في إحدى إطلالاته الإعلامية النادرة، جلس البطريرك الماروني نصر الله صفير وكأنه في موقع لا يشبهه، تحاول الإعلامية بولا يعقوبيان عبثًا أن تُخرج الكلمة من فمه، تطرح عليه سؤالًا بحجم مقدمة دستور أو توطئة كتاب، فيجيب بنعم أو كلا، وقد يُلحقها أحيانًا بهزة رأس أو إشارة تُضاف إلى ما تقدم من إجابة لا تتعدى كلماتها عدد أصابع اليد الواحدة. هكذا هم البطاركة بشكل عام، لكن صفير كان أكثرهم صمتًا وأقلهم كلامًا وأشدهم تأثيرًا ووقعًا ومكانة.
الخصم يُرشّح الخصم نكاية بالخصم والحليف، والحليف ينتفض على الحليف ليحط رحاله في تصرف الخصم
ما أشبه حال موارنة لبنان السياسي والتمثيلي برقصة التانغو، الرقصة التي تنص قوانينها الناظمة والحازمة على حفظ عمودك الفقري بشكل مستقيم، ورفع رأسك إلى الأعلى، وإرسال كل إشارات الثقة بالنفس عبر لغة جسدك. إن لم تحافظ على ما تقدم، ستصبح مدعاة للسخرية، بل قد تتسبب في إصابة شريكك على نحو سيئ عبر حركة انفعال خاطئة. الأمر أشبه بنصر الله صفير، لا مجال للخطأ أو المناورة، فالرسالة سامية، والطريق معبّدة بالدم والدموع والأمل، والهدف واضحٌ وضوح الشمس: نحن قديسو هذا الشرق .. ولسنا شياطينه!
ولكن، أي لعنة تلك التي حلّت بالموارنة، يجتمعون ويتفقون على أقطاب أربعة، ويُقسمون أمام الله والكنيسة والناس أن يسيروا في ركب من تنضج حظوظه الوطنية. يُسمى قُطب فينتفض الثلاثة: جميعنا إلا هذا. يُسمى آخر، فيعيدون الكرّة: وهذا. تذهب إلى الثالث، ينفصلان: فريقٌ هنا، وفريقٌ هناك، وآخر على الحياد. الخصم يُرشّح الخصم نكاية بالخصم والحليف، والحليف ينتفض على الحليف ليحط رحاله في تصرف الخصم، فيما يخرج المحايد ليلعن هذا وهذا وذاك، وليقول لعموم الموارنة في لبنان والكوكب: أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا .. متى أضع العمامة تعرفوني!
كم نحن بحاجة إلى دور لبناني مسيحي عاقل، بعيدًا من الرؤوس الحامية والغوغائيات والانعزال!
حينما ينتقل الموارنة من رقصٍ متعثر على حافة الهاوية ليرقصوا التانغو المتلعثم، ستعم السخرية والانفعالات الخاطئة. في خضّم هذا الشرق الحزين، وفي لحظة الجنون الجماعي من المضيق إلى المضيق، يبدو نافرًا هذا الانزلاق العبثي نحو الدرك، المنطقة تشتعل على وقع قرع صنوج الحرب بين السنّة والشيعة، والعالم برمته يرزح فوق صفيح ملتهب، كم نحن بحاجة إلى دور لبناني مسيحي عاقل، بعيدًا من الرؤوس الحامية والغوغائيات والانعزال، كم نحن بحاجة لحضوركم، أنتم موارنة "محمد" المعوشي وبطرس صفير، اخلعوا عنكم هذا الزيف وتعالوا، تعالوا نرقص التانغو.. ولتذهب الرئاسة إلى الجحيم.
اقرأ/ي أيضًا: