ثلاث سنوات مرت على اغتيال الشهيد شكري بلعيد ولا يزال سؤال كشف الحقيقة دون إجابة بيّنة. وكان هذا السؤال هو مناط السجال السياسي في تونس بين المعارضة من جهة، والسلطة السياسية القائمة حينها، وهو سجال كاد يعصف بمسار العملية السياسية برمّتها. اليوم، بعد ثلاث سنوات من اغتيال بلعيد، بات من الضروري أن يُحمل سؤال كشف الحقيقة لذاته، وأن يكون عنوان وحدة بين مختلف الفرقاء السياسيين وهو ما يستلزم تجاوز مستوى الاتهامات المتبادلة ورمي كل فريق الكرة في ملعب آخر، في ملعب هو في الأصل يجمع الكلّ، أو هكذا تقتضي طبيعته.
بعد 3 سنوات من اغتيال شكري بلعيد، بات من الضروري أن يُحمل سؤال كشف الحقيقة لذاته، وأن يكون عنوان وحدة بين مختلف الفرقاء السياسيين في تونس
أن يكون بلعيد شهيدًا، فهو شهيد تونس، وهو ما يقتضي، وهنا عنصر التوتّر فيما مضى، الانتقال من صورة بلعيد المعارض في حياته، والذي اُستثمر اغتياله سياسيًا، والاستثمار حقّ في بابه، إلى صورة بلعيد كرمز للفاعل السياسي الذي ناضل في صفوف شعبه لإسقاط النظام الديكتاتوري. وهو ما يعني استخلاصًا، الانتقال من صورة بلعيد من مستوى الخصم والجدال السياسي إلى مستوى الأيقونة الوطنية الجامعة.
وهذا الانتقال، الذي نأمل أن يتمّ نهاية بحكم التاريخ بعد عقود حين نتجاوز مستوى اللحظة الزمنية الآنية وتوتراتها، يجب توكيده من الآن وذلك من مختلف الفاعلين السياسيين بما فيهم الفريق السياسي الذي انتمى إليه الشهيد. ولذلك، يجب أن يكون سؤال كشف الحقيقة، مترفعًا عن مستوى الجدال السياسي والتجاذب التقليدي، لفضاء أرحب وذلك بعنوان الشهيد الرمز، أي الانتقال من البحث عن حقيقة يُظن أنها معلومة ويجب تصعيدها وكشفها، إلى البحث عن حقيقة بدأت خيوطها بالتكشّف وفق آليات العمل القضائي. وهو ما يستلزم منح الثقة للقضاء، خاصة وأن المؤشرات الأولية المتعلقة بالملفّ، تبيّن أن الملف بصدد التفكيك، وأن شبكة الاغتيال المتورطة تم كشفها. وذلك فيما يتعلق بالحقيقة الجنائية.
وهذه هي الحقيقة التي يجب فصلها عن مساحة الجدال السياسي، والذي حان وقف انخفاض منسوبه في هذا الملف دون تجاوزه بحكم طبيعة الاغتيال نفسه، وذلك من أجل حقيقة موضوعية صمّاء، تحفظها الذاكرة الوطنية.
أن يكون بلعيد شهيدًا، فهو شهيد تونس، وهو ما يقتضي، الانتقال من صورة بلعيد المعارض في حياته، إلى صورة بلعيد كأيقونة وطنية جامعة
فالخشية أن يُضاف اغتيال بلعيد لقائمة اغتيالات لم تبح بكل أسرارها، وبقي معها دم الشهيد دمًا مسكوبًا على عتبة لا تُثار إلا على سبيل النزاع والفرقة بين التونسيين. وفي هذا الجانب، لا يزال دم الشهيد صالح بن يوسف، أحد عناوين الصراع التاريخي بين اليوسفيين والبورقيبيين في تونس، حيًا والذي يُنتظر أن تعالج العدالة الانتقالية هذا الملف لتحقيق المصالحة التاريخية المرجوّة. غير أن هذه المصالحة تشترط بالضرورة كشفًا للحقيقة، وهو الامتحان الأصعب الذي لا يتقادم بالزمن كما يُخيّل للبعض.
من المهمّ اليوم أن تعلم عائلة شكري بلعيد، وأن يعلم أنصار حزبه، أن دمه ليس ملكًا خاصًا بفئة دون أخرى، وأنه وإن كان لا يمكن المجادلة أنهم الأحرص على كشف الحقيقة، فإن غيرهم لا يقل حرصًا عن ذلك. وذلك من أجل بناء صورة بلعيد كشهيد رمز وأيقونة للنضال السياسي في فترة البناء الديمقراطي، وليس شهيدًا لفئة دون أخرى. فمن اغتال الشهيد لم يكن يستهدفه فقط لذاته، بل كان يستهدفنا جميعنا.
اقرأ/ي أيضًا: