بمناسبة عيد الفطر.
تعكس مأساة عماد الغانمي عمق الأزمة الاجتماعية في تونس وغياب الأمل لدى المعطّلين عن العمل الذين يحاولون كسب لقمة العيش بأبسط الطرق الممكنة
وقد وقع إيقافه قبل عيد الفطر بيوم واحد من قبل الشّرطة وهو على درّاجته النّارية في طريقه إلى محافظة صفاقس، حيث تمّ اقتياده إلى مركز الشرطة والاعتداء عليه وافتكاك بضائعه. وبعد خروجه خالي اليدين وهو الذي كان يأمل في أن يقتات من بيع بعض اللعب للأطفال، سكب الغانمي البنزين على جسده وحرق نفسه أمام مركز الأمن من شدّة حنقه وقهره. ولم يلبث كثيرًا في المستشفى حتى وافاه الأجل أمس.
اقرأ/ي أيضًا: تونس، وكأنه استئناف حراك لم ينته
تعكس مأساة عماد الغانمي عمق الأزمة الاجتماعية في البلاد وغياب الأمل لدى المعطّلين عن العمل الذين يحاولون كسب لقمة العيش بأبسط الطرق الممكنة، وهو ما يعرّضهم لمضايقات من رجال الأمن الذين يقولون إنهم يطبقون القانون، الذي قد يجافي واقع الأزمة الخانقة في البلاد. كما يؤكد انتحار الغانمي عمق الأزمة التي يعيشها قطاع الأساتذة الجامعيين المتعاقدين ممّن تم إنهاء عقود عملهم، حيث سبق وأن نظّم عدد منهم اعتصامًا أمام وزارة التعليم العالي في وقت سابق خلال هذه السنة للمطالبة بتسوية وضعياتهم خاصة وأن جزءًا منهم يعيش ظروفًا اجتماعية قاسية.
حادثة انتحار الغانمي أثارت سخط رواد مواقع التواصل الاجتماعي وباتت موضوع نقاشهم الأساسي خلال اليومين الأخيرين، كما أعادت إلى السطح تساؤلات عميقة عن تردي الوضع الاجتماعي في بلد يكثر الحديث مؤخرًا عن ثورته ونجاحها.
اقرأ/ي أيضًا: