آخٍ يا وجع القلب، لماذا يا جارتنا الشقيقة؟ لماذا يا خير أجناد الأرض، الكثير من التساؤلات المريرة تحضر عندما تشاهد اللقطات الموثقة لتصفية شاب عاري الجسد اجتاز الحدود المائية الفلسطينية المصرية أمتار محدودة.
على قدر الألم الكبير الذي تثيره واقعة مقتل خليل حسان، فإنها تطرح أهمية الحاجة لتفعيل آليات تنسيق أعلى وأوضح لرجال الأمن على جانبي الحدود
إنه الشاب إسحاق خليل خميس حسان (28 عامًا) من سكان مدينة غزة، الذي يعاني من اضطراب نفسي، يدفعه لسلوكيات وتصرفات غير معقولة، قاده أخطرها إلى موته، بعدما جرت تصفيته بطريقة أقل ما يقال عنها أليمة على أيدي أفراد من الجيش المصري.
كاميرا في المكان وثقت لقطات إزهاق الروح البريئة وبثتها قناة الجزيرة الفضائية، لتثير تساؤلات بقدر الوجع، لماذا؟ وكيف؟ وأي خطرٍ شكله هذا الشاب العاري؟ الواضح من مظهره اضطراب سلوكه؟ فضلًا عن أنه لم يكن يشكل أي خطر على أحد يستحق معه المصير الذي لقيه.
في اللقطات يظهر الشاب بعد أن قاده اختلال عقله، إلى الساحل الجنوبي لرفح، أقصى جنوب قطاع غزة، عاري الجسد تمامًا، ويجتاز عبر أطراف شاطئ البحر المتوسط، الحدود الفلسطينية المصرية، وما هي إلّا أمتار قليلة تجاوزها حتى استهدفه الرصاص من برج مراقبة للجيش المصري.
لم يفلح صراخ ضابط أمن فلسطيني كان يتوقف في المنطقة الحدودية، ولا إشاراته للجنود المصريين بأن الشاب مختل عقليًا، فاستمر انهمار الرصاص نحوه، ليسقط قتيلًا وتمتزج دماؤه بماء البحر المالح. كان من الواضح أن رجل الأمن الفلسطيني عاجز عن أن يفعل شيئًا لمنع هذه الجريمة، فقد باءت محاولته ومحاولات زملائه من قبل في منع تسلل الشاب بالفشل، كما أن قيود السياسة والتأزم الحاصل في العلاقة بين غزة ومصر ما بعد 2013 يجعل من الصعب عليه اتخاذ أي خطوة ولو متهورة لمساعدة الشاب.
ربما لسنا في حاجة للتذكير بنص المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تنص بأن "لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه"، ولا المادة الخامسة التي تحظر تعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطّة من الكرامة، فهي من الأمور المعروفة، لكنها تبقى مجرد مواد جامدة تلاك بالأفواه في المناسبات، أو يجري استحضارها في مقامات معينة وأجناس معينة، ولا تجد تطبيقًا على أرض الواقع في حالات أخرى كما حدث مع البريء إسحاق حسان.
واقعة قتل خليل حسان نكأت جراحًا لم تلتئم لدى الغزيين في علاقتهم مع الجار والشقيق الأكبر مصر
الواقعة الأليمة، لا سيما بعد بثّ الفيديو الذي يوثق تفاصيلها، نكأت جراحًا لم تلتئم لدى الغزيين في علاقتهم مع الجار والشقيق الأكبر مصر، وهم الذين يتنفسون عشقها، فالسنوات القليلة الماضية تجرعوا العديد من الصدمات المتوالية من عمليات قتل وإصابات لصيادين أو مارّين بجوار الحدود، فضلًا عن إغلاق المعبر، وإغراق المنطقة الحدودية بمياه البحر الذي بدأ في أيلول/سبتمبر 2015، بما يتجاوز هدف تدمير الأنفاق إلى تدمير خطير للتربة والمخزون الجوفي والبيئة عمومًا.
ولم يكن غريبًا أن يلقى تداول الفيديو رواجًا كبيرًا على مواقع النشطاء الغزيين، وسط تساؤل عميق #ليش_قتلوه، ورسالتهم: "يا جارتنا العزيزة، ويا جيش مصر العظيم، نحن منكم وإليكم، فلماذا تقتلوننا؟! لماذا نلقى منكم هذه المعاملة القاسية؟! أما آن الأوان أن يُعاد النظر في هذه السياسات؟! أما آن الأوان لتتغلب علاقات التاريخ والنسب والدم، على الخلافات السياسية التي زرعها أعداء الأمة؟".
وعلى قدر الألم الكبير الذي تثيره الواقعة، فإنها تطرح أهمية الحاجة لتفعيل آليات تنسيق أعلى وأوضح لرجال الأمن على جانبي الحدود، ففي زمن التكنولوجيا لا تكفي الإشارات اليدوية، والواجب والمسؤولية تقتضي من الجانبين (الفلسطيني والمصري) في ظل إقرار الجميع بأهمية تأمين الحدود المشتركة، وتكرار مثل هذه الحوادث، إجراء مراجعات والخروج بتوصيات والتوقف عند الدروس المستفادة، والتوصل لتفاهم وتنسيق وتواصل واضح ومحدد يمنع الوصول إلى مثل هذه النهايات الأليمة، كي لا نبقى نعد ضحايانا ونتجرع الألم ونذرف الدموع، وننشد قول الشاعر: "وظلـم ذوي القربـى أشــدُّ مضـاضـة على المرء من وقع الحسام المهند".
اقرأ/ي أيضًا:
مصر.. انقلاب الانقلاب على فلسطين