28-أغسطس-2021

أفراد من تنظيم "ولاية خراسان" بعد استسلامهم لقوات طالبان (Getty)

ألتراصوت- فريق الترجمة

لم يكد ذوو ضحايا التفجير الانتحاري في محيط مطار كابول يلملمون أنفسهم وجثث الضحايا في موقع الهجوم الذي وقع يوم الخميس، 26 آب/أغسطس، وخلف أكثر من 170 قتيلًا، من بينهم 17 عسكريًا أمريكيًا، حتى أعلن تنظيم "ولاية خراسان" التابع لتنظيم الدولة الإسلامية، مسؤوليته عن العملية.

من جهته، أعلنت الإدارة الأمريكية أنه سيردّ على الهجوم انتقامًا للضحايا الأمريكيين، وأعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن من البيت الأبيض قائلًا: "لن ننسى"، متوعدًا منفذي الهجوم بأن يتلقوا جزاء فعلتهم.

تأسس فرع "ولاية خراسان" التابع لتنظيم الدولة في نهاية 2014، وتم الاعتراف به من قبل تنظيم الدولة مطلع العام 2015

وقد تحرّك الجيش الأمريكي بشكل مباغت يوم الجمعة، 28 آب/أغسطس، ووجّه ضربة موجّهة بطائرة مسيّرة استهدفت عضوًا قياديًا في تنظيم الدولة-ولاية خراسان، يعتقد أنه مسؤول عن التخطيط لتفجير مطار كابل الدموي. ووفق بيان القيادة المركزية الأمريكية، فإن الضربة قد وقعت في ولاية ننكرهار شرقي أفغانستان، على الحدود مع باكستان، وهي أحد المعاقل التي ينتشر فيها أعضاء تنظيم "ولاية خراسان".

بيان القيادة المركزية الأمريكية

ما هو "تنظيم الدولة-ولاية خراسان"؟

تطلق هذه المجموعة على نفسها اسم تنظيم الدولة فرع ولاية خراسان، وهي مجموعة تابعة للقيادة المركزية لما يعرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية". وقد تأسس فرع "ولاية خراسان" التابع لتنظيم الدولة في نهاية 2014، وتم الاعتراف به من قبل تنظيم الدولة مطلع العام 2015. ويتألف تنظيم "ولاية خراسان" من أفراد منشقين عن طالبان الباكستانية، ويتبنى أيديولوجية متطرّفة بمقاربة عالمية للجهاد، بخلاف حركة طالبان المحليّة، والتي أطاحت مؤخرًا بالحكومة الأفغانية المدعومة أمريكيًا، وأعلنت سيطرتها على البلاد، بعد 20 عامًا من التواجد الأمريكي العسكري.

اقرأ/ي أيضًا: انفجارا مطار كابول.. حصيلة القتلى في ارتفاع كبير ومخاوف من هجوم مشابه

وبحسب مختصين في الجماعات الإسلامية، من بينهم الأستاذ حسن أبو هنية، في حديث له مع التلفزيون العربي، فإن تنظيم "ولاية خراسان" لا يعترف بالحدود الدولية، ويرى أن نطاق وجوده وتأثيره يتجاوز منطق الدول القومية. فخراسان اسم منطقة جغرافية تاريخية تمتد على مساحات واسعة من إيران وأفغانستان وباكستان وتركمنانستان.

أصول تنظيم "ولاية خراسان"

للجماعات الأصولية المسلّحة تاريخ طويل ومعقّد في أفغانستان، وهي ظاهرة مركبة تتداخل فيها العديد من العوامل الداخلية، اجتماعيًا واقتصاديًا، مع عوامل التدخّل والتأثير الخارجي. فأفغانستان كانت موئلًا لتنظيم القاعدة الذي تبنى تنظيم هجمات 11 أيلول/سبتمبر عام 2001، والتي راح ضحيتها أكثر من 3000 أمريكي. وقد جاء الغزو العسكري إلى أفغانستان، بذريعة الإطاحة بحكم طالبان الذي يوفّر حاضنة لتنظيم القاعدة وزعاماته والقضاء عليه، وما لبثت الإدارة الأمريكية حتى قررت كذلك غزو العراق، بدعوى توجيه "ضربات استباقية" للإرهابيين.

إلا أن الإخفاق الأمريكي في كل من أفغانستان والعراق، والذي كانت تكلفته باهظة للغاية، ولاسيما على المستوى الإنساني، حيث قتل حوالي ربع مليون من العراقيين، ومثلهم تقريبًا في أفغانستان، عدا عن الخسائر المادية، قد ترك البلدين ضحيّة للنهب والفساد والطائفية والمزيد من التطرّف والإرهاب.

 

فبعد سنوات من غزو العراق، انشقّ عن تنظيم القاعدة جماعة أخرى أشدّ تطرفًا، أطلقت على نفسها اسم "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف اختصارًا باسم "داعش". وبالاعتماد على تقنيات معقّدة ومتطوّرة بصريًا وتقنيًا على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصّات النشر الرقمي، شكّلت "داعش" حالة جديدة جاذبة لأعداد كبيرة من المتأثرين بفكر التنظيم من دول ومناطق مختلفة، وفي العام 2015، أعلن التنظيم عن قبوله مبايعة قادة "ولاية خراسان"، لتكون واحدة من الولايات التابعة للتنظيم المركزي. وكان من أبرز القادة الذي أعلنوا مبايعتهم لأبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم الدولة في العراق والشام، حافظ سعيد خان، والملا عبد الرؤوف، وأبو عمر الخراساني، والذي أعدمته طالبان مؤخرًا.

