07-مايو-2023
آرسين فينغر

في أحد البرامج الترفيهية التي عُرضت خلال شهر رمضان الماضي، حلَّ أحمد فتوح نجم نادي الزمالك المصري، وأحد أهم اللاعبين المصريين حاليًا ضيفًا، وفي أحد الأسئلة التي طُرحت عليه، وكانت تدور عن مهاراته في طهي الطعام، كانت إجابته أنه يتناول أكل الشارع، ويعشق الأكل المصري.

يقوم بعض اللاعبين بتعيين طهاة خاصين بهم، للتحكم في أدق تفاصيل الأطباق التي تُقدم لهم، وتساعدهم على السير على النظام الغذائي الذي يفرضه عليهم النادي

يضعنا أحمد فتوح في حيرة شديدة، ويجعلنا نتساءل، هل في عام 2023 لا يزال لاعبونا بدون نظام غذائي يتناسب مع المستوى الذي يشاركون فيه من بطولات، سواء كان في البطولات المحلية، أو القارية؟ وكذا يدعوننا للتفتيش عن ما وصل إليه علم التغذية في العالم الرياضي تحديدًا؟

"فرمان" من أرسين فينغر

 عام 1996، تولى أرسين فينغر القيادة الفنية لنادي أرسنال الإنجليزي، وبمجرد وصوله شعر فينغر بقلق تجاه النظام الغذائي للاعبين، حيث اعتادوا تناول كمية كبيرة من الشوكولاتة قبل المباريات.

إن تغذية لاعب كرة القدم تختلف عن لاعب الكريكيت،. لاعب كرة القدم يحتاج بشكل أساسي للكربوهيدرات لإمداده بالطاقة، بينما يبقى لاعب الكريكيت لمدة أطول في ملعب المباراة

بدأ فينغر على الفور في إرساء مبادئ نظام غذائي صارم للاعبيه، مما أغضب قادة الفريق منه حينها، لكن الحال الآن بعد 27 عام تغير بشكلٍ كلي فيما يخص ملف التغذية، ليس في أرسنال فقط، وإنما في معظم أندية كرة القدم حول العالم، حيث تقدم الأندية الآن نصائح غذائية مُفَصلة للاعبيها، وتوظف الأندية الكبرى خبراء تغذية بدوام كامل.

آرسين فينغر

لعقود لم يكن ملف التغذية الرياضية محط اهتمام أنظار معظم  العاملين في الرياضة في العموم، وفي كرة القدم على وجه الخصوص؛ والسبب أن معظم المدربين واللاعبين لم يعتقدوا أنه هناك تأثير بين ما يأكله اللاعبين ومستوياتهم في المباريات، وهو شأنه شأن عدة ملفات أخرى مثل علاقة الصحة النفسية بكرة القدم وغيرها.
لكن ومع تحول كرة القدم إلى صناعة حقيقية تهدف إلى الربح في المقام الأول، كان لابد من الاهتمام بكافة التفاصيل التي تتشابك مع اللعبة سواء داخل الملعب أو خارجه، وبالتأكيد كان ملف التغذية الرياضية هو أحد أهم هذه الملفات، التي احتاجت لإعادة النظر فيها.
 

من فينغر إلى غوارديولا وكلوب

لم يُأخذ ملف التغذية الرياضية على محمل الجد حتى مع اهتمام بعض المدربين به، كما ذكرنا مثال فينغر في الأعلى، فلم يعطي فينغر نفسه لهذا الملف اهتمامًا كاملاً حتى عام 2009، عندما جلب خبير تغذية للعمل مع الفريق بشكلٍ دائم، تبعه في ذلك جوارديولا في برشلونة، ثم كلوب في ليفربول

بعد مدّة وجيزة من انتقال المدرب الألماني يورجن كلوب إلى ليفربول عام 2016، أوصى بانضمام "منى نمر" إلى النادي كرئيسة تغذية قادمة من فريق بايرن ميونخ، حيثُ عملت مع بيب غوارديولا مدرب الفريق حينها لمدى 3 سنوات. سرعان ما وضعت منى خطط غذائية لكل لاعب على حدة، ولم يتوقف تحكمها فيما يتناوله اللاعبون خلال فترة التدريب في النادي فقط، بل في حافلة الفريق، وفي الفندق، وحتى في منازلهم الشخصية.

والسؤال الآن هل تؤثر التغذية حقًا في مسيرة اللاعبين؟

ميسي يُجيبك

في كأس العالم التي أقيمت في البرازيل عام 2014، ظهر ليونيل ميسي منهكًا، وظهر وهو يتقيأ أكثر من مرة، ليلجأ بعدها إلى خبير تغذية إيطالي، والذي منعه من تناول بعض الوجبات بعد المباريات مثل البيتزا، ووضع له نظام غذائي صارم طيلة الموسم، منعه فيه من تناول السكريات بإفراط، وفي الموسم التالي لم يعاني ميسي من مشاكل المعدة التي لازمته لفترة.

ميسي

يقوم بعض اللاعبين أيضًا بتعيين طهاة خاصين بهم، للتحكم في أدق تفاصيل الأطباق التي تُقدم لهم، وتساعدهم على السير على النظام الغذائي الذي يفرضه عليهم النادي." كيفن دي بروين- هاري كين- جندوجان..." والقائمة تطول، هم بعض هؤلاء اللاعبين الذين يتعاملون مع "جوني مارش" الرجل الذي يُمسى بـ "طاهي أصحاب المليارات".، حيث يتواصل مارش بشكلٍ دائم مع خبراء التغذية في الأندية، لضمان أن قوائم الأطعمة مصممة خصيصًا لتلبية متطلبات اللاعبين. 

يقول الدكتور "مايور رانشورداس"، مستشار التغذية في فريق "وولفرهامبتون" الإنجليزي، إن دور مستشار التغذية معقد، لأنه يتعامل مع مجموعة متنوعة من اللاعبين من ثقافات مختلفة، وأنه يجب عليه توفير قوائم تناسب ذوق كل لاعب منفردًا.

بعض اللاعبين أصحاب الأعمار الصغيرة لا يعيرون التغذية أهمية، لأن مجهودهم البدني لا يزال في كامل عنفوانه، عمل رانشورداس في علاقة التغذية بكرة القدم لعقود، ولاحظَّ تغير وجهة نظر اللاعبين في ملف التغذية بمرور الوقت، فأصبح اللاعبون الآن أكثر وعيًا بأهمية التغذية السليمة للحفاظ على أدائهم في الملعب، وسرعة تعافيهم أو وقايتهم من الإصابات.

تغذية اللاعبين تطلب جهدًا كبيرًا، وما يأكله اللاعبون يعتمد على موقعهم في الملعب، اللاعبون الذين يقطعون مسافات طويلة، مثل الظهيرين أو لاعبين خط الوسط، يحتاجون إلى سعرات حرارية أكبر من حارس المرمى مثلاً

يتحدث رانشورداس أيضًا أن التكنولوجيا وفرت عليهم الكثير من الجهد، فأصبح متاحًا الآن لخبراء التغذية فحص ومراقبة كل شئ، من معدل ضربات القلب، ونسب الدهون في الجسم، ومعرفة الفيتامينات والمكملات الغذائية التي يحتاجها كل لاعب.

يكمل رانشورداس عن تغذية اللاعبين بأنها تطلب جهدًا كبيرًا، لأنه يعتمد ما يأكله اللاعبون بناءً على موقعهم في الملعب، اللاعبون الذين يقطعون مسافات طويلة، مثل الظهيرين أو لاعبين خط الوسط، يحتاجون إلى سعرات حرارية أكبر من حارس المرمى مثلاً.

يقول "كريس روزيموس" المستشار الغذائي، الذي عمل مع فريق ليستر سيتي الإنجليزي، ومع منتخب إنجلترا للكريكت، إن تغذية لاعب كرة القدم تختلف عن لاعب الكريكيت،. لاعب كرة القدم يحتاج بشكل أساسي للكربوهيدرات لإمداده بالطاقة، بينما يبقى لاعب الكريكيت لمدة أطول في ملعب المباراة ويحتاج لتوزيع مختلف للدهون والكربوهيدرات والبروتينات.

الاهتمام بالطعام مثل التدريب

في كرة القدم الحديثة لا يُترك شيء للصدفة، ناهيك عن الطعام، فالتثقفيف الرياضي السليم هو مفتاح الأداء الأداء الجيد في الملعب.

يقول بيت سوغرانييس، خبير التغذية في أكاديمية مارسيت: "الاهتمام بالطعام مثل التدريب، ما يفعله لاعبونا على مائدة العشاء لا يقل أهمية عما يفعلونه على العشب. لا يتعلق الأمر بأن تصبح رقيب على اللاعبين، لكن وظيفتي هي إعلام الرياضيين ومساعدتهم على فهم ماذا ولماذا يأكلون ما يأكلونه، حتى يتمكنوا لاحقًا من اختيار ما يأكلونه ومتى يأكلونه بأنفسهم ".

يلتقي سوغرانييس شخصيًا مع كل لاعب في الأكاديمية، ويسألهم عن كيفية تناولهم للطعام،  ثم يقدم إرشادات لتحسين نظامهم الغذائي لتحقيق أهداف مثل اكتساب كتلة العضلات، أو فقدان كتلة الدهون، أو مجرد تناول الطعام بشكل أفضل، يخبرنا سوغرانييس بشكل عام أن النظام الغذائي المثالي للاعب كرة القدم ليس بعيدًا عما يجب أن يتبعه أي شخص يريد أن يعتني بنفسه، فيتعلق الأمر بالسعي إلى التوازن الغذائي الصحيح بناءً على مقدار الطاقة المطلوبة، وإعطاء الأولوية للكربوهيدرات والبروتينات ذات القيمة البيولوجية العالية.

أحمد فتوح وعثمان ديمبلي

بالرغم من كل هذه الأهمية التي توليها الأندية لتغذية اللاعبين، إلا أن اللاعبين أصحاب الأعمار الصغيرة لا يعيرون التغذية أهمية، لأن مجهودهم البدني لا يزال في كامل عنفوانه، لكن بمرور الوقت، ومع زيادة الإصابات يبدأ هؤلاء اللاعبون في إدراك أهمية التغذية السليمة والمبنية على أسس طبية. فلا يقتصر الأمر على أحمد فتوح ولا على اللاعبين العرب، بل لمعظم اللاعبين في هذه الفئة العمرية تقريبًا.

ديمبلي

يتحدث "ميكائيل نايا" وهو واحد من أربعة طهاة تم طردهم من جانب نجم برشلونة، الفرنسي عثمان ديمبلي، فيقول: "عثمان فتى لطيف، لكنه لا يتحكم في مجريات حياته، لا يحترم أوقات النوم، ولا الأكل الصحي." في النهاية، علم التغذية بمثابة النور الذي أضاء ملاعب كرة القدم، والرياضات الأخرى، لكن تطبيقه يحتاج إلى مسؤولية مشتركة من كلا الطرفين، النادي، واللاعبين أنفسهم.