وعلى الرغم من إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، في تشرين الأول/أكتوبر 2019، عن مقتل أبو بكر البغدادي، والقضاء على "الخلافة، 100 بالمئة" على حد تعبيره، وهو ما عاد للتصريح به مجددًا في كانون الثاني/يناير 2020، مؤكدًا على القضاء على "داعش وخلافتها، 100 بالمئة". إلا أنّه من الواضح أن التنظيم لم ينته "100 بالمئة" كما ادعى ترامب، وذلك بالنظر لطبيعة أيديولوجيا التنظيم وتفشيها على نطاق جغرافي وإقليمي واسع، غير مرتبط بشكل عضوي بخلية مركزيّة. فقد حثّ "تنظيم الدولة" أتباعه ومناصريه على تنظيم أنفسهم في مجموعات أصغر وأكثر تعقيدًا، وتنفيذ هجماتهم على نحو مستقلّ، وهو ما يعني أن القضاء على زعيم التنظيم لا يعني القضاء على أفراده أو الحيلولة دون ارتكابهم هجمات إرهابية، حتى لو كانت منفردة.

كم يبلغ عدد المقاتلين في تنظيم "ولاية خراسان"؟

وفق بعض التقديرات، فإن أعداد المقاتلين الذين انضموا لتنظيم "ولاية خراسان" قد بلغ في ذروته حوالي 4000 مقاتل، إلا أنّ العدد قد انخفض بشكل كبير ومؤثر في السنوات الأخيرة، مع تكثيف الضربات العسكرية الأمريكية في المعاقل التي يتواجد فيها التنظيم، وفي المعارك التي دارت بين تنظيم "ولاية خراسان"، والمقاتلين التابعين لحركة طالبان.

فبعد السيطرة على سجن "بولي شارخي" في كابول، في 15 آب/أغسطس 2021، أقدمت حركة طالبان على إعدام أمير تنظيم "ولاية خراسان"، أبو عمر الخراساني، وعدد من أعضاء التنظيم، في رسالة مباشرة إلى المجتمع الأفغاني، والمجتمع الدولي، بأن طالبان لن تقبل بمثل هذه التنظيمات والتعامل معها في حال سيطرتها على الحكم في البلاد.

وقد خاضت طالبان العديد من المعارك ضدّ التنظيم، بدعم مباشر من القوات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، وهو ما ساعدها على التغلّب عليه وإضعاف قدراته العسكرية والتنظيمية ومصادر تمويله، خاصة في ولايتي كونار وننكرهار شرقي أفغانستان.

ورغم سرية الدعم العسكري الأمريكي لحركة طالبان ضد تنظيم "ولاية خراسان" إلا أن عدة تقارير، من بينها تقرير للواشنطن بوست في تشرين الأول/أكتوبر 2020، كشف عن دور القوات الأمريكية في "تعزيز تحرّكات طالبان ضد تنظيم ولاية خراسان"، وذلك عبر عمليات جويّة بالطائرات المسيّرة والعسكرية، والتي كان لها دور كبير في منح الأفضلية لطالبان في عملياتها ضد التنظيم.

نجم عن التفجير الإرهابي الذي تبنته "ولاية خراسان" مقتل أكثر 170 أفغانيًا (NYT)

ويتألف الجناح الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم "ولاية خراسان"، من مقاتلين محليين من ولاية كونار والمناطق المحيطة بها، ولا يشكّل المقاتلون الأجانب نسبة مؤثرة منهم. وبينما انضمّ البعض إلى تنظيم "ولاية خراسان" لدوافع أيديولوجية، إلا أن الغالبية انضمت إليه كفرصة لكسب المال وطمعًا بالسيطرة على الموارد وبعض الأنشطة التجارية والاقتصادية.

قد يعد تهديد ما يعرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان"، أحد الدوافع التي قد تقنع المجتمع الدولي بضرورة التعاون مع طالبان والاعتراف بحكومتها

 هذا وقد يعد استمرار تواجد ما يعرف باسم "تنظيم الدولة الإسلامية" في أفغانستان، أو "ولاية خراسان"، أحد الدوافع التي قد تقنع المجتمع الدولي بضرورة التعاون مع طالبان ودعمها، بما في ذلك الإدارة الأمريكية الحالية التي ترى في "تنظيم الدولة" أحد أكبر التهديدات الإرهابية لأمنها القومي، بحسب تصريحات متكررة لجو بايدن، بخلاف النظرة إلى حركة طالبان الأفغانية، غير المصنفة في قوائم الإرهاب الأمريكية. كما أعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مؤخرًا، بأن الولايات المتحدة، ستتابع سلوك "حكومة طالبان، من أجل تحديد ما إذا كان من الآمن وجود دبلوماسيين أمريكيين على الأرض في أفغانستان". كما كرّر البيت الأبيض قناعته بضرورة استمرار التواصل مع طالبان، من أجل تسهيل عمليات الإجلاء حتى نهاية آب/أغسطس، مع تلميحات بأن الإدارة الأمريكية ستناقش مسألة الاعتراف بحكومة طالبان مع الشركاء الأوروبيين.